يعتقد الرئيس ابو مازن ان القرار الذي اتخذه بحق الجبهة الشعبية يشكل عقابا لها على مواقفها، وانه قد يردع الجبهة وتعود لتليين مواقفها اتجاه عملية التسوية التي تسير بها هذه القيادة، وأن عليها مراجعة مواقفها، فأرجح ان هذا الاعتقاد خاطيء، فالجبهة ليست اي تنظيم، وانما اساسيا بالخارطة السياسية الفلسطينية، له محطات حافلة بالنضال ومسيرة التحرير، فموقف مثل هذا يكشف مقدار حقد وافلاس هذه القيادة، التي لا تتحمل الحوار الديمقراطي والمواقف الصريحة ورفض الاساليب الملتوية والقرارات الخاطئة، فمثل هكذا قرار، يعتبر هذا النهج بأن منظمة التحرير الفلسطينية مزرعة يملكها وما الفصائل الا رعية وعمالا بامكانه طردهم اذا عصو امرا له واعادتهم متى شاء.
تاريخ الجبهة ما زال يذكر، بانه التنظيم الذي لا يساوم على مواقفه من اجل تحسين مواقع او تبادل ادوار او من اجل توفير تغطية لتمرير سياسات، فاعتقد ان هذه القيادة تجهل مواقف الجبهة على طول هذه المسيرة النضالية والعلاقات التي حكمت القوى الفلسطينية على مدار تقريبا نصف قرن، فدورها كان اساسيا ومعرقلا لتهور القيادة اليمينية المتنفذة على طول هذه المسيرة، وحظيت الجبهة الشعبية باحترام وتقدير قاعدة واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني والعربي والعالمي، وتمكنت من اقامة اوثق العلاقات وامتنها مع الجماهير الفلسطينية والعربية من خلال رفع راية الجماهير وربط النضال الوطني بالقومي، وهذا ما مميز الجبهة الشعبية عن القوى الاخرى بالساحة الفلسطينية.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عرفت بنزاهتها وامانتها بكافة علاقاتها ومواقفها، ودفاعها المستميت عن الحقوق والثوابت الفلسطينية بكل المواقع والنقاشات والمجالس التي كانت تجمعها مع كافة القوى الفلسطينية، فمباديء الجبهة لم تتغير، وانما ما زالت متماسكة وصلبة وعصية على الكسر، ولا يعتقد من يتربص بها بأن سيتمكن من المساس بالتنظيم بهكذا مواقف.
اعتقد ان الجبهة الشعبية واجهت نقد شديدا من قاعدتها لليونتها خلال الفترة الماضية، لإستمراراها بمؤسسات المنظمة، التي كانت هذه القاعدة تضغط على قيادتها من اجل الخروج من مؤسسات المنظمة وان لاتعطي غطاءا لقيادة تمارس سياسة التفريط، وتواصل المفاوضات مع الكيان الصهيوني واعترفت به، وقدمت التنازلات المجانية والمحرمة وتجاوزت كل الخطوط الحمر منذ توقيع اوسلو، فبقاء الجبهة خارج الاطر القيادية هي رغبة قاعدة الجبهة وليس فقط قيادتها.
اما لماذا الرئيس محمود عباس اقدم على هكذا خطوة؟ صراحة خالدة جرار بالمجلس المركزي؟ ام انسحاب الجبهة من الجلسة الختامية؟ ام موقفا ضاغطا على نتائج قرارات مؤتمر الجبهة الاخير؟ لماذا منذ انتهاء اعمال مؤتمر الجبهة تستدعي اجهزة امن السلطة كوادر الجبهة بالضفة؟ ماذا تريد ان تعرف هذه الاجهزة وقيادتها من هذه الاستدعاءات؟
الرئيس ابو مازن يريد ان يطلق النار بكل الاتجاهات، ليذلل كافة العقبات التي تعترض تمرير سياساته من اجل تسوية منقوصة مع الكيان الصهيوني، تمس بالثوابت والحقوق الفلسطينية، فالتذمر من هذه السياسة هو ممتد عند القاعدة الجماهيرية، فمن لا يسمع للجماهير لا يستطيع ان يحصل على حقوقها ولا يستطيع ان يحقق لها الامن والامان.
ما يهم الجبهة الشعبية الفلسطينية علاقاتها المتينة مع الجماهير، والحفاظ على صلابة تنظيمها وتماسك اطرها ومؤسساتها، من خلال العلاقة المتينة التي تربط القاعدة مع القيادة، والعمل على تعبئة كوادها وعناصرها وانصارها، وحماية قراراتها، وابقاء القضية الفلسطينية ساطعة كالشمس من خلال الدفاع عن الثوابت والحقوق وحمايتها من الضياع وهذا لن يكون الا من خلال استمرار الجبهة بين الجماهير وبكل اماكن تواجدها، فالجماهير هي الضمانة الوحيدة لحماية الحقوق والقوى الثورية، والجبهة لديها هذه القاعدة القادرة على حمايتها ومدها بكل مقومات الصمود والمواجهة، ولن يستطيع المتربصون بها من المساس بالجبهة مهما حاولوا فهي التنظيم الغير قابل للكسر، فالجبهة لن تبحث عن وزارة بسلطة الحكم الذاتي او راتبا شهريا، لتوفير غطاءا لسياسة هذه السلطة، فاذا اراد ابو مازن ان يلوح بعصاه ويلوح ببندقيته فها هو الكيان الصهيوني على شرفة مكتبه، فليطلق النار باتجاهه، فلن يكون شعبنا الفلسطيني وفصائله هنودا حمر ليطلق الرجل الابيض أو من يريد النار عليها.
جادالله صفا – البرازيل
23 ايار 2014