يسجل لمصر أنها أنقذت العرب من خطر محقق لصراع متعدد الأوجه داخل شرق أوسط أريد له أن يغرق في بحر الموت والتطرف والإرهاب (الشرق الأوسط الكبير) ، وأنها أوقفت مهزلة كانت ستستمر عقوداً من الزمن وتواصل معه حالة التيه العربي في ظل إمارات وممالك متصارعة وأمراء حرب يشهرون سيوفهم في وجه أيّ محاولة تنوير تبحث عن المستقبل، في نفس الوقت الذي تتسيّد فيه إسرائيل آمنة قوية حارسة لأطماع القوى الاستعمارية داخل منطقة غنيّة بالنفط والمصادر الطبيعية وفقيرة الكرامة والإرادة والقدرة على المناورة، يسكنها الجهل والتخلف لعقود طويلة على أيدي جماعات مرتبطة بالماضي وبحكومات غربية ترى في تحطيم العرب وكياناتهم ضماناً أكيداً لمصالحهم.
مصر قالت كلمتها للعالم، مرة ثانية قدّمت زعيم العرب في مرحلة إحتاجت إلى زعيم بحجم تطلعات الشعوب العربية، بعد إنتظار طويل في محطات الوهن والهوان أصاب الحالة العربية وجعل منها مسرحاً لأطماع أمريكا ووكلائها الذين أشعلوا فتيل الصراعات الدينية والطائفية والإثنية ووظفوه لهدف تفتيت الكيانات العربية، بعد عقود الإستبداد وقهر الإنسان ولجم طموحاته في الحرية والعيش الكريم داخل وطن المواطنة والقانون والعدالة الإجتماعية.
الإنتخابات الرئاسية المصرية التي أنتجت زعيم العرب المشير "عبد الفتاح السيسي" لم تكن مجرد إنتخابات عادية لعملية ديمقراطية خاضها شعب وحسب، بل كانت إجماعاً مصرياً على طي صفحة محزنة في تاريخ مصر، أريد فيها نشر التخلف والرعب والفوضى وإسقاط المزيد من الضحايا، لإنفاذ التجزئة والتقسيم، لهذا كان كل هذا الإجماع والتفويض المصري للمشير إنتصاراً لمصر في مواجهة مؤامرة لم تعد خافية على أحد.
المصريون أثبتوا مرة أخرى أنهم خط الدفاع الأول وصمام أمن وأمان العرب، وأعطوا للعالم درساً مختلفاً في صناعة الثورات والتمرد على الظلم والإستبداد، صاغوا نظريتهم الثورية بإبداع زاوج بين الحرية والمصلحة الوطنية والقومية، فرسموا خطاً من نار بين الفوضى والثورة، وجمعوا بشكل خلّاق بين حركة الشعب الثائر لكرامته ومستقبله وأمن بلدهم والحفاظ عليها وحمايتها من أخطار التدخلات الخارجية بشكل لافت مختلف كشف عن مدى وعي وحرص المصريين ودرجة إنتمائهم لمصر بلد التنوير والحضارة والتاريخ .
إنتخاب المشير "عبد الفتاح السيسي" رئيساً لمصر زعيماً للعرب علامة فارقة في تاريخ مصر والعرب، والتحدي كبير مع القضايا الكبرى التي تنتظره في مصر وخارج مصر، فالمواطن المصري ينتظر إجراءات ملموسة في القضايا الإقتصادية وعمليات التنمية والأمن وفرض الإستقرار والقانون، والديمقراطية والمشاركة الدائمة في عملية صنع القرار المصري، بكل تأكيد دفع غالياً ثمن تجربة الصمت والقهر خلال سنوات الإستبداد ولن يكون مطيعاً صاغراً لتجربة تبدد أهداف ثورته التي جاءت بالزعيم، الجماهير العربية في حالة وعي مستمرة وعرفت دروب الميادين.
كما هي حاجة المصريين لزعيم يسيرون معه إلى المستقبل فحاجة العرب ليست أقل منها، فقد عصفت في الجسد العربي عواصف أدت إلى خيارات منفردة لكل بلد عربي، وفقد العرب أي موقف إجماعي إتجاه أي قضية كانت، والأخطر في هذه الحالة غياب القدرة والإرادة العربية لحل أي مشكلة أو نزاع يطرأ داخل الإقليم، الأمة العربية ليست واحدة وطويت رسالتها الخالدة، وأصبح حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية هو شيخ العرب الساهر على أمن العرب وثروات وثورات وديمقراطية العرب، لا يوجد عند العرب أهداف واحدة وكيان واحد يعبر عن المصالح القومية السياسية والإقتصادية والأمنية، ومن هنا تبرز مسؤولية مصر ورئيسها في السعي الجدي لإعادة صياغة النظام العربي الإقليمي وتطوير جامعة الدول العربية ومعالجة العقد الكأداء التي تعترض دورها في أن تصبح مؤسسة عربية جامعة لها ثقلها في القرار العالمي وقادرة أن تقف في وجه التدخلات الأجنبية وما يرافقها من أطماع، جامعة الدول العربية بحاجة لإنفاذ عشرات الإتفاقات المتعلقة بالمشاريع الإقتصادية المشتركة، والأمن والدفاع والتنمية، كما هي بحاجة لتطوير آليات عملها وشكل إتخاذ القرارات فيها.
