زيتونة فلسطين
10- مقبرة الشهداء
وهكذا إنتهى إضراب سجن نفحة الأسطوري والذي شاركهم فيه كافة الأسرى الفلسطينيين، وخاصة سجن عسقلان الذي استشهد فيه الأسير " أنيس دولة " بعد إنتهاء الإضراب بأيام قليلة وبالتحديد في يوم 26/8/1980م، متأثراً بما ألم به من تعب ومعاناة جراء خوضه للإضراب التضامني مع أسرى سجن نفحة، وقد تلي هذا الإضراب بإضراب جزئي أخر استمر لمدة سبعة عشر يوماً بسبب تلكؤ إدارة السجن في تنفيذ المطالب المذكورة وأخيراً تم إنجازها كلها باستثناء جهاز الراديو الذي تحقق خلال إضراب سجن جنيد 1984م، أما جثامين الشهداء على الجعفري وراسم حلاوة وأنيس دولة وإسحاق المراغة فإنه تم دفنها في مقابر الأرقام وسلمت لذويهم في العام 2011م أي بعد مرور 31 عاماً على استشهادهم.
ثامناً: سجن شطه
يقع سجن شطه في غور الأردن بجوار بلدة بيسان الفلسطينية الواقعة جنوب بحيرة طبريا التي سماها الإسرائيليون بيت شأن، ويعود إنشاء هذا السجن إلى قلعة خان التي بناها العثمانيون ومن ثم استعملها الجيش البريطاني، إلى أن حولتها إسرائيل عام 1953 إلى سجن أطلقت عليه شطه، وهذا الموقع يجعل من العيش بالظروف الطبيعية أمراً صعباً لارتفاع درجة الحرارة التي تصل إلى أكثر من 40 درجة صيفاً، فضلاً عن جفاف الجو، فهي منطقة منخفضة عن سطح البحر.
وفي عام 1958 حدث تمرد المعتقلين العرب حيث استطاعوا قتل إثنين من السجانين هما الكسندر يغر ويوسف شيفاح، وبعدها قامت مصلحة السجون بتعزيز الإجراءات الأمنية للسجن من جميع النواحي، وزادت من الطاقم العامل به ليصل إلى ثلاثمائة شرطي .
مارس المعتقلون الفلسطينيون في هذا السجن حياه تنظيمية سياسية في وقت مبكر مقارنة مع السجون الأخرى، وكان ينقل إليه قادة السجون الأخرى عند حدوث إضرابات عن الطعام، أو صدامات مع الإدارة في تلك السجون، ويتكون هذا السجن من أربعة أقسام؛ يحيط به سور من الباطون المسلح بارتفاع أربعة أمتار، ويعلوها سور من الأسلاك الشائكة المكهربة، يتخللها ستة أبراج مراقبة، كما يوجد في السجن غرف عزل ضيقة وتقع تحت سطح الأرض وليس بها أي فتحات للتهوية.
إن طبيعة الحياة في تلك المنطقة تعكس حاجات المعتقلين خاصة تلك الناتجة عن البيئة كدرجة الحرارة، وبناءً عليه فقد عانى المعتقلون كثيراً من الأمراض الجلدية المزمنة، وعدم توفر أدوات ووسائل النظافة الكافية وكذلك الأجواء التي يمكث فيها الأهالي عند زيارتهم لذويهم.
وقد ارتفعت قوة البناء التنظيمي للمعتقلين بعد نقل عدد من قيادة المعتقلين من سجن عسقلان إلى سجن شطه في ديسمبر 1978، مما أدى إلى حدوث إضراب جديد في سجن شطه حقق فيه المعتقلون العديد من الإنجازات خاصة إعادة الكتب والملابس الداخلية وإخراج من كانوا في العزل منذ شهر ونصف من قادة المعتقلين، وهم محمود القاضي، محمد مهدي بسيسو وعبد العزيز شاهين وعبد الله العجرمى.
فكر العديد من المعتقلين الفلسطينيين بالهرب من هذا السجن، وعليه فقد اتفق عدد من قادة السجن على خلع باب الغرفة والهروب في وقت تبديل قوة الشرطة، إلا أن أحد السجناء الجنائيين كشف الأمر وتم إحباط المحاولة، وإنزال سكان الغرفة إلى زنازين تحت سطح الأرض لمدة شهر ونصف.
