أجزم أن غالبية الشعب الفلسطيني تنتظر اللحظة التي يعلن فيها عن تشكيل حكومة التوافق الوطني، وأجزم أن نسبة التأييد للمصالحة تتجاوز 90% ، رغم وجود رافض للمصالحة من هذا الطرف أو غاضب من ذاك، لتظل المصالحة حاجة فلسطينية قبل أن تكون مطلباً سياسياً فرضته اللحظة التاريخية على طرفي الانقسام.
إن تحقيق المصالحة الفلسطينية لا يعني إعفاء طرفي الانقسام من المسائلة، ولاسيما أن المرحلة السياسية السابقة قد دقت عظم القضية الفلسطينية، ليمر تاريخ 29/4 وهو التاريخ المقرر لنهاية تسعة أشهر من المفاوضات، يمر التاريخ دون ردة فعل فلسطينية، رغم أن استئناف المفاوضات التي مكنت الإسرائيليين من تعزيز مستوطناتهم، وتوسيع سيطرتهم على أراضي الضفة الغربية.
لقد عبر التاريخ المذكور دون تحقيق الوعد القاطع بتحرير أسرى الدفعة الرابعة، والذين من أجل حريتهم برر البعض استئناف المفاوضات، لقد مر تاريخ انتهاء فترة التسعة أشهر من المفاوضات دون ردة فعل تنظيمية، كان يجب أن يبادر إليها كوادر حركة فتح، قبل أن تفاجئهم ردة فعل الجماهير الغاضبة.
وإذا كانت المسائلة المبدئية لطرفي الانقسام محكومة بأطرها التنظيمية،، فإن المسائلة الجدية يجب أن تتجاوز إطار تنظيمي فتح وحماس، إنها المسائلة الوطنية، وهنا أخص القيادة السياسية صاحبة القرار، والتي يجب أن تخضع لمسائلة ترتقي إلى مستوى قضية شعب لما يزل مهجراً عن أرضه، ولما يزل بعضه يعيش تحت الاحتلال.
إن المسئول الأول عن المسائلة هم كوادر حركة فتح، أولئك الذين ينتظر منهم الشعب الفلسطيني موقفاً يتناغم مع طموحاته السياسية، وعلى تنظيم حركة فتح ألا يتهرب من مسئولياته، وأن يتدارك اللوحة السياسية والاقتصادية القاتمة، ويستبق التفاعلات الوجدانية التي تهز العقل الفلسطيني، وهي تطرح الأسئلة التالية من الصباح حتى المساء:
إلى متى ستظل قضيتنا الفلسطينية غارقة في لجة المفاوضات؟
إلى متى سيظل المستوطنون يغتصبون ويقتلون ويحرقون دون ردة فعل؟
إلى متى سيظل الجمود السياسي هي القرار الوحيد الثابت في الساحة الفلسطينية؟
إلى متى ستظل قضيتنا الفلسطينية تنتظر الفعل العدواني الإسرائيلي، لتتحرك ببطء ضمن ردة فعل سياسي، يغطيها الإعلام لبعض الوقت، ثم نعود لحالة الصمت؟
الأسئلة السابقة تلخص السياسية الفلسطينية التي سادت طوال عشرين عاماً من المفاوضات، وإذا كانت القيادة الفلسطينية برئاسة السيد محمود عباس قد نجحت في التهرب من المسائلة الشعبية، والتجأت إلى المصالحة، فإن هذه الخطوة قد أكسبت القيادة بعض الوقت، وأكسبتها تعاطف بعض الناس، ولكنها لن تكسب القيادة كل الوقت، ولن تكسبها كل الناس.