تنامى الدور الروسي في المنطقة الإقليمية

بقلم: محمد أحمد ابو سعده


مقدمة :
تُعتبر العلاقات الروسية فى منطقة الشرق الأوسط ، أحد أهم عناوين ومضامين الأمن القومي ، والسياسة الخارجية لموسكو منذ عقود طويلة، وقد شهد الاهتمام الروسي بمنطقة الشرق الأوسط تزايداً ملحوظاً علي مدى السنوات الثالثة الماضية؛ ليس فقط مقارنة بما كانت عليه خلال حقبة الاتحاد السوفيتي، وإنما كذلك مقارنة بحقبة التسعينيات ومطلع الألفية ، فقد عادت روسيا لتلعب دوراً فاعلاً ، وتتخذ مواقفاً واضحةً في العديد من القضايا الدولية والإقليمية، ساعدها في ذلك وجود قيادة روسية شابة متطلعة وواعية للأولويات الوطنية وقادرة على تنفيذ سياسات الدولة بكفاءة.
دوافع اهتمام روسيا في منطقة الشرق الأوسط
أولاً: استعادة مواقع النفوذ التي فقدتها منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وتصحيح الخلل في توازن القوى مع الولايات المتحدة إلى علاقة أكثر تكافؤ بين شريكين على قدم المساواة فى ظل محدودية دور المنظمات الدولية والإقليمية، وعدم احترام قواعد القانون الدولي.
ثانيًا: الاحتياجات الروسية ذات الطابع الجيوسياسي والاقتصادي، مثل الحصول على موطئ قدم لها في منابع الطاقة الرئيسية بالخليج العربي وشمال أفريقيا، وكذلك الوصول بأساطيلها إلى المياه الدافئة، وضمان مصالحها التجارية والسياسية ذات الصلة.
ثالثاً: تعتبر روسيا دول مجلس التعاون الخليجي من أهم مقومات الشرق الأوسط؛ لما تمثله من قوة مالية واقتصادية وتجارية وبترولية، وبالتالي فمن مصلحة روسيا أن يكون لها نفوذ في المنطقة، وأن تقيم علاقات جيدة مع دول الخليج، خاصة في ظل وجود تعاون متبادل على مختلف الأصعدة، ولجنة للحوار الاستراتيجي بين الطرفين.
رابعاً: المرتكزات القانونية التي ظهرت بما يخص مكافحة ما يُعرف بالإرهاب الدولي، والاهتمام الروسي السياسي والقانوني بهذه المسألة حيث يُعتبر سابقًا على الاهتمام الأميركي؛ حيث يعود ذلك إلى التسعينيات الماضية، عندما نشبت أزمة الشيشان الأولى والثانية.
خامساً: تجد روسيا أن لعبَ دورِ الوساطة مغرياً، فهو يتيح لها الاضطلاع بدور عالمي مؤثر، خاصة أثناء المفاوضات ، كما أن دور الوساطة يُمكِّن موسكو من اتخاذ موقع جيد للتلاعب بالتوترات بين الأطراف المختلفة لصالح مصالحها القومية.
سادساً : المرتكز الديني لروسيا في سياساتها الخارجية حيث أن روسيا اعتبرت نفسها وريثة الدولة البيزنطية، وتصرفت على هذا الأساس، ومن بين أبرز مظاهر ذلك أن لفلسطين والقدس - باعتبار أنها مكان ميلاد السيد المسيح عليه السلام- مكانة رمزية شديدة الأهمية لدى الروس، ولذلك يمكن تفسير الهجرة الكبيرة لليهود الروس إلى إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، والتي وصلت إلى مليون يهودي روسي في بضعة أعوام.
سابعاً: لدى روسيا مصالح اقتصادية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، حيث أنها مجالُ لعقد صفقات بيع للأسلحة الروسية، كون الشرق الأوسط أحد أكبر مناطق العالم من حيث الطلب على الأسلحة. ومن ناحية أخرى فإن المنطقة تشهد تزايداً ملحوظاً في الطلب على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية؛ وهو ما يتيح لروسيا الفرصة في الحصول على نصيب من هذا الطلب.
ثامناً: إن سعَي روسيا إلى زيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، لا يخدم مصالحها هي فقط، بل يصب أيضاً في مصالحة الصين الحليف الأكبر لروسيا؛ حيث ترى الصين – المصدر الأكبر للسلع في المنطقة - أن زيادة النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط أفضل من النفوذ الأمريكي ، الذي سعى كثيراً من أجل إبعاد الصين عن هذه المنطقة.
سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط
لن أتطرق في هذه الدراسة إلى توضيح علاقات روسيا مع جميع دول منطقة الشرق الأوسط ، إلا أننى سوف اختصرها فقط على العلاقات الروسية المصرية ، باعتبار مصر دولة محورية ، وتمر بظروف غير مستقرة ، وكذلك الموقف الروسى من الصراع العربي الإسرائيلي على اعتبار بأنه البوابة الحقيقية لدخول هذه المنطقة .
أولاً : العلاقات الروسية المصرية :
تعتبر مصر أكبر وأهم دولة عربية ، وباتت الهدف المقبل لروسيا بعد تألقها فى الأزمة السورية، وجاءت زيارة وزير الدفاع المصري السابق عبد الفتاح السيسى لروسيا مؤخراً ، لتعيد إلى الأذهان صورة الشراكة التي كانت بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والإتحاد السوفيتي، ومن اللافت للنظر أن موسكو اختارت صيغة (2+2) لإحياء تلك الشراكة التاريخية مع القاهرة، بإيفاد وزيري الخارجية والدفاع معاً الى الخارج، وهي صيغة لم تستخدمها إلا في مرات معدودة ومع دول كبرى مثل اليابان، مما يظهر الأهمية التي توليها لهذا اللقاء، فالموقف الأمريكي من ثورة 30 يونيو2013م، والتي أسقطت حكم الإخوان، فتح الباب للقاهرة كي تخرج إلى فضاء أوسع في سياستها الخارجية، ودفعها لإعادة تقييم العلاقات مع واشنطن، فيما تظل إسرائيل القوة الإقليمية الأكثر قلقاً وترقباً للتقارب المصري الروسي وخاصة فيما أُعلن عن اتجاه البلدين لتعزيز التعاون العسكري بينهما.
لذا إستحوذت أنباء صفقة السلاح بين مصر وروسيا، على اهتمام بالغ ، والتي تفوق قيمتها 3 مليارات دولار، والتى جاءت بعد القرار الامريكي بحَجْب المساعدات العسكرية عن مصر في أكتوبر الماضي ، في الوقت الذى يواجه فيه الجيش المصري جماعات مسلحة في سيناء وتهديدات أمنية خطيرة على الحدود .
وفى موازاة الزيارات المتبادلة بين الطرفين المصرى والروسى ، تم مناقشة أزمة سد النهضة الأثيوبي، والموقف التركي والأمريكي ضد مصر في دعم أثيوبيا لبناء سد النهضة، وجاء تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بوجوب الدفاع عن الحقوق المائية للدول ، دليل واضح على دعم روسيا لمصر للوقوف ضد أثيوبيا، من خلال عرض الأزمة في المحافل الدولية للضغط عليها، موضحاً أن روسيا هي من قامت ببناء السد العالي، وساعدت مصر في الحفاظ على حقوقها المائية كنوع من أنواع المساندة التاريخية.
ثانيا : الموقف الروسى من الصراع العربي الاسرائيلي :
حاولت الدبلوماسية الروسية لعب دور عقلاني ما بين العرب وإسرائيل ، ولكن الأوراق كافة وضعت في البيت الأبيض الأميركي، إلا ان موسكو تحذر من توتر الأوضاع مستقبلاً بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، لذا تدعو إلى تنشيط دور الرباعية الدولية وتفعيلها، لأنها متخوّفة من التعنت الإسرائيلي المتمادي وخاصة في إقامة المستوطنات على أراضى الضفة الغربية .
و عند الحديث عن موقف روسيا من عملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي، فإن موقف روسيا داعم وبقوة للمطالب العربية في دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967م، إلا أن الدور الروسي في عملية السلام يجابهه تحدي احتكار الولايات المتحدة لجهود الوساطة – إن صح التعبير- بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فضلاً عن رفض إسرائيل لأية جهود وساطة بخلاف الولايات المتحدة، وهي ضمن الأمور التي أدت إلى عدم نجاح التحرك الروسي في إطار فردي أو جماعي ضمن الرباعية الدولية في تحريك المياه الراكدة لعملية السلام طوال السنوات الماضية.
إلا ان الدور الروسى تجاه فلسطين لم يتوقف ، وظهر ذلك من خلال قيامها بتوقيع 3 اتفاقيات مع السلطة الوطنية الفلسطينية ، وهى واحدة مع وزارة الداخلية الفلسطينية ونظيرتها الروسية، وأخرى تتعلق بالجمارك، وثالثة خاصة بالصحة .
