من المتوقع أن ترى حكومة الوفاق الوطني النور خلال الأسبوعين القادمين، حيث أشارت المعلومات إلى أن "فتح" و"حماس" أنهتا الاتفاق على تشكيلة الحكومة، وأنها ستُعرض على الرئيس فور عودته من الخارج ليصادق عليها أو يجري تعديلات، ثم يسافر عزام الأحمد إلى غزة للانتهاء من تشكيلها والإعلان عنها بأسرع وقت ممكن من مقر الرئاسة برام الله.
لا تزال مسألة من يرأس الحكومة غير واضحة حتى الآن، فهناك تضارب في المعلومات بين من يشير إلى أن الرئيس سيكلف أحدًا برئاستها أو سيترأسها استجابة لنصائح خارجيّة، ولسحب الذريعة من أيدي إسرائيل والولايات المتحدة الأميركيّة حول برنامج الحكومة في حالة ترأستها شخصيّة مستقلة مثل رامي الحمد الله أو غيره، خصوصًا بعد إعلان "حماس" عن عدم ممانعتها لذلك.
أن يجمع الرئيس ما بين رئاسته للسلطة والمنظمة وحركة فتح والدولة في ظل غياب المؤسسات الرقابيّة في السلطة والمنظمة؛ يعني ذلك منحه صلاحيات واسعة وتعميق الحكم الفردي الذي نعيشه منذ وقوع الانقسام، خصوصًا أن الحكومة التي سيرأسها الرئيس سيمنحها الرئيس الثقة، لأنه لا يعقل أن يحصل على الثقة من المجلس التشريعي وهو منتخب من الشعب، لذلك جرى الاتفاق على أن يبدأ المجلس التشريعي أعماله بعد شهر على تشكيل الحكومة.
وإذا أضفنا إلى ما سبق أن حكومة الوفاق القادمة مرشحة للاستمرار أكثر من ستة أشهر، لأن "إعلان مخيم الشاطئ" تضمّن بندًا يتحدث عن إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر على الأقل (سبحان مغير الأحوال، فمنذ "إعلان الدوحة" في شباط 2012 وحتى عشيّة "إعلان الشاطئ" كان الرئيس يصرّ على إجراء الانتخابات بعد ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة، والآن أصبح الموعد النهائي مفتوحًا)، وربط الاتفاق الأخير ما بين إجرائها وإجراء انتخابات المجلس الوطني، الأمر المتعذر بسبب الظروف التي تحول دون إجرائها في الأردن وسوريا ولبنان، وهي البلدان التي تضم العدد الأكبر من فلسطينيي الشتات المفترض أن يشاركوا في الانتخابات، ما يعطي ذريعة للمماطلة إذا رغب أحد بتأجيل الانتخابات.
الأهم مما سبق أن "حماس" لا تريد إجراء الانتخابات قبل أن تستعيد عافية تنظيمها في الضفة الغربيّة الذي دفع غاليًا ثمن الانقسام، وتعرض لحملات اعتقال من سلطات الاحتلال ومن أجهزة أمن السلطة، وقبل أن تضمن احترام نتائج الانتخابات، لأن مشاركتها من دون هذه الضمانات تعني أن المطلوب منها أن تخسر في كلتا الحالتين إذا فازت وإذا خسرت.
يضاف إلى ما سبق أن "فتح" غير جاهزة لإجراء الانتخابات بسبب التنافس الشديد ما بين مراكز القوى المختلفة، خصوصًا فيما يتعلق بـ"ظاهرة دحلان" التي يفترض أن يعالجها المؤتمر السابع لحركة فتح، وجرّاء إعلان الرئيس المتكرر عن عدم رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسيّة القادمة من دون الاتفاق على المرشح البديل إذا أصرّ أبو مازن على موقفه بعدم الترشح، وما يعنيه ذلك من فتح الباب أمام منافسة حامية بين الطامحين للرئاسة، وهم كثر، حيث يعتقد كل منهم أنه البديل المناسب، وإذا لم تحسم هذه المسألة، ومن ضمنها مسألة الرجل الثاني في "فتح" وموقع مروان البرغوثي في المعادلة الجديدة من خلال استحداث منصب نائب الرئيس، أو الاتفاق بشكل أو بآخر على خليفة أبو مازن فستتعرض "فتح" إلى هزة داخليّة من غير المضمون عواقبها.
إن الرئيس - كما نُقِلَ عنه - سيستمر في منصبه إذا وجد أفقًا لاستئناف المفاوضات وأملًا بإمكانيّة وصولها إلى اتفاق، وهذا أمر بحاجة إلى وقت لسبر غوره، الأمر الذي من شأنه أن يطيل من رئاسة الرئيس وفي عمر الحكومة القادمة إذا لم ينفجر لغم أو أكثر من الألغام المزروعة في طريقها، وأهمها: غياب الاتفاق على البرنامج السياسي؛ وتأجيل ملف الأجهزة الأمنيّة إلى ما بعد الانتخابات، أي سيستمر الواقع الراهن إلى ذلك الحين؛ وتقزيم ملف المنظمة ليقتصر على عقد لجنة تفعيل المنظمة الاستشاريّة بدلًا من الإطار القيادي المؤقت، الذي قراراته غير قابلة للتعطيل وفقا لنص "اتفاق القاهرة".
