تستمر الجماعات المتطرفة التي ترفع الإسلام شعاراً، في حصد مزيد من النقاط لصالح التشويه والعداء المتزايد للإسلام بما يعزز ظاهرة الإسلام فوبيا التي أصبحت منتشرة بين العديد من شعوب العالم خاصة الغربية. وفي سياق استمرارية هذا النهج يأتي الفعل الذي أقدمت عليه جماعة "بوكو حرام" النيجيرية في 14 أبريل حين اختطفت حوالي (300) طالبة تتراوح أعمارهن ما بين (16 -18) عاماً، واتخذتهن كسبايا لبيعهن فيما بعد للزواج بدلاً من التعليم الغربي المحرم الذي يخضعون له وفقاً لتصريح أبوبكر شيكاو زعيم الجماعة.
يعد الفعل الشنيع ومسلسل الإجرام الذي تمارسه هذه الجماعة وأخواتها من جمعات التطرف التي تلصق نفسها بالإسلام، هو عشقاً لارتكاب الجرائم لذاتها وتنفيذاً لمخططات وأجندة سياسية تخدم الدول التي تتقاطع معها مصلحياً. ويعد أكثر المستفيدين من هذه الجماعات وإرهابها هو الغرب الذي عادة ما يوظف ممارساتها في خطابه السياسي لتشويه الإسلام ذاته، حيث يعكف هؤلاء على ترويج أن الإسلام وتعاليمه هي من تغذي روح التطرف والإرهاب، ويحرصون في خطابهم إلى استخدام مصطلحات تساند هذا الاتجاه.
إن حملة التشويه الغربي للإسلام ووصفها لتعاليمه بأنها مصدر التخلف والتطرف الذي يتعارض مع أبجديات الليبرالية، مستمرة ومستعرة وقد طالت كل رموز الإسلام بدءاً من نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم الذي استهدف بعدد من الأفلام المسيئة لسيرته العطرة، إلى الحجاب والمساجد والمآذن التي وصفت بأنها رموزاً للتخلف والإرهاب وبالتالي تهديداً لقيم الديمقراطية الغربية، ففي حملة غربية متطرفة ضد بناء المآذن في سويسرا عام 2006 قامت "لجنة إغركينغن" وهي حركة شعبوية في منطقة إغركينغن السويسرية، بنشر ملصق عليه صورة امرأة ترتدي النقاب وتقف إلى جوار مآذن على شكل صواريخ مدمرة تخرج من العلم السويسري منطلقة تجاه السماء. وبدورها فقد تسابقت الدول الغربية إلى حظر العديد من الرموز الإسلامية بانتهاك صارخ للحريات والحقوق التي كفلتها المعايير الدولية لحقوق الإنسان سيما الحق في حرية الاعتقاد وما يلزم ذلك من متطلبات للممارسة هذا الحق.
وفي سياق حملة التشويه للإسلام يأتي تحمس الغرب للانتصار للضحايا من المسلمين عندما يترتب على فعل الجناة تشويه للإسلام، ويتضح ذلك بالانتفاضة الدولية ضد خطف الطالبات النيجيريات من قبل جماعة بوكو حرام. وهذا مثال سبقه الكثير من الشواهد لتسليط الغرب الضوء على قضايا من شأنها الإساءة للإسلام بعينه، والتي بدأت تتصاعد وتيرتها منذ هجمات 11 سبتمبر2001، وافتتاحية بوش الابن لما يسمى بالحرب على الإرهاب بتصريح متطرف في حينه بأن الحرب القادمة هي حرب صليبية على الإسلام. هذا علاوة على ما يعمد إليه الغرب من التركيز الإعلامي على ممارسات الحركات "الإسلامية" الإرهابية في جميع أماكن تواجدها وترويج أفعالها بأنها لها سند إسلامي متطرف.
في المقابل فإن الجماعات المتطرفة المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها من الجماعات التي تستند إلى أفكار دينية بعينها في ارتكاب جرائمها، لا يتم وصف الديانات التي تتبعها بالتطرف والإرهاب، فعلى سبيل المثال لا يأتي الخطاب الغربي على ذكر التطرف المسيحي عند الحديث عن إحدى أكثر المجموعات المسلحة وحشية وإرهاباً وهو جيش الرب المسيحي الذي بدأ نشاطه عام1988 في شمال أوغندا ومنها انتقل إلي السودان والكونجو وافريقيا الوسطى. وهو ما ينطبق أيضاً على ما ترتكبه الجماعات المسيحية المسلحة وفي مقدمتها جماعة " أنتي-لاكا" من عمليات إرهابية وتطهير عرقي واسعة تجاه المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى.
في السياق ذاته، لم يتم الإشارة إلى الإرهاب اليهودي رغم وجود الكثير من الجماعات الإرهابية اليهودية- هجاناة، شترين، الأرجون...وغيرها- التي وقفت خلف العديد من الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين وعملت على تهجيرهم من أراضيهم عام 1948، هذا وما زالت العديد من الجماعات اليهودية الإرهابية المتطرفة ترتكب الجرائم بحق الفلسطينيين ومنها مؤخراً ما تعمد إليه جماعة "تدفيع الثمن اليهودية" من تنظيم اعتداءات متكررة على الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم، هذا بخلاف أن ما يسمى بدولة إسرائيل وهي جل سكانها من أتباع الدين اليهودي وما تزل تحتل الأراضي الفلسطينية وترتكب أفظع الجرائم بحق الفلسطينيين، لم يأت الإعلام الغربي يوماً ولو بإشارة واحدة على ذكر أن اليهودية دين إرهاب.
