أثارت خطوات الرئيس محمود عباس المتسارعة نحو المصالحة مع حركة حماس تساؤلات كثيرة في الشارع الفلسطيني عن توقيت هذه المصالحة وأسبابها، وما سبب هذا الإندفاع الملحوظ لتشكيل حكومة التوافق والإستجابات الحمساوية لها بدون أي تحفظ على أي شرط من الإشتراطات التي وضعها عباس لطبيعة هذه الحكومة وبرنامجها وحتى الأشخاص المشاركين فيها.
الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي بدورهما لم يعترضا على خطوة الوفاق العباسي الحمساوي، ووضعا شروطاً تتطابق مع نفس الشروط التي تحدث عنها الرئيس عباس أمام إجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في أبريل 2014 ، حيث أعلن أن الحكومة حكومته وهي ملتزمة ببرنامجه السياسي والإتفاقيات الموقعة مع إسرائيل والإلتزامات المترتبة عليها، وأن خيار المفاوضات مع إسرائيل هو خيار القيادة الفلسطينية الأول والأخير، وقد أعلنت حماس في نفس اليوم أن خطاب الرئيس عباس إيجابي برغم بعض الملاحظات التي لم تفصح عنها.
بدورها أعلنت قطر عن إستعدادها لتمويل حكومة الوفاق الوطني المزمع تشكيلها، ليستكمل "محمود عباس" خطوات التوافق مع حماس بلقاء "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحماس في قطر لبحث أسماء الوزراء المحتملين في حكومة التوافق، الموقف القطري واللقاء ما بين عباس – مشعل تلاه قبل أيام كلمة لرئيس المكتب السياسي خالد مشعل من الدوحة أعلن فيها نهاية الإنقسام وتمسك حركة حماس بالمقاومة بشكل يتعارض مع تصريحات د. موسى أبو مرزوق الذي تحدث أن الإعلان عن إنهاء الإنقسام وإعلان الحكومة سيتم من القاهرة باعتبارها راعية حوارات المصالحة وإتفاق القاهرة.
إتفاق عباس حماس على المصالحة ظاهرياً يبدو أنه نتاج أزمة سياسية بعد تعثر المفاوضات وإخفاقه في إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى ورداً على التعنت الإسرائيلي، ونتاج عجز حماس المالي وغياب سندها الإقليمي، لكن تسارعه وإخراجه بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت يحمل دلالات أبعد من ذلك ومرتبطة بالتحولات التي تجري في الإقليم والموقف العربي من الإخوان المسلمين وقطر، إضافة لإقتراب تولي المشير عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر والبرنامج الذي أعلن عنه وموقفه إتجاه مختلف القضايا السياسية والأمنية والإقتصادية ورؤيته للعلاقة مع العرب في القضايا المتعلقة بالأمن القومي العربي.
وفي الوقت الذي يراقب فيه الشعب الفلسطيني ولادة حكومة الوفاق الوطني وإنحسرت المشاورات على تشكيل الحكومة بين حماس وعباس في لقاءات ثنائية بين وفدي فتح وحماس بمعزل عن بقية فصائل العمل الوطني، مما يضع علامات إستفهام على هذا السلوك المتكرر والذي شهدته بقية فصائل منظمة التحرير سابقاً، بالرغم من ذلك إنساقت مجدداً وراء بريق فكرة أن المشاورات تجري بين وفد يمثل منظمة التحرير وآخر يمثل حركة حماس، وأن المصالحة شاملة وليست ثنائية تنحصر بين طرفي الإنقسام، مما وضعها في حرج مصيدة الرئيس التي أوقعهم فيها عدة مرات، وإستخدمهم لتمرير قرارات ذات صلة بأزمة الرئيس سواء بعد تعثر المفاوضات أو خلال إجتماع المجلس المركزي الأخير والذي تنبهت له الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقامت بسحب وفدها من الإجتماع وإعلان موقفها السياسي.
