امام التطورات الراهنة حول تطبيق اتفاق الشاطئ بغزة وتشكيل حكومة توافق وطني وفي ظل المتغيرات التي يشهدها العالم العربي ، وفي الصدارة منها تراجع الاهتمام الرسمي العربي، بالقضية الفلسطينية، بوصفها القضية المركزية وعنوان الصراع العربي – الإسرائيلي ـ في الوقت الذي أكدت فيه هذه المتغيرات وإفرازاتها السلبية، في كل دولة على حدة، وفي مجمل الحالة العربية، حجم تداخل الوضع الفلسطيني بمحيطه العربي، وتأثره الجدلي الكبير والاستراتيجي، بما يحدث في بعده القومي، وتأثر اللاجئون الفلسطينيون الذين يشكلون 65% من الشعب الفلسطيني، وخاصة في بلدان الجوار، التي تستضيف النسبة الرئيسية منهم، بانشغال هذه الدول بأوضاعها الداخلية، أو انعكاسات الحالة العربية العامة عليها أيضاً، حيث شكلت في العديد منها مأساة جديدة للاجئين وبخاصة مخيماتهم، وللوضع الفلسطيني في بلدان الشتات، في الوقت الذي حاولت فيه منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني تحييد اللاجئين ومخيماتهم عن تداعيات هذه المتغيرات وأبعادها.
ان تراجع الاهتمام العربي، إثر هذه التفاعلات، بالقضية الفلسطينية نفسه سلباً على الحالة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 ، التي تصنف العالم العربي عمقاً استراتيجياً لها، كذلك أوضاع الفلسطينيين في فلسطين التاريخية عام 1948، الذين تتأثر حركتهم الوطنية عملياً، بالوضع الفلسطيني عموماً، وفي نهوض منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وامام كل ما يجري وبعد وصول المفاوضات الى طريق مسدود ، ورغم مواصلة الضغط الامريكي لم تغيير حكومة الاحتلال مواقفها ومشروعه الاستيطاني، مما يستدعي تنفيذ الإرادة الوطنية بنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية والاستجابة للمتغيرات السياسية الجارية وموقف الاجماع الوطني، والتوقف عن عبادة المصالح الفئوية والشخصية الزائلة، لأن استمرارها يعني تقويض ما تبقى من مقومات الصمود الوطني، وتشغيل صاعق الانفجار الشعبي الكبير الذي يلوح من بعيد لتصحيح وضع طال امداه.
ان ما يشهده الحقل السياسي الفلسطيني في هذه الأيام من جدلا ، إلا أنه مصيري وحاسم، لأنه يعيد ترتيب الأولويات والاختصاصات بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية ، وبما يستوعب النظام السياسي كافة الفصائل والقوى والجمعيات كلها بغض النظر عن أيديولوجيتها وسياستها، وهو أمر قد يبدو متناقضا في هذه المرحلة رغم حرص الجميع على وحدة منظمة التحرير الفلسطينية وصفتها التمثيلية بعد ان تمكنت المنظمة من الحصول على اعتراف عربي ودولي بها عام1974، فأصبحت عضوا في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرهما من المنظمات الإقليمية، وعضواً مراقباً في هيئة الأمم المتحدة، وأصبح لها أكثر من مئة سفارة ومكتب تمثيل في العالم، وشكل إعلان وثيقة الاستقلال في دورة المجلس الوطني في الجزائر في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 منعطفاً استراتيجياً في نهج المنظمة وخياراتها السياسية؛ فلأول مرة تعترف منظمة التحرير بوضوح بقرارات الشرعية الدولية وتعلن أن هدفها إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة بعاصمتها القدس على أساس هذه القرارات، بما فيها القرار الاممي 194 الذي يضمن حق العودة للاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم ، وبعد نضال طويل حظيت فلسطين بدولة عضو مراقب في الجمعية العامة للامم المتحدة واصبحت تعتمد كلمة فلسطين بدلا من منظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، إلا أن ذلك لم يغير واقع الصفة التمثيلية للمنظمة ولا دورها القيادي.
إن تعدد المرجعيات يطرح تحديات كبيرة على ملف المصالحة الوطنية، وخاصة ان منظمة التحرير التي تستوعب الكل الفلسطيني، يجب ان يكون لها رأيها بكل ما يدور ان كان لجهة تشكيل الحكومة او لجهة برنامجها ، او لجهة مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأميركية ، ما نراه من لقاءات يتخوف منها الجميع وخاصة ما يجري من لقاءات بعيدة عن الكل الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس بهدف الوصول الى تفاهم ضمني وصامت حول تشكيل الحكومة والتي برأينا تفضي إلى إدارة الانقسام.
إن أصحاب النيات الطيبة هم من يفكرون بأن الأمور تسير بسهولة ويسر ، في الحالة الفلسطينية أصبحت الانتخابات هي الاساس ، بدلا من تطوير النظام السياسي الديموقراطي التعددي، وهذا يكون عبئا على القضية الفلسطينية، لان الانتخابات الهدف المرجو منها دون ضمان المشاركة والتعددية والتزام المرجعية الوطنية العليا ممثلة بمنظمة التحرير.
ان اتمام المصالحة الفلسطينية تتطلب إعادة الاعتبار إلى المشروع الوطني الفلسطيني وتعزيز قدرة الشعب الفلسطيني على تحقيق أهدافه، وهذا لا يأتي من خلال إجراءات شكلية واستمرار الخلاف على تنفيذها، او من خلال التوافق بدلا من انهاء الانقسام الداخلي كليا، لذلك فان تذليل العقبات التي قد تعترض اي اتفاق، يتطلب الاسراع بتطوير المؤسسات الفلسطينية بعملية ديمقراطية تضمن لشعبنا بممارسة حقه الديمقراطي ورسم استراتيجية وطنية قائمة على برنامج الحد الأدنى والتمسك بالثوابت الوطنية والشراكة السياسية، وليس إعادة إنتاج الانقسام، لاننا نجن على يقين أن الظروف التي تم فيها اعلان الشاطئ بغزة بخصوص تطبيق اتفاق المصالحة اتى بسبب التغيرات، التي فرضتها الظروف الإقليمية والمتغيرات السياسية .
ان كل هذه المسائل وغيرها التي يقويها ويعززها الوضع العربي المتعافي، خطوة نحو تعاط دولي أكثر توازنا، من شأنها المساهمة في إعادة الاعتبار والاهتمام بالقضية الفلسطينية، واستعادتها لمكانها العربي والإقليمي، وتجاوز تبعات السنوات العجاف الماضيةً.
ختاما: ان اي تجديد او تعديل سيكون اذ لم يكن بموافقة جميع القوى والفصائل سيؤثر سلبا على العلاقات الداخلية الفلسطينية ، مما يستدعي رفع درجة التنسيق والاستعداد للمرحلة القادمة من اجل حماية الحقوق والثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني وحماية الانجازات الفلسطينية التي جاءت كثمرة للتضحيات التي قدمها شعبنا على مدار ما يزيد على ستة عقود من النضال بمواجهة الاحتلال الصهيوني.
كاتب سياسي