الفصل الثالث/ أبو علي شاهيــــن يتـــحــدث
لقد ترك أبو علي شاهين إرثاً طويلاً من النضالِ والفكرِ والفلسفةِ، لقد صاغ " رؤية قائمة على تجربة الماضي وشروط الواقع، رحل "شاهين" وترك مخزون سياسي وثقافي وإرث للفلسطينين بشكلٍ خاص والأمة العربية بشكلٍ عام؛ كونه أغنى المسيرة السياسية والثورية والتربوية والأكاديمية بالعديد من الأفكار والرؤى جسد من خلالها فكره وشهادته على مسيرة النضال الفلسطيني.
في هذا السياق قدم شاهين رؤية حول حق العودة والتزامات الدولة، وتصور حول حركة فتح وهل تخلت عن المقاومة، وكذلك حول صراع الأجيال في "فتح"، إلى جانب رؤيته حول طرق المفاوضات .. هل من نهاية لها، ومؤخراً وقبيل رحيله قدم تصوره حول الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية؛ وساهم إلى حدٍ بعيد بتقديم رؤية في الفكري الثوري.
أولاً: حق العودة والتزامات الدولة
عندما كَثُر الجدل عن قيام دولة فلسطينية مقابل التنازل عن حق العودة، وقيل أن الأفق السياسي أصبح ضيقاً جداً ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتبادل قيام الدولة مقابل التنازل عن هذا الحق، رد شاهين قائلاً:
هذه مسألة مهمة، أنا أرى أن الوضع الفلسطيني من ألفه إلى يائه ولكي نستطيع أن نتحدث فيه بحرية وبجرأة وبصراحة، لابد أن يبدأ حديثنا بأم القضايا في المسألة الفلسطينية ألا وهي قضية اللاجئين، إذا حلت قضية اللاجئين فالحل للقضية الفلسطينية يكون مؤكداً ووارداً وإذا لم يكن هناك حل لهذه القضية فلن يكون.
بالمناسبة حتى صيغة مدريد تعالج مرحلة الأرض مقابل السلام، ولكن هذا السلام لكي يكون على الأرض لابد أن يكون هناك سلام نفسي بين الإنسان ونفسه ولابد أن يكون هناك لحق العودة أولوية مركزية رئيسية وأساسية، وأنا أريد أن أعود إلى مرحلة يوليو تموز عام 2000 في مؤتمر القمة الثلاثي في كامب ديفيد الفلسطيني الأمريكي الإسرائيلي، فإن أحد أهم الأسباب ليس سبباً عادياً ولكن هناك سببان أساسيان لا يمكن أن نقبل بهما وقد كان السبب الأول هو قضية اللاجئين والسبب الثاني هو قضية القدس؛ فإذا ما حلت قضية اللاجئين فتصبح قضية القدس في طريقها الآلي إلى الحل، ولكن إذا لم تحل قضية اللاجئين فلا يوجد أي صيغة يمكن أن نصل بها في سياقنا مع بعضنا البعض إلى مسألة لحل القضية الفلسطينية.
مسألة اللاجئين لماذا؟ أولاً: هي حق شخصي، وهذا الحق الشخصي حتى يوم القيامة إن الله يغفر لمن يشاء من عباده في الحق الذي هو حق إلهي، ولكن بالنسبة لحقوق الأفراد فإن هذا لابد من الحساب له بالصيغة التي ينبغي أن تكون، هذا بالنسبة ليوم القيامة بالحق الإلهي حول الحق الشخصي، فما بالك في الدنيا بالحق الشخصي، هذا حق شخصي، لا يستطيع هذا الحق الشخصي ولا بأي صيغة من الصيغ ولا بأي صورة من الصور لا يستطيع بالمطلق أن يقترب منه أي إنسان حتى إذا كان هذا الإنسان يحمل صيغة تمثيلية منبثقة من المجلس الوطني، ومنبثقة من المجلس التشريعي الفلسطيني، فهذه لا يمكن أن يتم تناولها وهذا بالصيغة الفردية، أما بصيغة حق العودة، فهو أيضاً حق عام وهو من الحقوق القليلة في هذا الكون الذي له حق عام، وله حق خاص في آن معاً، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر وثمة علاقة تربط ما بينهما علاقة جدلية وموضوعية قائمة، ولا يمكن الفصل، والفصل فيما بين الحق العام والحق الخاص هو فصل عدمي ليس له وجود في سياق الحدث.
