في ذكرى القائد الكبير الشهيد عمر شبلي "ابو احمد حلب"

بقلم: عباس الجمعة

في ذكرى القائد الكبير الشهيد عمر شبلي "ابو احمد حلب"
يجب أن نقدم نموذجا فاعلا قادرا على إحداث التراكم الكفيل بإحداث التغيير المنشود

سبعة اعوام مرت على رحيل القائد الوطني الكبير الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية عمر شبلي " ابو احمد حلب " وبقيت ذكراه العطرة، ذكراه الوطنية والقومية ، لان امين عام الجبهة كان من القادة المؤسسين منذ العام 1959، بقدر ما كان فلسطينيا بامتياز، بقدر ما كان عربيا بامتياز اعظم، لانه آمن بأهمية تحالف قوى الثورة في انجاز مهام التحرر من الاستعمار والامبريالية بشكليها القديم والجديد، لادراكه العميق ان انتصار قوى الثورة في النطاق الوطني مرتبطة بنهوض حركة التحرر في النطاق القومي كما انها عميقة الارتباط بالنهوض بحركة التحرر العربية والعالمية. وكما اكد كل القادة العظام للجبهة وفي مقدمتهم الامناء العامون طلعت يعقوب وابو العباس.
ابو احمد حلب قائدا وطنيا في مدرسة في النضال ، تميز بمصداقية عالية، وبنظافة الكف، لم يعرف المهادنة والوسطية، وكان مشدودا لعامل الوحدة الوطنية ودفء العلاقة الرفاقية والقناعات الفكرية العميقة، ولم يغادر يوما خنادق الوحدة الوطنية، لانه كان يعتقد ومن معه من قيادة الجبهة والقوى السياسية الوطنية الاخرى المتوافقة مع رؤيته، ان تشكيل الاطر القيادية الفلسطينية والحفاظ على دور منظمة التحرير الفلسطينية، وتغليب المصالح العليا للوطن على المصالح الفئوية هو الاساس لمواصلة مسيرة الكفاح الوطني.
فكان رحيل الشهيد القائد ابو احمد مع تزامن ذكرى النكبة التي رأى تاريخها المأساوي، حيث شكلت النكبة اكبر عملية سطو سياسي في التاريخ بحق شعبنا العربي الفلسطيني، الذي شردته آلة الدمار ومرتكبي المجازر بتواطؤ امبريالي عالمي، وتخاذل رسمي ، ولكن نقول ان على الشعب العربي الفلسطيني ومعه الشعوب العربية وكل أحرار العالم، مواجهة الهجمه الامبريالية الصهيونية التي تستهدف نهب الثروات العربية والسيطرة على مقدرات الأمة، وتكريس الفرقة والتجزئة، بما يمنع تطور امتنا وتقدمها، وبما يجعلها فريسة للتبعية، التخلف والدكتاتورية ، ولهذا فان مقاومة المشروع الصهيوني، إن كانت رأس حربته شعب فلسطين، فان أعواد رماحه امة عربية كاملة، إذا ما اجتمعت وتوحدت، تستطيع أن تحقق النصر الأكيد.
إننا أمام ذكرى أليمة ، ولكننا بالمقابل أمام ذكرى رجل، كرس جل حياته للنضال من أجل شعبه، من أجل وطنه وقضيته، ومن أجل الحق والعدالة والكرامة الوطنية، إننا أمام رجل كرس جل حياته ، لوضع القيم والمثل السياسية والأخلاقية والإنسانية موضع التنفيذ، لم يفقد أبو احمد ثقته بالجماهير العربية، بل ظل مراهنا عليها، رغم جفاف الوضع العربي وتصحره، فهو يقول: "إن الجماهير العربية التي قاومت الاستعمار وأحلافه وأتباعه عبر تحركها الشامل الواسع، تستطيع اليوم أن تفشل المشروع الصهيوني الأمريكي الساعي لإخضاع الوطن العربي وتصفية قضيته المركزية، وحماية الأمة من عملية سلب إرادتها وثرواتها، إنها قادرة بحركة واسعة ومنظمة على إلغاء الاتفاقات ، وهي قادرة على تبديد كل الأوهام حول سلام مزعوم مع قاتلي الأطفال وقاطعي الشجر وممتهني الكرامة الإنسانية.
هذا هو أبو احمد حلب الذي لم يفسد والضمير الذي لم يصدأ والعزيمة التي لم تلن والقائد الذي عركه الكفاح وعلمه فنون القيادة، وبُعد الرؤية، والحرص الوطني، والانشداد للمناضلين، حيث لم يتعب، مؤكدا ننا لا نزال في بداية الطريق، ومشوارنا صعب، وطويل لكننا نسير بالاتجاه الصحيح وبيدنا بوصلة الرؤية السياسية والتنظيمية والفكرية والكفاحية، التي تركها لنا الشهيد القائد ابو العباس حين اغتالوه لم يختاروا عينة عشوائية لإشباع نهم الإجرام لديهم، أو حتى توجيه رسالة سياسية إلى طرف فلسطيني آخر، بل انتقوا ضحيتهم بعناية وهم يعرفون سلفا ماذا كان يمثل ابو العباس لشعبه وانتفاضته ، ولهذا لن تجعلنا عملية اغتياله نتوه عن الطريق، هذا هو أبو احمد القائد الذي خسرته فلسطين حيث اعطي أهمية كبيرة للعمل الكفاحي والنضالي، وكان دور الجبهة في الانتفاضة بارزاً وملحوظاً،وصعدت من عملها الكفاحي والنضالي.
