يعجبكم الحديث عن دولة إسرائيل التي ينتشر فيها الفساد، والتي تتآكل من داخلها، ويمزقها التمييز العرقي بين اليهود الاشكناز واليهود السفرديم، ويعجبكم الحديث عن دولة إسرائيل التي تنتشر فيها الجريمة، ويعيش تحت سقفها الشواذ جنيسياً، ويتحكم في شوارعها العالم السفلي، بل لقد بالغ بعض كتابنا الفلسطينيين في الشماتة بدولة إسرائيل إلى حد التباهي بنقاوة حكامنا، وطهارة سيرتهم، وبراءتهم من الفساد قياساً إلى أولئك الحكام اليهود الفاسدين.
أزعم أن الذي يصغر من شأن عدوه لا يفكر في الارتقاء إلى مستواه، وأزعم أن الذي يبالغ في إظهار قوة عدوه يتهرب من مواجهته. لذلك أرى أن التعرف على عدونا جيداً هي المقدمة لمجاراته في رقيه، ومن ثم التفوق عليه، حتى في مجال محاربة الفساد، الذي برعت فيه إسرائيل، وتفاخرت وهي تحاكم رئيس وزرائها السابق أهود أولمرت، بتهمة الفساد وخيانة الأمانة، لتجسد بذلك قمة العمل الديمقراطي الذي نفتقر إليه في بلاد العرب، فنحن إما أن نجعل من الحاكم نصف إله طالما يتربع على كرسي الحكم، وإما أن نجعل منه شيطاناً رجيماً مجرد ابتعاده عن كرسي الحكم، وفي كلا الحالتين نعتمد على التشويه المتعمد، وإذا لجأنا إلى القضاء في ما نتهم فيه الحاكم السابق فإننا نعتمد المحاكمات السياسية.
لقد استمر التحقيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي عدة سنوات وهو على رأس عمله، ولم يشفع له كل ما قدمه للدولة من تضحية وعطاء، فلما ظهرت دلائل على تورطه في شبهة فساد، احتجب عن ممارسة العمل السياسي حتى تثبت براءته أو حتى يدان فيدخل السجن كأي مواطن، وقد سبق أولمرت على هذا الطريق رئيس دولة إسرائيل موشي كتساب، الذي تم التحقيق معه وهو على رأس عمله، فلما أدين، وصدر بحقه الحكم، استقال من رئاسة الدولة، ودخل السجن مواطناً متحرشاً جنسياً، وسبقه إلى ذلك وزير الخارجية أفيقدور ليبرمان، الذي التزم بالتحقيق معه، وانتظر بفارغ الصبر براءته من التهم المنسوبة إليه كي يواصل عمله السياسي بلا وجل، وقد سبق الجميع رئيس الوزراء السابق إسحق رابين الذي لم يكمل فترة رئاسة الوزراء الأولى في سبعينيات القرن الماضي بسبب اتهامات مالية تخص زوجته، ليعود ثانية بالانتخاب الديمقراطية رئيساً للوزراء بعد أن ثبتت براءته.
إن الحكم الصادر بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أهود أولمرت لا يشكل إهانة للدولة الإسرائيلية، كما يظن البعض، ولا يحقر من مكانتها بين الدول التي تتفاخر بقضائها الشامخ، بل أن الحكم الصادر يرتقي بهذه الدولة الغاصبة لحقوق الفلسطينيين إلى مصاف الدول الحضارية والديمقراطية التي لا تخشى في حقوق مواطنيها اليهود ملامة لائم، لينعكس ذلك على المزاج العام ثقة بمؤسسات الدولة، التي تحتكم في كل قضاياها إلى القانون، لذلك لا تجد في مثل هذا المجتمع من يصدر أحاماً لفظية بالفساد والسرقة والانحلال والخيانة العظمى، طالما لا يمتلك البينه، ولا يتوفر لديه الشهود.
إن اللجوء إلى القانون في محاربة الفساد كفيل بأن يغلق كل الأفواه القذرة التي تشوه المسئولين في بلادنا دون دليل، وفي هذا المقام يهمني أن أحرض أولئك الذين يتهمون الناس وفق أهوائهم، ويشوهون خصومهم وفق مصالحهم، بأن يكونوا أكثر جرأة وشجاعة، وليتقدموا إلى القضاء بشكواهم، مطالبين بالتحقيق في أصغر قضية فساد تقض مضاجعهم، ويظنون أن للمجتمع حق فيها، وما عدا ذلك، فليشطب كل متحدث بالباطل حروف إدعائه .