أما الحق العام فهو حق شعب، وهذا الشعب جزء من الأمة العربية، وبالتالي هذه الحقوق المترتبة على بعضها البعض، الحق الشخصي، والحق الوطني، والحق القومي، والحق الإنساني، فهذه أيضاً صيغة إنسانية، والحق الحضاري لابد من أن نأخذ بها، هذه الحقوق المتتالية لا يمكن ولا يستطيع أحد أن يخرج علينا أستاذاً بالجامعة، مسؤولاً في التنظيم، بصيغة من الصيغ الآتية من هنا أو هناك، أو قالب من هذه القوالب المعدة سلفاً أو الذي يتم إعدادها لا يمكن أن تتم علينا باقتراحات أو بوجهات نظر لكي تقايض ما بين حقنا وحقنا.
البعض الإسرائيلي مثلاً يريد أن يقايض ما بين المستوطنات وحق العودة، بالنسبة للمستوطنات يجب أن يتم إزالتها أو إخراجهم منها، وأن يتم إنهاء الوضع بالمستوطنات، فهذا حق فلسطيني لا يمكن أن نساوم عليه بحق العودة إلى فلسطين وهو حق فلسطيني أيضاً.
إن الحذر مشروع ولابد من الحذر، ولكن أن تخاف لا، عندما ذهب الأخ أبو عمار إلى كامب ديفيد كان هناك حديث طويل وقبلها أيضاً في أوسلو وبعد أوسلو؛ وحتى الآن علينا أن نضع التخوف جانباً وأن نضع المحاذير أمامنا وأن نحذر فهذا حق أما التخوف فليس لنا وليس من شيمنا، تخوف البعض عند ذهابنا إلى كامب ديفيد وأصر البعض وكنت من هذا البعض الذين أصروا وبشدة أن نذهب إلى كامب ديفيد، وأن نقرأ في كامب ديفيد ما يعرض علينا، وإذا ما وجدنا ما يعرض علينا صفقة سياسية مقبولة، فنحن سيد من تعامل معها، ولكن إذا كان هناك من يريد أن يفرض علينا استسلاماً فنحن أيضاً سيد من يرفضها، ولقد قال ياسر عرفات "لا كبيرة وكبيرة جدا" لازلنا نحن كشعب فلسطيني بشكل عام وياسر عرفات كشخص قائد، زعيم، رمز، بشكل خاص مازلنا جميعا ندفع ثمن لا الكبيرة التي قلناها في كامب ديفيد.
ومن هنا لا أرى بأن المسألة تضعنا في خانة التخوف ولكنها تضعنا أمام أساسية يجب أن نتفهمها وهى القراءة الموضوعية للمرحلية، هذه المرحلية التي تبناها المجلس الوطني الفلسطيني في مارس آذار 1976 والتي أكدها في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر عام 1988 هذه الصيغة المرحلية القائمة على أنه لا يمكن أن تأكل الوجبة دفعة واحدة ولكن تأكلها قضمة قضمة، وهذا هو الذي يسير الآن حتى في خارطة الطريق البعض أراد أن يضع مسألة اللاجئين جانباً ولكن أهم مرجعية من مرجعيات خارطة الطريق هو المبادرة العربية، فالمبادرة العربية نحن قبلنا كمجتمع عربي وقبلنا كسلطة وطنية فلسطينية وكمنظمة تحرير فلسطينية بالمبادرة العربية للقمة العربية في بيروت في آذار عام 2002 وهى التي وضعت الصيغة المناسبة في هذه المرحلة، والقابلة للتطبيق، والتي لم تغمض حق العودة ولكنها في نفس الوقت وضعت صيغة ربما تكون مقبولة لدينا جميعاً في سياق أداء حق العودة.