وامام ذكرى القائد الوطني الكبير ابو احمد حلب ، ونحن في لحظة مصيرية نقول ما أحوجنا للقادة المؤسسين والشهداء الذين رحلوا وهم يعتصمون بالمقاومة والكرامة ووحدة الشعب والأرض ومنظمة التحرير وإرادة النصر والحرية وصيةًً لنا من بعدهم، ما اخذنا بها لن نحيد أبدا عن الأهداف التي قضوا من اجلها جيلاً بعد جيل حتى انتصارهم وشعبنا وامتنا بهزيمة عملية اغتصاب فلسطين ونكبتها المستمرة منذ ستة وستين عاما ونيف ويمضي في إنفاذها على قدم وساق هذا الاستعمار الصهيوني الاستيطاني ألإجلائي العنصري المدعوم من الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية، حيث يواجه ابطال الحرية من قلب الأسر، وتحت سطوة الإرهاب الصهيوني، ومع مواصلة نضال الشعب العربي الفلسطيني الاحتلال واجرامه الموغل في القتل، ومحاولاته التي لم تتوقف لطمس الهوية العربية الفلسطينية، حيث يقف الفينيق الفلسطيني شامخا، يتمسك بأرضه وهويته ولغته وثقافته المتجذرة، تكريسا لوجوده وثباته وأحقيته بصنع النصر والحياة.
ان ابسط أشكال الوفاء للشهداء وفي المقدمة منهم الرئيس الرمز ياسر عرفات وابو العباس وابو احمد حلب وطلعت يعقوب والحكيم جورج حبش والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وعبد الرحيم احمد وسمير غوشه وعمر القاسم هو تنفيذ اتفاق المصالحة بتشكيل حكومة الكفاءات والشروع في انتخابات شاملة داخل الوطن وخارجه والمجلس الوطني الذي يمثل الفلسطينيين في كل مكان ويعيد تفعيل وتطوير منظمة التحرير كمرجعية عليا وممثلا وحيدا لشعبنا في كافة أماكن تواجده، على أساس إستراتيجية سياسية وكفاحية واجتماعية جديدة وبديلة لحالة التآكل للبرنامج الوطني والشرعية وحقوق المواطن الديمقراطية وحرياته المكتسبة.
واليوم التحدي الذي باتت تواجهه جبهة التحرير الفلسطينية الان أكثر من أي وقت مضى، ومعها جميع القوى ، هو بلورة البديل النظري والعملي من الخيارات المعتمدة بعد وصولها إلى حائط مسدود، وتجسيد ذلك بفعالية كاملة على جميع المستويات والصعد، فلا يكفي تسجيل المواقف للتاريخ، إنما يجب أن تقدم نموذجا فاعلا قادرا على إحداث التراكم الكفيل بإحداث التغيير المنشود، فإذا كانت جبهة التحرير على سبيل المثال تعارض المفاوضات، كما هي فعلا، فهي تستجيب بشكل دائم وتلقائي لاتجاه الشعب الفلسطيني العام، ولم تعاكس إرادته ومصالحه وأهدافه.
ان عقد المؤتمر الوطني للجبهة اصبح ضرورة ملحة من اجل ان يقرر السياسات العامة وينتخب هيئات الجبهة القيادية الاولى وفي مقدمتها لجنتها المركزية والمكتب السياسي , وضخ جيل جديد في صفوف هيئاتها القيادية وحتى يكون بمثابة محطة وانطلاقة متجددة لجبهة التحرير الفلسطينية انطلاقة توفرها وتضمنها الارادة الجماعية لعموم مناضلي الجبهة وارادة منظماتها وانصارها واصدقائها في الوطن والشتات.
ان المرحلة اليوم تحتاج الى قوى تستنهض الجماهير بمعركة التحرير الوطني، تعيد القضية مكانتها على كافة الاصعدة المحلية والعربية والدولية، باعتبار ان التاريخ يشهد لجبهة التحرير الفلسطينية دورها المساهم بابقاء القضية على كافة الاصعدة مطروحة وبقوة، بارادة قياداتها وكوادها وجماهيرها التي اثبتت ان لا راية نرفعها الا راية فلسطين حتى التحرير وبناء الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس واحلال العدالة الاجتماعية.
رحم الله الشهداء الذين صنعوا فجر الثورة وصعدوا بها الى السماء، ومازالت القافلة الوطنية تسير وان كان بخطى متعثرة، ولكن راية الثورة لم تتوقف لحظة، ولن تتوقف إلآ بتحقيق الاهداف الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة.
كاتب سياسي