في الوقت التي تسلك عملية المصالحة الفلسطينية نحو تطور ما، من خلال تشكيل الحكومة الفلسطينية، بهدف الاشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإصلاح الأجهزة الأمنية، إذا لم يحدث طارئ فإن الامور تتجه نحو الطريق الصحيح، ولكن المخاوف تبقى موجودة لدى الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله وهذا حق مشروع، وحتى لا يكون تشكيل الحكومة فقط لملء الفراغ في الأشهر القادمة انتظارا لما ستؤول إليه تطورات المنطقة العربية، خصوصا في مصر وسوريا، ولما ستنتهي إليه الانتخابات، ورغم ترحيبنا بما يتم العمل عليه ونتطلع اليه من اجل المصالحة الحقيقية لان المرحلة لم تعد تتطلب التأجيل والتسويف امام الاستحقاقات القادمة .
ان اتفاق او اتفاقات المصالحة اذ لم تتم رزمة متكاملة تشمل إحياء المشروع الوطني، وتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ، ووضع برنامج سياسي للحكومة يجسد القواسم المشتركة، وتوحيد المؤسسات، خصوصا الأجهزة الأمنية، والاتفاق على إستراتيجية لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية ، فأن كل ما تم سيؤدي الى الاستمرار في إدارة الانقسام، وإلى شكل جديد من أشكال المحاصصة والاقتسام.
ان الخروج من مسار المفاوضات واعتماد مسار جديد يستند إلى تعزيز مقومات الصمود، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس برنامج وطني وشراكة سياسيه حقيقية وأسس ديمقراطية، وتنظيم مقاومة شاملة، وجمع أوراق القوة والضغط، بما فيها التوجه إلى الأمم المتحدة كل ذلك سيعطي تأثير ايجابي على المصالحة الفلسطينية .
أن العمل على ترتيب البيت الفلسطيني وترتيب أولوياته من خلال م.ت.ف، يمثل ارضية مناسبة
لإعادة وحدة الجسم الفلسطيني قيادة وشعبا وأرضا، وانهاء صفحة الكيانين الفلسطينيين المنفصل كلّ منهما عن الآخر،بعد مضى على هذا الإنقسام أكثر من ثمانية أعوام، ونحن نتطلع اليوم الى الحس الوطني لدرجة أن الأمل في الخلاص من حالة الاستعصاء هذه أصبح ضروريا، لان الشعب الفلسطيني مل كل هذا الانتظار، وهو بالامس خرج عن صمته، وهو على استعداد لكشف الغطاء عن كل من يريد التلاعب على حبال المصالحة التي طال العبث بها على حساب المصلحة الوطنية العليا .
من هنا نقول بكل وضوح على القوى والفصائل الوطنية والديمقراطية واليسارية ان تقوم بدورها من خلال مراقبة ما يجري ، ونحن عندما نطالب بهذا، فلأننا على يقين تام بأن أوراق كثيره وكبيرة لا زالت في يد الشعب الفلسطيني وهي كفيلة بأن تحقق للنضال الوطني الديمقراطي التحرري كل أسباب الانتصار، وان هذه القوى والفصائل هي الأقدر والأكفأ لاستثمار هذه الأوراق بشكلها الصحيح.
وعلى الرغم من وجود ملاحظات جدية كثيرة على مقدمات تشكيل الحكومة وآلياته، إلا أن الحالة الفلسطينية تحتاج هذه الخطوة، وذلك من اجل صمود الحالة الفلسطينية في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية ، وان نجاح الحكومة واستمرارها يتطلب الخروج من دائرة الحسابات المصلحية ، باتجاه المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، وإعادة الاعتبار لمبدأ الشراكة الوطنية في ما بين المكونات السياسية الفلسطينية؛ هذا على الأقل ما تتطلبه المهام الملقاة على عاتق الحركة الوطنية، كحركة تحرر في مواجهة احتلال استعماري استيطاني يسعى إلى شطب حقوق الشعب الفلسطيني، وحل الصراع القائم بما يحقق أهدافه التوسعية.
وامام موضوع المصالحة الفلسطينية اكتسبت زيارة الحبر الأعظم هذه أهميتها، إلى أن الأماكن المقدسة الفلسطينية قد شهدت حشودا غير مسبوقة ومن ضمنها المئات من الطوائف المسيحية، قدموا من قطاع غزة، تأكيداً من هذه الحشود لأهمية دور الفاتيكان ومكانته، ودلت هذه الحشود أيضا على النسيج الديمغرافي الفلسطيني العرقي والإثني المتنوع، اضافة الى ما تتعرض لها المقدسات الفلسطينية على تعددها، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم المواقف الداعمة والمسندة لحقوق الشعب الفلسطيني الذي اعلنها البطريرك الراعي اثناء زيارته الأماكن المقدسة، وخاصة ردود فعل عديدة لأنها تحمل من الالتباسات ما قد يجعلها على النحو الذي لا يريد ، في ظل قرارات المقاطعة لدولة الاحتلال ، وما تمارسه من ارهاب واستيطان وعدوان على الشعب الفلسطيني ، ونحن نتحدث عن ذلك من منطلق الحرص الشديد على مكانة البطريرك وما يمثل في لبنان والعالم .
ان الزيارة الأولى للحبر الأعظم فرنسيس منذ توليه منصبه، وتأتي بعد أحداث أليمة ألمت بالطوائف المسيحية، في عدد من دول المنطقة العربية، وكان لها تبعاتها على النسيج الديمغرافي العرقي والإثني في هذه البلدان، التي لم تشهدها سابقا، وكانت حاضرة الفاتيكان قد أعلنت إثر حوادث مفجعة شهدتها بعض المناطق بحق المسيحيين، عن إدانتها لهذه الأعمال التي لا تنسجم مع روح الإخاء والمحبة والسلام التي تطرحها الأديان السماوية، ومنها الاعتداءات الهمجية التي عانتها العديد من بلدات ومدن تاريخية في سوريا وتحديدا (معلولا وغيرها).
وفي هذا السياق جدد البابا دعوته إلى إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا، ورفض العنف، واحترام الحريات الدينية، وأكد أن مسيحيي الشرق الأوسط يشعرون بأنهم مواطنون يتمتعون بمواطنة كاملة، ويريدون المساهمة في بناء المجتمع مع مواطنيهم المسلمين من خلال إسهامهم الخاص والمميز.
ختاما لا بد من القول ان اي انجاز يرتبط بالمصالحة الوطنيه هو انجاز مهم من اجل الوصول الى وحدة وطنية فلسطينية حقيقية تترجم بالاتفاقات التي وقعت في القاهرة، بهدف استعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، لأننا نعتقد أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة هي مهمة كفاحية تتطلب حشد طاقات الشعب الفلسطيني وتتطلب وحدة وطنية وتتطلب استمرار المقاومة بمختلف أشكالها، ولن نحصل على دولة فلسطينية من خلال المفاوضات التي ثبت فشلها، ومن خلال الموقف الأمريكي والمرجعية الأمريكية التي ثبت انحيازها الكامل والمطلق إلى الكيان الصهيوني.
كاتب سياسي