الحضور المسيحي الفلسطيني (تاريخ وجغرافيا)

بقلم: حنا عيسى

المسيحيون الفلسطينيون هم المسيحيون المنحدرون من شعوب المنطقة الجغرافية لفلسطين التاريخية، والتي هي مهد الديانة المسيحية، ويعيشون اليوم في الأراضي الفلسطينية، حيث ينقسمون إلى أربع طوائف أساسية: الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية، الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية، الكنائس الرومانية الكاثوليكية (اللاتينية والشرقية)، والكنائس البروتستانتية..

يقطن معظم المسيحيين في الضفة الغربية في مدن بيت لحم والقدس ورام الله حيث توجد الغالبية العظمى منهم، إضافة إلى بيرزيت والطيبة وعدد من البلدات والقرى الأخرى مثل الزبابدة في محافظة جنين، وعابود وعين عريك وجفنا في محافظة رام الله والبيرة، وفي رفيديا بنابلس. كما يتركز المسيحيون في منطقة الجليل في مدينتي الناصرة وحيفا وفي عدد آخر من البلدات والقرى، حيث يعيشون مع غيرهم من المسلمين، بمن فيهم الدروز. ومع ذلك، لا تزال هناك كنائس مسيحية في كل من يافا والرملة تدل على الحضور التاريخي للمسيحيين في تلك المناطق.

المسيحيون الفلسطينون بتعايشهم الجميل مع المسلمين يؤكدون مجموعة من العوامل التاريخية والعلاقات الممتازة التي تميّز بها اللقاء الإسلامي ـ المسيحي في الشرق العربي. ومن هذه العوامل التاريخية:

أولاً: وجود الأماكن المقدسة المسيحية واعتراف الإسلام بها. حيث ان العهدة العمرية التي أعطاها الخليفة عمر بن الخطاب للبطريرك صفرونيوس عند فتح القدس في عام 638 ميلادية لحقوق المسيحيين وأماكن عبادتهم هي أوضح مثال لاعتراف الإسلام بالأماكن المسيحية المقدسة.

ثانياً: وجود المسيحيين في أماكن سكن مشتركة في المدن مع غيرهم من المواطنين يشاركونهم العيش الواحد بآلامه وبآماله.

ثالثاً: التاريخ والمصير المشترك (الأثر الذي تركه الصراع العربي - الإسرائيلي بجميع أبعاده على السكان ككل من دون اعتبار للخلفية الدينية أو أية خلفية أخرى).

رابعاً: مساهمات المؤسسات المسيحية، في مجالات التعليم والصحة والخدمات المختلفة بغض النظر عن الخلفية الدينية للذين طالتهم هذه المساهمات.

خامساً: إعتزاز المسيحيين بجذورهم القومية والدينية.

المسيحيون بين الهجرة والتهجير:

والفلسطينيون المسيحيون يشكلون نحو 20% من حجم تعداد الفلسطينيين حول العالم الذي يبلغ ما يقارب 11.600.000 فلسطيني 4.400.000 منهم في الاراضي الفلسطينية،2.700.000 في الضفة الغربية، و1.700.000 في قطاع غزة، وحوالي .400.0001 مليون فلسطيني في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام1948م، اضافة لـ 5.100.000 في الدول العربية، و655.000 في الدول الاجنبية حسب الاحصائيات الاخيرة ، إلا انه في الوقت الحالي يشكل المسيحيون ما نسبته اقل من1% فقط من تعداد سكان الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وذلك لأن معظم مسيحيي فلسطين قد توجهوا إلى العيش في بلاد أخرى لأسباب مختلفة منها (وجود الاحتلال الإسرائيلي في هذه الأراضي، الوضع الاقتصادي السيئ، حيث الإحصائيات الاخيرة تشير بأن عدد المسيحيين 40.000 شخص في الضفة الغربية، واقل من 5000 في القدس، و1250 في قطاع غزة". ومن الأسباب المباشرة لانخفاض نسبة المسيحيين في فلسطين: انخفاض معدل المواليد بين المسيحيين بسبب ارتفاع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، فشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية أخرى بلا جدوى البقاء بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية والسياسية فيها، وبالرغم من المصاعب المعيشية إلا أن المسيحيين إلى جانب إخوانهم المسلمين ما زالوا يكافحون من اجل تنمية وازدهار هذا الوطن.

حقوق المسيحيين في مسودة الدستور الفلسطيني:

الدستور أو القانون الأساسي هو أعلى سلطة قانونية في البلاد فيجب أن يتضمن الحقوق الأساسية والحريات العامة وكيفية ضمان عدم المساس بها، من اجل حياة كريمة لكل مواطن في الدولة.

والمسيحييون هم فلسطينيون بالدرجة الاولى، يتمتعون بكافة الحقوق المدنية والسياسية كأي فلسطيني في دولة فلسطين، حيث الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على اساس مبدأ الفصل بين السلطات، والاسلام هو الدين الرسمي في فلسطين ولسائر الديانات السماوية احترامها وقدسيتها، ونظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية.

والفلسطينيون امام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق او الجنس او اللون او الدين او الراي السياسي او الاعاقة، فحقوق الانسان وحرياته الاساسية ملزمة وواجبة الاحترام، حيث تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون ابطاء على الانضمام الى الاعلانات والمواثيق الاقليمية والدولية التي تحمى حقوق الانسان.

والحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس. فلا يجوز اخضاع احد لاي اكراه او تعذيب، والمتهم برئ حتى تثبت ‏ادانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، والعقوبة شخصية، وتمنع العقوبات الجماعية، ولا جريمة ولا عقوبة الا بنص قانوني، وللمساكن حرمتها، فلا تجوز مراقبتها او دخولها او تفتيشها الا بامر قضائي مسبب ووفقا لاحكام القانون.

وحرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة شريطة عدم الاخلال بالنظام العام او الاداب العامة، ولا مساس بحرية الرأي، ولكل انسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غير ذلك من وسائل التعبير او الفن مع مراعاة احكام القانون، والمسكن الملائم حق لكل مواطن، والتعليم ايضاً حق والزامي حتى نهاية المرحلة الاساسية على الاقل ومجاني في المدارس والمعاهد والمؤسسات العامة. حيث تشرف السلطة الوطنية الفلسطينية على التعليم كله وفي جميع مراحله ومؤسساته وتعمل على رفع مستواه. ويكفل القانون استقلالية الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي، ويضمن حرية البحث العلمي والابداع الادبي والثقافي والفني، وتعمل السلطة الوطنية على تشجيعها واعانتها. تلتزم المدارس والمؤسسات التعليمية الخاصة بالمناهج التي تعتمدها السلطة الوطنية وتخضع لاشرافه.

والعمل حق لكل مواطن وهو واجب وشرف وتسعى السلطة الوطنية الى توفيره لكل قادر عليه. والتنظيم النقابي حق ينظم القانون احكامه. وللفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية افرادا وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الاتية :-

- تشكيل الاحزاب السياسية والانضمام اليها وفقا للقانون.

- تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والاندية والمؤسسات الشعبية وفقا للقانون.

- التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقا للقانون.

- تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص.

- عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور افراد الشرطة، وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون.

ولا يجوز ابعاد اي فلسطيني عن ارض الوطن او حرمانه من العودة اليه او منعه من المغادرة او تجريده من الجنسية او تسليمه لاية جهة اجنبية. ورعاية الامومة والطفولة واجب وطني، وللاطفال الحق في:- الحماية والرعاية الشاملة. والتقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل فلسطيني حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعي. وكل اعتداء على اي من الحريات الشخصية او حرمة الحياة الخاصة للانسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الاساسي جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية الفلسطينية تعويضا عادلا لمن وقع عليه الضرر.

وثيقة "وقفة حق":

وثيقة «وقفة حق» والتي تُعرف باسمها اللاتيني «كايروس»: تنص «إن استخدام الكتاب المقدس، لتبرير أو تأييد خيارات ومواقف سياسية فيها ظلم يفرضه إنسان على إنسان أو شعب على شعب آخر، يحوّل الدين إلى إيديولوجية بشرية ويجرّد كلمة الله من قداستها وشموليتها وحقيقتها... ولهذا نقول أيضاً إن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية هو خطيئة ضد الله وضد الإنسان لأنه يحرم الإنسان الفلسطيني حقوقه الإنسانية الأساسية التي منحه إياها الله.. ونقول إن أي لاهوت يدعي الاستناد إلى الكتاب المقدس أو العقيدة أو التاريخ ليبرر الاحتلال إنما هو بعيد عن تعاليم الكنيسة، لأنه يدعو إلى العنف والحرب المقدسة باسم الله، ويُخضع الدين لمصالح بشرية آنية، ويشوّه صورته في الإنسان الواقع في الوقت نفسه تحت ظلم سياسي وظلم لاهوتي».

لقد وضعت «كايروس» وثيقة «وقفة حق» الإصبع على الجرح عندما قالت: «إن وجودنا، نحن الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، على هذه الأرض ليس طارئاً، بل له جذور متأصلة ومرتبطة بتاريخ وجغرافية هذه الأرض، مثل ارتباط أي شعب بأرضه التي يوجد فيها اليوم. وقد وقع في حقنا ظلم لمّا هُجرنا. أراد الغرب أن يعوّض عما اقترفه في حق اليهود في بلاد أوروبا، فقام بالتعويض على حسابنا وفي أرضنا. حاول تصحيح الظلم فنتج عنه ظلم جديد».

مسيحيو الشرق والربيع العربي:

يلقي الواقع الذي تعيشه كثير من الدول العربية، وخصوصاً تلك التي شهدت انتفاضات شعبية أدت إلى تغيير الأنظمة، بظلال قاتمة على وضع الأقليات الدينية ومستقبلها في المنطقة. حيث ينتاب المسيحيون موجة من القلق إزاء انعكاسات ما سمي بـ "ثورات الربيع العربي" على أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط، حيث ان الأوضاع غير المستقرة في المنطقة أجبرت بعض المسيحيين على مغادرة بلدانهم، وبالتالي شكلت هجرة المسيحيين خسارة للمسلمين وللبلاد.

فالربيع العربي تحول الى محنة خطيرة بالنسبة لمسيحيي الشرق الأوسط الذين يقدر عددهم بستة عشر مليون شخص ، حيث باتت الطوائف المسيحية تشعر بقلق شديد على مستقبلها. ويتركز الإنتباه حاليا ، وبخاصة، على سورية التي لم ينجُ مسيحيوها من ويلات الحرب الأهلية القائمة في البلاد، فوقع الكثيرون منهم ضحية لحمامات الدم . وعلى ضوء الأحداث الأخيرة وميل قسم من المجتمعات العربية صوب الإسلام السياسي لم يعد المسيحيون، للأسف الشديد ، يرون آفاقاً لتعايش طوائفهم الطبيعي في المنطقة. ولا يستبعد بهذا الخصوص ان تحصل هجرة واسعة للمسيحيين من الشرق الأوسط الى اوروبا والولايات المتحدة وامريكا اللاتينية. وواضح ان هجرة المسيحيين من هذه المنطقة ستؤدي الى فقدان المنطقة هويتها الفريدة والمميزة.