إن التأمل في الأوضاع التنظيمية في أقاليم قطاع غزة التي وصلت إلى مرحلة يصعب وصفها سوى بكلمة " تراجع " والنتائج المترتبة عليها من فقدان الثقة والاحباط الشديد لدى كافة أبناء الحركة بمختلف مسمياتهم ومواقعهم من مختلف القضايا سواء أكانت التنظيمية من عملية استنهاض التنظيم أم سياسية ، يجعلنا نطرح سؤالاً محورياً عن أسباب هذا التراجع في ظل عدم القدرة على بلورة برنامج تنظيمي واضح لعملية استنهاض التنظيم يسند بحوامل أبناء الحركة تتبناه وتدافع عنه وتناضل في سبيله، فاليوم انتشرت في ساحتنا الفتحاوية عدد من الظواهر الغريبة عن ثقافتنا التنظيمية لدى أبناء الحركة التي تتجلى عملياً في التراشق الكلامي العلني وإصدار البيانات والمزاودة وعدم الاعتراف بشرعية القيادة، وأصبح البعض يتباهى باستخدام صفحات التواصل الاجتماعي للتحريض والتحشيد لغرض شحن النفوس وإفساد العلاقات الأخوية بين أبناء الحركة وهي ليست من شيم رجال فتح الذين عملوا بصمت على مدار سنوات وسنوات، كما ظهرت بعض الاجسام الموازية التي أصبحت حقيقة موضوعية تمارس نشاطها التنظيمي على الأرض بمبادرات فردية كيدية دون الرجوع للقيادة ويعتقدون بأنهم يمثلون التنظيم، وأصبح كل جسم ظهر جديدا يمثل شريحة محددة من أبناء التنظيم، وأعطى نفسه حق تمثيل الجماهير من جهة، ومنح نفسه الشرعية دون ادنى اعتبار لمؤسسات الحركة القائمة واحترام التسلسل التنظيمي، لذا لا يمكن العمل في اطار حركة فتح بان تكون معها في ان وضدها في ان اخر.
لعل ما يحصل على ساحتنا التنظيمية يعكس العديد من المواقف المتباعدة التي تبدو غير طبيعية بين خصوم وأعداء في داخل الجسم الواحد، وفي مضامينها يكمن جزء كبير من الحقيقة، حيث تحولت تلك الظواهر إلى شتيمة تعكس الواقع المر الذي يعيشه أبناء الحركة بين قيادة عجزت عن تحقيق إنجاز تنظيمي ملموس ولو بحده الأدنى، لأن النجاح في نهاية المطاف يقاس بما ينجز بأقل الخسائر الممكنة، لا بما يرفع من شعارات غير ممكنة التنفيذ أمام تراكمات عديدة، ومنتقدين من أجل الانتقاد أغلبيتهم ممن كلفوا بمهام تنظيمية سابقة في ظل غياب الثقافة التنظيمية وخاصة ثقافة "مهمة التنظيم الحركي"، حيث أن المهمة التنظيمية في أي موقع قيادي لا بد لها أن تخدم الغاية والمهمة الأساسية للحركة التي تتطلب تنظيم وجودنا الفتحاوي وتوثيق الروابط والصلات بين أبناء الفتح والعمل من أجل الاستقطاب والتأثير لصالح الحركة، كما أن المهمة التنظيمية تكليف وليس تشريف، فالمهام التنظيمية تأتي وتذهب ولا تقف عند شخص محدد، فالشرعية تكون للمكلف بالمهمة التنظيمية من القيادة وهو الذي يمثل القاعدة الفتحاوية ويحمل آمالها وطموحاتها والتطلع للعمل معها بما يحقق النهوض بأوضاع الحركة، ولذا تنتهي المهام التنظيمية للعضو بقرار من قيادة الحركة ليعود بين أحضان القاعدة الفتحاوية بروح المسئولية والايمان بالعمل الجماعي وتحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص واحترام القرار التنظيمي، كما أنه لا يجوز التقليل من أي جهد ما دام في خدمة المهمة التنظيمية، وفي اطار الحركة.
اليوم أصبح أبناء فتح في حالة تيهان وحيرة من أمرهم وأمام سؤال: من يمثل من في الحركة؟، ولعل إجابة السؤال تكمن بأن الكل يريد تسلم مفاتيح قيادة فتح في قطاع غزة ليتصرف كما يشاء مقابل بقائه في القيادة دون مواكبة الاستحقاقات والتحولات والتطورات، فتكلست مفهوم القيادة لديهم في حدود العمل التنظيمي التقليدي، والكل يدور في نفس الدائرة دون تقدم لأنه أريد للتنظيم في غزة أن يكون هكذا، فالأوضاع التنظيمية مخيبة للآمال، الأمر الذي يجعل ضرورة انتقال القيادة من مرحلة التفرج على ما يجرى إلى مرحلة اتخاذ القرار التنظيمي باعتباره أمراً إجبارياً لفهم حقيقة الواقع دون مجاملات وعواطف ومعرفة حدود العمل التنظيمي وخاصة أننا مقبلين على استحقاقات المصالحة ومنها إجراء الانتخابات العامة، لذلك نرى بان وحدة الحركة دائما تحمي المشروع الوطني الفلسطيني الذي مثلته حركة فتح على مدار اكثر من اربعة عقود، هذا الدور التاريخي للحركة العملاقة يحتم على كل فتحاوي غيور تعزيز وحدة الحركة وتفعيل كافة اطرها التنظيمية وتعزيز دور الشباب ومشاركتهم الفعلية في الاطر الحركية، ولتكن المؤتمرات الحركية للمناطق والأقاليم ورشة عمل لطرح كافة الآراء المختلفة وفتح صفحة جديدة لتفعيل دور حركة فتح الرائدة في العمل الوطني الفلسطيني.
بقلم: رمزي النجار
[email protected]