ثانياً: هل تخلت فتح عن المقاومة ؟
سُئل أبو علي شاهين مرة : "النصر الذي لا يأتي من فوهة البندقية إدعس عليه بالبصطار" بناءً على هذه المقولة التي قلتها قديماً أين أنت الآن قريب منها أو قريب من اتفاقية اوسلو؟ هل سبب تراجع حركة "فتح" عن الريادة في الشارع الفلسطيني هو إحساس الشارع بأن "فتح" خانت نظريتها الثورية وأدبياتها التي انطلقت من أجلها؟ ما هي الآلية التي يمكن أن تنشط حركة "فتح" في الأداء التنظيمي؟
قال مجيباً: هذه الصيغة جميلة في حياتي ولم أتنازل عنها، وبالمناسبة لن أتنازل عنها وهذه مسألة مهمة للغاية ولابد أن نستطيع مع بعضنا أن نتفاهم، ونحن أحوج ما نكون إلى أن نقرأها مرة ومرة ومرة وهذه القراءة الهادئة لمرات متعددة هي كيف نتعامل مع المستجدات من المعطيات، الثوري الحقيقي هو الذي يتعامل مع المستجدات من المعطيات ويعرف كيف يمكنه أن يبحث في ما يسمى بالأركان، ومن خلال هذا البحث أن يجد ليس مناطحة الجدار، جدار القلعة ولكن الحفر في جدار القلعة، نظرية أبو جهاد مبادرة، مثابرة، ديمومة، مراكمة، وإنجاز فعلاً؛ نحن بحاجة إلى مبادرة ومراكمة ونريد ديمومة وصولاً إلى الإنجاز هذا ما نحن دوماً في حركة "فتح".
نحن حركة تحرر وطني نعي من هو، لكي تعرف أنت من أنت إعرف من عدوك، عدونا ليس سهلاً عدونا صيغة غريبة تركيبية تكاملت مع بعضها البعض.
فالاستعمار القديم هو الذي أوجد الصهيونية العالمية لكي تكون في فلسطين وليس العكس كما يتصور البعض فالمؤتمرات الاستعمارية سبقت المؤتمرات الصهيونية من أجل أن يؤتى باستعمار الرجل الأبيض إلى فلسطين وتم اختيار فلسطين من أجل أن تكون الحاجز الجغرافي استعماريا قبل أن يكون ذلك صهيونياً، حتى المؤتمر الصهيوني السابع كان الخيار مطروحاً أوغندا، وفيما بعد موت هرتزل في 4/7/1904، كان في عام 1905 اختيار فلسطين وطناً قومياً وهذه المسألة ترافقت مع طروحات رئيس وزراء بريطانيا الليبرالي آنذاك "كامبل بنرمان" فهناك كانت الصيغ، علينا أن نعود إلى الصيغ، سايكس بيكو صيغة ومن ثم وعد بلفور صيغة، ومن ثم صك الانتداب صيغة، والذي قام على سان ريمو وهذه مسائل استمرت وأيضا التقسيم عام 1927م صيغة.
وأريد أن أعود إلى محطتين صهيونيتين عام 1937 رفض المشروع الصهيوني بالجملة وبالكامل في اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، رفض بالكامل أن يؤتي على ذكر قبول "مشروع بل" إلى أن كان لقاء بن غوريون وإياهم، وأصبح بن غوريون ووافق على "مشروع بل" وعندما سئل بن غوريون لماذا وافقت على مشروع بل اليوم وقد كنت بالأمس معارضاً لفكرة تقسيم فلسطين، قال جملة لا زالت ترن في أذني إلى الآن منذ أن قرأتها "لن أرفض ما يعطى لي ولن أتنازل عما لنا" هذه الصيغ في التعامل السياسي، ولينين أفرد في يوم من الأيام قصته الشهيرة حول: إذا قاطع طريق وجدناه حاملاً بندقية وأنا لست حاملاً شيئاً وأراد أن يأخذ حافظة نقودي، أنا أسلمه حافظة نقودي ولكن أعود وأحضر له الصيغة التي تؤهلني من استردادي حافظة نقودي.