شراء الصين لشركة "تنوفا" الإسرائيلية لمنتجات الألبان بملبغ 2،5 مليارد دولار، لا ينعش الاقتصاد الإسرائيلي كثيراً، فهذا المبلغ لا يساوي شيئاً أمام الدخل السنوي الذي تحققه الشركة، وقد أشار رئيس الموساد السابق إفرايم هاليفي في حديثه أمام اللجنة الاقتصادية في الكنيست الإسرائيلي، إلى أن الشركة الصينية ليست معنية بالأساس في إنتاج الألبان داخل إسرائيل، بقدر ما هي معنية عمليا وبالأساس في الحصول على التقنيات التي تم تطويرها في إسرائيل، وبامتلاك براءة الاختراعات التي طورتها "تنوفا" في هذا المضمار.
في تقديري أن بيع شركة "تنوفا" للصين يمثل خطوة استراتيجية يهدف الإسرائيليون من ورائها إلى تطوير العلاقة الاقتصادية مع الصين، لقد تمت التضحية بهذه الشركة، وتم التخلي عن أرباحها المضمونة مقابل مكاسب استراتيجية سيحققها الإسرائيليون في عدة مجالات، ستضمن ربحاً وفيراً لمئات الشركات اليهودية الفاعلة على سعة المعمورة.
إن شراء الصين لشركة "تنوفا" الإسرائيلية يكشف أكذوبة القادة العرب الذين دأبوا على اتهام العصابات الصهيونية المسلحة باغتصاب فلسطين سنة 1948، وتجاهلوا دور المؤسسات اليهودية الاقتصادية بما في ذلك شركة "تنوفا"، التي يؤكد تاريخ ميلادها سنة 1926 أن اليهود أقاموا مؤسسة اقتصادية قوية قبل أن ينشئوا مؤسسة عسكرية قوية، وما كان لشركة تنوفا أن تتواجد على الأرض قبل أن يتواجد البقر والحليب في الكيبوتسات اليهودية.
لقد أنشأ اليهود مؤسساتهم الاقتصادية والعلمية والثقافية والسياسية في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد اليهود في فلسطين خمسين ألف يهودي، بدءوا بتأسيس الهستدورت الذي مثل العمود الفقري للاقتصاد اليهودي سنة 1920، وأسسوا بنك هبوعليم سنة 1921، وأسسو الجامعة العبرية سنة 1925، وأسسوا قبل ذلك شركة "مكروت" للمياه، وشركة الكهرباء القطرية، وأسسوا بعد ذلك شركة "سوليل بونيه" اليهودية التي أشرفت على البناء والتعمير في كل أنحاء فلسطين، بما في ذلك بناء سجن جنين في الثلاثينيات من القرن المنصرم.
إن بيع شركة "تنوفا" للصين يعود بنا إلى تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ ثورة 1936 وحتى يومنا هذا، لندرك أن المقاومة الفلسطينية قد قصرت في ضرب المؤسسات الاقتصادية اليهودية، وصبت جهدها على العمل العسكري ضد الجنود والعربات المجنزة، وعلى أبعد تقدير ضد عبارة هنا ومزرعة دجاج هناك، لتظل المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية الكبيرة في منأى من الأذى رغم كل الحروب التي خاضها العرب مع الإسرائيليين.
لقد أدرك العدو الإسرائيلي أهمية المؤسسات الاقتصادية والعلمية والثقافية في ترسيخ الشخصية الفلسطينية، لذلك تعمدوا تدمير الحياة الفلسطينية عند كل مواجهة، والشاهدد على ذلك تدمير جسر غزة، وتدمير محطة توليد الكهرباء، وقصف الجامعة الإسلامية، وتدمير مقرات الأمن الفلسطينية، وقصف المصانع وورش الحدادة، وتدمير كل وسيلة إنتاج فلسطيني من خلال الحصار، وهذا يحتم على رجال المقاومة أن يضعوا المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية على رأس أولويات المقاومة في أي مواجهة قادمة.