لا تزال القضية الفلسطينية – قضية العرب، ماثلة كأكبر تحدي يواجهه العرب والفلسطينيين، حيث التهديدات والجرائم الإسرائيلية مستمرة بحق الشعب الفلسطيني متزامنة مع غياب أية آفاق لتسوية عادلة ما بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل تستند إلى الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني وتستجيب لمبادرة السلام العربية التي أطلقها ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز في العام 2002 وتبنتها الجامعة العربية كأساس لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وقد إستفادت إسرائيل من حالة إنقسام إمتدت قرابة سبعة أعوام، في ظل قيادة سياسية بائسة عجزت عن مواجهة الحقيقة التي خلص إليها الجميع بأن إسرائيل غير مؤهلة لصناعة السلام مع العرب والفلسطينيين، وبدل المواجهة مع إسرائيل وسياساتها، فقد أشغل الفلسطينيون في تبعات الإنقسام والأزمات الكارثية التي نتجت عنه.
لقد تم الإجهاز على الحياة الديمقراطية الفلسطينية بعد تعطيل مؤسسات صناعة القرار لصالح حكم الفرد، وجرى الإعتداء على القانون والحريات العامة والخاصة، وأخضع الفلسطينيون لنظام قمعي بوليسي لحماية أطراف الإنقسام ومصالحهم، مما فاقم من أزمات المجتمع الفلسطيني وحرف مسار هدفه الرئيس المتمثل في مقارعة الإحتلال وسياسات نهب الأرض وتهويد القدس وتحويل المناطق الفلسطينية إلى معازل أسوأ من تلك التي كانت خلال حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، في وقت عجزت فيه القيادة السياسية عن تقديم معالجات إقتصادية وسياسية جذرية تعزز صمود الشعب في مواجهة الإحتلال، وخضعت هذه القيادة مستكينة لإبتزاز مالي وسياسي عالمي قادها لعملية مفاوضات خالية من أي أهداف أو مرجعيات أو إجماع وطني ولم ولن تسفر عن نتائج.
المصالحة وتطبيقاتها لم تعد موضوعاً ذا بريق يخلب لبّ الشعب الفلسطيني، فالجميع أصبح مقتنعاً أن هرولة عباس وحماس إتجاه هذا المسار لم يكن سوى شكل من أشكال التغطية على أزمة وصل إليها الفريقان، وان هذا "التكتيك التصالحي الإضطراري" يهدف إلى كسب الوقت والعودة إلى مربع المفاوضات بشروط أمريكا والإتحاد الأوروبي كأحد الوظائف الرئيسية للسلطة إلى جانب الأمن، مع ترحيل ملف الإنتخابات إلى أجل غير مسمى بتوافق فصائلي يغطي على الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ولا يقدم لها حلولاً جذرية تعزز من صمود الشعب في مواجهة الإحتلال وتكفل له الحق في إختيار قيادته بشكل ديمقراطي.
لقد لعبت مصر والعرب دوراً مهماً في وقف التدهور الحاصل على الساحة الفلسطينية، ومن المأمول أن تواصل دورها بفاعلية في هذا الإتجاه، مع الأخذ بعين الإعتبار أن جماهير الشعب الفلسطيني قد سئمت لعبة " المحاصصة" التي يمارسها أطراف الإنقسام، وأن المصالحة الحقيقية - إن صدقت النوايا، لا يغيّب عنها أطراف فلسطينية وقوى مجتمعية مؤثرة وأساسية، ولا تسقط حق مشاركة الشعب في تحديد مستقبله واختياره الديمقراطي الحر لقادته، ولا تسقط القانون لصالح التوافق الفصائلي، ولا تطوّع المؤسسات القضائية والتشريعية لصالح حكم الفرد، فالأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني قد ضاقت ذرعاً بكل ما يجري من عبث كان المستفيد الأول منه إسرائيل.
لشعب مصر تعظيم سلام، لقد خضتم معركة العرب بجسارة وتألق وريادة تؤشر إلى مستقبل واعد، وإلى زعيم العرب كل الأمنيات بالتوفيق على درب التحدي والوفاء لتطلعات العرب.