بالإعلان عن ولادة حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني , بعد خمسة أسابيع على "اتفاق الشاطئ" للمصالحة , يكون الفلسطينيون قد طووا صفحة سوداء في تاريخ قضيتهم , تواصلت لسبعة أعوام عجاف , عاش فيها الشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله , وخاصة في قطاع غزة والضفة الغربية , حيث السلطة الفلسطينية التي أنجبها اتفاق أوسلو , في ظل انقسام سياسي وجغرافي , إثر الصراع بين الحركتين الكبريين ( فتح وحماس ) , وخوضهما حربا أهلية , أسماها الفتحاويون بالانقلاب , وأطلق عليها الحمساويون لقب " الحسم " , أودت بحياة العشرات من القتلى والمئات من الجرحى , ونشوء كيانين منفصلين , جنوبا في قطاع غزه تقوده حركة حماس , وشمالا في الضفة الغربية تقوده حركة فتح , "توأم سيامي" كاد يؤدي انفصالهما إلى موت التوأمين , إلى أن تمت العملية الجراحية الناجحة في الاتفاق الأخير , الذي يمكن أن نطلق علية " اتفاق المضطرين " , فحركة حماس بعد انهيار حكم الاخوان المسلمين في مصر الشقيقة , وإغلاق الأنفاق على الحدود المصرية التي كانت " تبيض ذهبا " لخزينة حماس , جراء عمليات التهريب للبضائع والوقود الرخيص القادم من مصر , وفرض ما يشبه الحصار من الجانب المصري , إضافة إلى الحصار المشدد المضروب على قطاع غزة من الجانب الاسرائيلي منذ العام 2006 , بعد نجاح حماس في الانتخابات التشريعية آنذاك , وبعد فشل ثلاثة اتفاقات للمصالحة في مكة والقاهرة والدوحة , كان أخيرا القبول باتفاق الشاطئ في غزة , للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والعسكري , بعد ثلاثة حروب شهدها القطاع خلال السنوات السبع العجاف . وبالمقابل فإن حركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية في رام الله , والتي راهنت بكل قوة على عقد اتفاق للسلام مع اسرائيل , وخاضت مفاوضات عبثية لمدة عشرين عاما أو يزيد , وكان آخرها البحث عن اتفاق إطار يخرجها من مأزق المفاوضات بقيادة الولايات المتحدة , غير أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أفشل الاتفاق بالتأكيد على مواصلة الاستيطان , ورفض اطلاق سراح الأسرى , وتخيير أبو مازن بالمصالحة مع اسرائيل أو المصالحة مع حماس , فكان الخيار بالإعلان عن الاتفاق مع حماس , وبعد مخاض عسير من المشاورات والمفاوضات بين غزة ورام الله , كان اتفاق الوفاق المشوب بالكثير من العوائق , التي يخشى المراقبون تفجرها , عند البدء بالتنفيذ والدخول في التفاصيل .
وما من شك أن هذا التطور الإيجابي سيعمل على تعزيز الوحدة الوطنية، ومواجهة العدو الإسرائيلي بجبهة موحدة ، من أجل إعادة حقوق شعبنا المشروعة، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ومن ثم إجهاض كافة المؤامرات ضد القضية الفلسطينية، خصوصا بعد فشل الوسيط الأمريكي في الضغط على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي أجهض جميع المبادرات باستمراره في مواصلة الاستيطان، ورفض إطلاق سراح الأسرى، ومواصلة قتل أبناء الشعب الفلسطيني مثلما حدث في رام الله في يوم إحياء ذكرى النكبة.
ومن هنا، فإن المهم الآن هو السعي إلى تنفيذ الاتفاق وعدم اختراقه , ودعم جميع القوى والفصائل لحكومة الوحدة الوطنية التي عليها مسؤولية كبيرة نحو تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.. وأخيرا نأمل أن نودع مرحلة الانقسام والخلافات ونعود إلى مرحلة الوفاق والاتفاق وتأكيد اللحمة الوطنية، التي ستكون بمثابة الضمانة الحقيقية خلال المرحلة المقبلة.
والسؤال المطروح في الشارع الفلسطيني بقوة وقلق : هل يصمد الاتفاق , وهل تستطيع حكومة الوفاق الوطني الوصول باتفاق الشاطئ إلى شاطئ الأمان , وألا يغرق الشعب الفلسطيني مرة أخرى في بحر الانقسام والخلاف من جديد؟!