الكثير متوجس من أن يكون اتفاق المصالحة مجرد اتفاق محاصصة أو وحدة كونفدرالية بين كيانين مستقلين عن بعضهما البعض والجميع يعلم ان ابرز عقد المصالحة تتمحور حول تقاسم الوظائف ومناصب السيادة (تحت الاحتلال)، وذلك ما يدعو للريبة والحذر من مضمون المصالحة، ولكننا لنعود إلى ما يطمح له المواطن من المصالحة بغض النظر عن تركيبة الحكم الفلسطيني القادم كالتالي:
المواطن بشكل عام: يطمح إلى توفر الخدمات الأساسية والتي يدفع ثمنها كالوقود والكهرباء والغاز والمياه النظيفة، ويطمح المواطن أيضا إلى حكومة توفر له حياة كريمة، والحياة الكريمة هنا لا تعني أن توفر له الدعم المادي بشكل أساسي، بل توفر له موظف ورجل أمن يعامله بود واحترام وتحت سيادة القانون، وهنا يجب أن يكون واضح لموظفي الحكومة بأنه تم اختراع الحكومة من اجل خدمة المواطن والسهر على راحته، وان لم يتحقق ذلك فلا داعي لوجود الحكومة أصلا، وخصوصا ان حكوماتنا دائما فقيرة وغالبا عاجزة أمام طلبات وحقوق المواطن بحكم واقعنا، فلنستعيض عن ذلك بحسن معاملة المواطن وبشكل مضاعف.
وفي ظل تعثر عملية التسوية وعجز القيادة عن تحقيق الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني إلى حد الآن، لماذا لا نستفيد على الأقل من حقوقنا في المرحلة الانتقالية التي تحولت إلى واقع طال أمده، فلا نزال ملتزمين بالتزاماتها ونلبي واجباتنا فيها فلما لا نبحث عن حقوقنا فيها بدل الركض خلف الحلول النهائية على حساب حقوقنا المرحلية، فمن واجب القيادة أن تعيد بناء وتشغيل مطار غزة وبناء مطار قلنديا وبناء وتشغيل ميناء غزة وإعادة تفعيل الممر الآمن كاستحقاقات طبيعية قدمنا ثمنها سلفا باعترافنا بإسرائيل وبتحملنا لأعباء حكم ذاتي تحت الاحتلال.
قطاع الشباب: يطمح إلى أن تتوفر له فرص وآفاق عمل، وهنا لا بد للحكومة والقيادة بان تبذلا جهودا لإتاحة حرية الحركة والإقامة داخل الوطن للشباب أينما أرادوا، فالحل الوحيد لاستغلال طاقات شباب غزة المكدسين في قطاع البطالة ومحبوسين داخل سياج غزة، هو اعمار واستثمار أراضي الضفة الفلسطينية بسواعد شباب غزة بشكل أساسي، ومن الطبيعي أن يتمدد الكم الديموغرافي الهائل في غزة باتجاه أراضي الضفة مع العلم ان ذلك يمثل الكابوس الأكبر للاحتلال الإسرائيلي والهدف الأساسي للاحتلال في سعيه لفصل غزة عن الضفة، هو إبعاد غزة ديموغرافيا عن الضفة، لملئ الضفة بمستوطنيه.
إذا تصفحنا اتفاقية أوسلو التي على أساسها نشكل حكومتنا ومنظومتنا للحكم الذاتي نجد ان عبارة (الضفة وغزة وحدة مناطقية واحدة) قد تكررت عشرات المرات وهي مبدأ أساسي لكل نصوص الاتفاق، فنكرر هنا لماذا نضيع حقوقنا في الحالة الانتقالية التي طالت بالرغم من التزامنا بواجباتنا فيها ؟؟ نحن نعلم ان الاحتلال ينتهك حقوقنا فيها وبشكل سافر ولكن من واجبنا أيضا ان نطلق خط نضالي سياسي جاد من اجل انتزاع تلك الحقوق حتى لو كانت تحت مسمى (انتقالية) موازي لخط النضال السياسي الحالي من اجل حقوقنا الدائمة وإقامة الدولة المستقلة، ان بقيت فرص لذلك، خصوصا وان حقوقنا في المرحلة (الانتقالية) هي أساسا حقوق إنسانية قد كفلتها كل القوانين الدولية قبل أن تكفلها اتفاقية أوسلو.
نعود ونقول، إن عجزت القيادة عن فك القيود عن حركة وحرية الشباب، فسيكون من الطبيعي أن لا يتبقى للشباب طموح سوا العمل في الوظيفة العمومية، حتى لو على شكل بطالة مقنعة كما هو دارج الآن، فلذلك لن يحق لأحد وقتها من الشكوى عن التضخم الوظيفي.
الأمن: يطمح المواطن لان تكون لديه أجهزة أمنية وطنية غير مسيسة تعمل تحت سيادة القانون فقط، ولكن هذا الطموح لا يزال يشكل هاجسا، فعناصرنا الأمنية ولائهم إما لحماس أو لفتح بشكل عام بالرغم من ان معظم رجال الأمن يتمنون التحرر من هذا الولاء والعمل تحت مظلة القانون فقط، ولكن ذلك الواقع الحزبي سيؤدي لإشكاليات مستمرة، فالحل الطبيعي والأمثل لضبط هذه الحالة التي تحتاج إلى مدة من الزمن ليست بقصيرة كي ينتقل الولاء من الحزب إلى القانون، هو عن طريق بذل جهود مكثفة من أجل تشكيل جهاز قضاء عسكري وطني مستقل عن الحزبية بشكل مطلق، وله ذراع تنفيذية (شرطة عسكرية) وطنية مستقلة عن الحزبية إلى أعلى نسبة ممكنة، وله صلاحيات قانونية مطلقة على كل مكونات الأمن الفلسطيني، فبدون توفر ردع فعال لتجاوزات عناصر الأمن أنفسهم فيما بينهم أو تجاه المواطن، لن يستتب الأمن كما يطمح المواطن.
وملخص القول ان المواطن لا يعنيه مصالحة أم محاصصة، فدرالية ام كونفدرالية بقدر ما يعنيه هل منظومة الحكم الجديدة قادرة على توفير حقوقه وأدنى متطلبات حياته أم ستنشغل في نفسها ومشاكلها وتترك المواطن هائما على وجهه كما هو الحال.