وفي الاتجاه ذاته يأتي إرهاب الجماعات البوذية المتطرفة ضد مسلمين جنوب شرق آسيا من أقلية "الروهينغا"، حيث تنشر المجموعة البوذية السريلانكية "بودو بالا سينا" ذات النزعات الدينية والعرقية والقومية، ونظيرتها البورمية مجموعة "969"، وكلتيهما تتلقيان دعماً من الرهبان البوذيين لأفعالهما. حتى أتباع الديانة الهندوسية من المتطرفين شكلوا جماعات إرهابية متطرفة ومنها "أبهيناف بهارات"، وهي منظمة تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف تأسست عام 2005 – 2006، وقامت بالعديد من الأفعال الإجرامية ضد مسلمين الهند.
أمام هذه الطائفة الواسعة من جماعات التطرف المستندة لأفكار دينية وقومية بارتكابها لأفعالها الإجرامية سيما ضد المسلمين - حيث أن هناك الكثير من الشواهد التي توضح إجرام هذه الجماعات الموجه تجاه أبناء الوطن الواحد من غير المسلمين مثل جماعة "الكلو كلكس كلان" المسيحية الأمريكية بالغة التطرف والتي تنادي بسمو العرق الآري الأبيض، وهي تستخدم العنف وممارسات إجرامية كالحرق على الصليب لاضطهاد خصومهم من الأمريكيين الأفارقة وغيرهم. كما يأتي في السياق ذاته الهجوم الذي نفذه أندريس بيهرينغ بريفيك عام 2011 وهو نرويجي مسيحي من اليمين المتطرف، على مبنى حكومي ومعسكر شبابي للحزب الحاكم في النرويج ذهب ضحيته (93) قتيلاً. وهناك أيضاً الإرهابي تيموثي جيمس ماكفي الأمريكي الجنسية مسيحي الديانة، وهو المسؤول عن العملية التفجيرية في مدينة أوكلاهوما في عام 1995 التي راح ضحيتها (168) قتيل. ومن ذلك أيضاً ما أقدم عليه الإرهابي اليهودي باروخ جولدشتاين، من إطلاق للنار على المصلين المسلمين في المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1995 وقتل (29) شخصاً- فإن الغرب لا يفزع للانتصار للضحايا من المسلمين عندما يكون الجناة من غير المسلمين بما لا يمكن الاستفادة من أفعالهم في تشويه الإسلام، بل إن الغرب يصمت أمام ما ترتكبه الجماعات المتطرفة غير الاسلامية ولا يعمد على وصف أي من الديانات أو أتباعها بالإرهاب والتطرف.
إن حملة التشويه التي ينتهجها الغرب ضد الإسلام هجوم كان قد وصفه إدوارد سعيد "إنه من النوع الذي لم يعد مقبولاً في الغرب حين يُوجه لليهود أو السود أو الآسيويين أو الأفارقة. يتهم العرب بعدم الأصالة وبالمحافظة وبعدم المقدرة على التحضر، وبالإرهاب، بل وبالتواكل وبالقذارة، ثم يقال إن سبب هذا كله هو الإسلام...". إذ أي فعل يمارسه المسلمون نابع من ثقافتهم ويقع في سياق حريتهم الشخصية المكفولة وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا يتساوق مع الثقافة والقيم الغربية يدفع الغرب على وصفهم والإسلام ذاته بالتخلف والرجعية، رغم أن التخلف هو عدم تقبل الآخر وثقافته. كما أن أي فعل يقدم عليه المتطرفين الذين ينسبون أنفسهم للإسلام، يعمد الغرب على كيل التهم للإسلام ذاته بأنه دين تطرف وإرهاب.
لا يمكن إنكار أن ما أقدمت عليه جماعة بوكو حرام من خطف الطالبات هو فعل إجرامي شنيع، بل لا يمكن إغفال أن ما تقوم به كل الجماعات المتطرفة التي تنسب نفسها للإسلام، هي أفعال قذرة ذات تأثير كارثي في كل مناطق تواجدها. كما أصبح جلياً أن ممارسات هذه الجماعات تلتقي مع المصالح والخطاب الغربي في تشويه الإسلام وخلق رأي عام عالمي معاد للإسلام والمسلمين، وهي تلتقي مع الغرب أيضاً بنشر الفوضى والعنف وعدم الاستقرار في البلاد الإسلامية عموماً والعربية على وجه الخصوص، لضمان ضعفها وعدم توحدها بما يهدد المصالح الصهيوغربية في المنطقة.
بالمحصلة فإن الإرهاب لا دين له، والإسلام دين سلام وتسامح لا دين إرهاب، كما يروّج الغرب ويجند له الامكانات كافة لتأكيد هذه الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام. أما الجمعات المتطرفة التي تحمل أفكاراً مجافية لصحيح الإسلام، فأصبحت أفعالها القبيحة واضحة بأنها أداة هامة من أدوات السياسة الغربية والصهيونية توظفها الأخيرة خدمة لتحقيق مصالحها وفي مقدمتها تشويه صورة الإسلام أمام الرأي العام العالمي.