محمود عباس الذي أنتج سلسلة أزمات داخل فتح ومنظمة التحرير مستفيداً من موقعه على رأس النظام السياسي الفلسطيني لمعاقبة وملاحقة خصومه السياسيين، أدرك لاحقاً بعد فشل جولات المفاوضات أنه وحده ولا يحظي بدعم حتى أبناء الحركة التي يتزعمها بعد أن حصر علاقاته العربية بإمارة "قطر" وعلاقته التفاوضية بوزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" وفشل الإثنان في إنقاذه وإنقاذ مشروعه السياسي على عتبة التعنت الإسرائيلي، وبات ظهره مكشوفاً من أي حائط صد يضمن له الإستمرار في الحكم، وبكل تأكيد توقع أن يحصد ثمن علاقاته الباردة مع الدول العربية والمسيئة في بعض الأحيان عندما ظنً أن العلاقة المباشرة مع أمريكا قد تعفيه من موقف عربي حاضن ومتضامن ولو شكلاً مع كل تصرفاته التي تحرك بها مع أمريكا وقطر.
الآن وعلى أبواب نتائج الإنتخابات المصرية أدركت حماس ما لم يدركه عباس، فالتصريحات الإيجابية التي كثف قادة الحركة من إطلاقها تنم عن إدراكها لأهمية مصر ودورها القادم في صياغة مواقف كل الحالة العربية، في الوقت الذي يواصل عباس بشكل منظم تفتيت الحالة الوطنية الفلسطينية وعنوانها حركة فتح ويستمر في معاقبة أي منافس محتمل لتولي رئاسة السلطة في أي إنتخابات قادمة، ومعركته التي بدأها مع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح "محمد دحلان" مستفيداً فيها من كل أدواته كرئيس للسلطة، آخرها كان تطويع القضاء الفلسطيني لإصدار أحكام "مضحكة" بحق النائب دحلان لوضع عقبة أمام ترشحه للمناصب العامة لن تنته عند هذا الحد، وستترافق مع المزيد من الإجراءات المالية التي تطال الموظفين من أبناء قطاع غزة وأسر الشهداء وصولاً إلى المؤتمر السابع لحركة فتح، حيث عين نفسه رئيساً للجنة التحضيرية لمؤتمر الحركة لضمان الخلاص على كل منافس قد يقطع الطريق أمام فرصة دورة رئاسية جديدة له – وللتذكير فقط هو لن ينس معاقبة أعضاء اللجنة المركزية أصحاب فكرة "نائب الرئيس" ولم ينس أن حركة "فتح الثورية" في زمن الشهيد "ياسر عرفات" إعتبرته "كرزاي" فلسطين.
عباس يدرك أن الإقليم العربي كان ولا زال يؤثر في مسار الحالة الفلسطينية منذ نشأة القضية الفلسطينية مروراً بقرار تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية ودعم زعيمها حتى الآن، وأن العرب لهم رأي لم يتحدثوا به بعد، لهذا يقوم بكل ما يقوم به في محاولات قطع الطريق على هذا الرأي، فقد إستخدم المجلس المركزي للمنظمة ويواصل إستخدام الفصائل وورقة المصالحة في محاولات أخيرة منه لتعزيز قبضته على الحكم، متجاهلاً الواقع المتغير فلسطينياً وعربياً وأن السياسة في كل العالم هي محصلة موازين قوى لم يعد لديه أي وزن فيها.
عباس رجل الفشل الفلسطيني الأول بإمتياز، وكل ما يقوم به من مناورات تكتيكية لن تحول دون وصوله إلى لحظة الحقيقة التي يدركها كل فلسطيني ينتظر الخلاص من حالة المهزلة التي عاشها طوال فترة تسع سنوات من حكم " محمود عباس"، وما تخلل هذه المرحلة من كوارث وطنية متمثلة بالإنقسام، وإقتصادية علّقها على شمّاعة الإنقسام، وسياسة أحدث فيها إختراقاً للموقف الوطني الإجماعي حالماً بوعد "كيري".
لم يعد أي عاقل يراهن على رئيس فاشل، فالفشل مرة أخرى يعني المزيد من الضياع والتشتت الفلسطيني، وأخطر ما يعنيه الفشل هو تأثيراته على القضية الوطنية ومصير المواجهة مع إسرائيل التي تستفيد من كل ما يجري لمواصلة سياساتها التوسعية الإستيطانية وإعتداءاتها وجرائمها المتكررة بحق الشعب الفلسطيني في ظل العجز القيادي الحاصل، مما يستدعي إستنهاض حالة وطنية فلسطينية وعربية تضع حداً لأخطار ما هو قادم وتقدم معالجات سريعة ومدروسة تنقذ الشعب الفلسطيني وتعزز من قدراته في مواجهة الإحتلال.