ومن الألغام الأخرى التي تهدد الحكومة: عدم رفع الحصار عن قطاع غزة وحل أزمة معبر رفح وعلاقته بالعلاقات الحمساويّة – المصريّة، حيث ليس تحصيلًا حاصلًا أن يتم فك الحصار وفتح المعبر بعد تشكيل الحكومة إذا لم يتم تصحيح علاقات "حماس" بمصر؛ وتوفير رواتب للموظفين الذين وظّفتهم حكومة "حماس"؛ وكيفيّة دمج الموظفين المستنكفين والمفصولين ومن يتولى الوظائف في ظل تضخّم وظيفي هائل.
لا أقصد مما سبق وضع العصي في دواليب الحكومة القادمة، أو نعي المصالحة منذ البداية، فهناك عوامل وأسباب كثيرة تدفع بإنجاز المصالحة هذه المرة أشرنا إليها سابقًا؛ وإنما تسليط الضوء على العقبات والألغام، حتى يتم نزع فتائلها لمنعها من الانفجار، وخصوصًا أن اتفاق المصالحة هو الجسر الذي تحاول "فتح" و"حماس" اجتيازه لعبور الأزمة العميقة التي تمران بها، فإذا حُلَّت الأزمة أو إذا لم يؤد "إعلان الشاطئ" إلى حلّها أو إذا تغيرت الظروف المحليّة والعربيّة والإقليميّة والدوليّة التي أدّت إليه سينهار كل شيء.
تفادي انهيار "اتفاق الشاطئ" ممكن جدًا إذا وضع في سياق البحث عن مخرج للقضيّة والشعب، ووضع إستراتيجيّات قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر وتوظيف الفرص، وليس في سياق محاصصة فصائليّة ثنائيّة أو جماعيّة.
إن تحصين اتفاق المصالحة ممكن من خلال السير في عدة مسارات متوازية، منها:
أولًا، الشروع في حوار شامل ضمن مؤتمر وطني يشارك فيه ممثلون عن تجمعات الشعب الفلسطيني أينما تواجدت؛ بهدف بلورة الإستراتيجيّات الجديدة والاتفاق على برنامج سياسي يجسّد القواسم المشتركة، لتوفير القدرة الفلسطينيّة على مواجهة التحديات الجديدة بعد استشراس المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني وتكثيف محاولاته لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، ووصول المفاوضات الثنائيّة والمقاومة المسلحة إلى طريق مسدود، وفي ظل الحصول على الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينيّة، ولو كعضو "مراقب"، والاستعداد لجميع الاحتمالات، سواء إذا تمكن الفلسطينيون من إجراء انتخابات أو لم يتمكنوا من إجرائها.
ثانيًا، تشكيل إطار قيادي مؤقت يلعب دور القيادة الموحدة إلى حين إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، بحيث تضم مختلف مكونات الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، وإجراء الانتخابات للمجلس الوطني. هذا الإطار يضمن عدم نشوء فراغ أو سير الضفة والقطاع نحو الفوضى والفلتان الأمني مجددًا، وهو سيناريو مرغوب إسرائيليًا لتجنب العزلة وتنامي المقاطعة واندلاع انتفاضة شعبيّة تستفيد من تجارب الانتفاضتين السابقتين، وحتى نضمن هامشًا واسعًا من الحركة لهذا الإطار يجب أن يتواجد جزء أساسي منه في الخارج، وأن تُمثّل فيه المرأة والشباب والشتات بصورة مناسبة، ومن الممكن كذلك إعادة مهمات الإشراف على الشؤون الخارجيّة والسفارات إلى المنظمة.
ثالثا، وضع الملف الأمني على طاولة الحوار الوطني، والشروع في تشكيل اللجنة الأمنيّة العليا لتقوم بالمهمات المحددة في "اتفاق القاهرة"، لجهة إعادة بناء وتفعيل وتوحيد الأجهزة الأمنيّة وجعلها أجهزة أمنيّة تخضع للمصلحة الوطنيّة العليا بعيدًا عن الحزبيّة، لأن استمرار الأجهزة الأمنيّة بوضعها الحالي وصفة للفشل المؤكد، وينطوي على مخاطر جمة، من ضمنها أن الانتخابات لا يمكن أن تكون حرة ونزيهة ما دامت من تقوم بتأمينها أجهزة تخضع للفصيل، ما يعني أيضًا إمكانيّة الانقلاب على نتائج الانتخابات إذا جاءت كما لا يرغب هذا الطرف أو ذاك من أصحاب القوة على الأرض. وردًا على القول: إن الانتخابات السابقة جرت وفازت فيها "حماس"، فإن هذا الاحتمال لم يكن مدرجًا بالحسبان، أما الآن فالوضع اختلف، ويجب أن نحتاط لكل الاحتمالات، لا أن ننتظر إلى حين وقوع الفأس بالرأس لنندم في وقت لا ينفع الندم.
يمكن البدء بتوحيد جهازي الشرطة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، وهذا يمكن خلال أشهر قليلة، ويمكن الاستفادة من المبادرات والجهود التي تمت خلال السنوات الماضية من قبل مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة التي يشرف عليها مركز "مسارات"، وتوصلت إلى وضع مسودة قانون للشرطة، وإلى معايير ومراحل التوحيد.