كما جاء الموقف الروسى المساند للقضية الفلسطينية من خلال مباركتهم لجهود المصالحة الفلسطينية وتوقيع اتفاق الشاطئ ما بين حركتى فتح وحماس .
الموقف الإسرائيلي من تنامى الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط
أولاً : موقف اسرائيل من التقارب الروسى المصرى :
بعد تدهور العلاقات المصرية – الأمريكية، عقب قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، تجميد المساعدات العسكرية لمصر، أعربت الحكومة الإسرائيلية عن خشيتها من تأثير ذلك القرار على موقف مصر من بنود معاهدة “كامب ديفيد” خاصة أن مصر تخوض حالياً معركة ضد جماعات مسلحة في شبه جزيرة سيناء، كما أن التعاون العسكري مع روسيا من شأنه تزويد مصر بأحدث التقنيات في هذا المجال بعيداً عن الرقابة الاسرائيلية .
ثانياً : رد فعل إسرائيل على سياسة روسيا في المنطقة :
حاولت اسرائيل التقرب الى روسيا محاولة منها لسد الفراغ في العلاقات الروسية الامريكية ، وظهر ذلك من خلال "الموقف المحايد" الذى اتخذته إسرائيل في أزمة القرم الاخيرة ؛ مما ترتب عليه توتر بين إسرائيل والولايات المتحدة ، مما جعل رئيس الوزارء الإسرائيلي نتنياهو القيام يلغى لروسيا كي لا يزداد التوتر مع الولايات المتحدة.
ويرجع غضب الأمريكيين من غياب الإسرائيليين عن تصويت استنكار الزحف الروسي على القرم، والذي تمّ في الأمم المتحدة . وظهر ذلك من خلال ما صرح به مسؤول أمريكي بقولُه: "لقد فوجئنا من أننا لم نر إسرائيل منضمة لأغلب دول العالم التي صوتت في الجلسة العامة للأمم المتحدة ، تأييدًا للحفاظ على سلامة أوكرانيا الإقليمية".
والذى استشاط غضب الامريكان أكثر هو ما صرح به رئيس الفرع السياسي- الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية، عاموس جلعاد، في مقابلة مع إذاعة الجيش، " بأن إسرائيل غير ملزمة للموافقة تلقائيًّا على المصلحة الأمريكية". وأن "إسرائيل تتابع ما يحدث" في أوكرانيا، بينما "تتدخل أمريكا وفقًا لمصالحها، لكن لا يمكن جعل مصلحتنا مطابقة لمصلحة جهة أخرى، حتى لو كانت الولايات المتحدة".
ختاماً : ما جاء في هذة الدراسة لا يعني أن روسيا الان أصبحت قوة عظمى على الساحة الدولية، وإنما يمكن القول بأنها تسعى لأن تصبح قوة مؤثرة في إطار نظام متعدد الأقطاب.
النتائج :
1- يعتبر عام 2013م، هو عام الدبلوماسية الروسية خاصة بعد الدور الذي لعبته في تجنيب سورية ضربة عسكرية أمريكية.
2- التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط؛ مهدت الطريق لموسكو لبناء علاقات دولية مميزة .
3- بعد أن كانت واشنطن تهيمن على المنطقة، بدأ نفوذها في التراجع جراء سياستها العدوانية في التعامل مع بعض دول المنطقة ، وموقفها من بعض تلك التحولات ، التي رفضت أو جاءت بأنظمة لم ترض عنها.
4- انفتاح فى العلاقات المصرية الروسية ، وتراجع حدة العداء السعودي الروسي.
5- تسعى الخارجية الروسية في تعاملها مع غالبية قضايا الشرق الأوسط ، إلى التواصل مع كافة الأطراف المعنية في ذات الوقت، ومحاولة اتباع سياسة الحلول الوسط؛ بما لا يخل بالتوازن في المنطقة، ودون إغفال عامل المصلحة.
التوصيات :
1- العمل على التقارب ما بين القيادة الفلسطينية والقيادة الروسية .
2- فتح صفحة جديدة ما بين القيادة الفلسطينية والقيادة المصرية المقبلة .
3- محاولة وضع روسيا في التطورات التى تطرأ على مستجدات الساحة الفلسطينية .
4- أن تلتزم القيادة الفلسطينية الحياد بخصوص الإجراءات التى تقوم بها روسيا في منطقة القرم .
5- عقد المزيد من الاتفاقيات بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الروسية تتعلق بالتعاون البحرى بين البلدين .
اعداد:
محمد أحمد أبو سعدة
مختص في شئون الشرق الاوسط
مسئول دائرة الانشطة والابحاث في معهد بيت الحكمة