عملية القدس البحرية تاريخ ساطع وإرث عريق حمل في ثناياه تجارب عميقة

بقلم: عباس الجمعة

اربعة وعشرون عاما مرت على عملية القدس البحرية و التي أشرف شخصيا على التخطيط والتنفيذ لها القائد الشهيد ابو العباس الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ، حيث تعود الذاكرة لاسطورة النضال في حضرة غياب قائدا استهل حياته النضالية من اجل فلسطين.

في 30 أيار / من عام 1990 انطلقت مجموعات من المناضلين باتجاه شواطئ فلسطين ألمحلته في زوارق بحرية عسكرية مجهزة براجمات الصواريخ و مضادات الطائرات و أسلحة أخرى منوعة، كان صباحا مختلفا ، ذلك الصباح الذي تمخض عنه ليل الكآبة العربي الطويل ، وامواج البحر الابيض المتوسط ، المفاجأة تجتاح اشجار الشوطئ واجهزة الرادار المتطور ، وكان لا بد ان ترتفع الشمس الى السماء ، لتتوضح الصورة ويكتمل المشهد ، لقد جاء الابطال مرة اخرى ، بعد الحالصة وام العقارب ونهاريا والزيب ونابلس والطيران الشراعي والمنطاد الهوائي واكيلي لاورو ، على امواج البحر التي يتواطأ مع الابطال مرة اخرى يحتضن في امواجه الداكنة ابناءه العائدين بجعبهم المكتنزة بالرصاص وقلوبهم التي تتوق الى لحظة توحد بالتراب الفلسطيني.

لقد شكلت عملية القدس البحرية البطولية ثمرة جهد وطني بعد اعداد واشراف من قبل الشهيد القائد الامين العام ابو العباس ورفيق دربه القائد العسكري ابو العز استغرق فترة طويلة ، وتم تحديد التنفيذ والتوقيت استجابة لدموع الامهات وصرخات الاطفال وآلالم الجرحى والاسرى والمعتقلين ، وردا على مجزرة عين قارة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق العمال ، وثأرا لدماء الضحايا ، واستمرارا لخطى القائد العسكري للجبهة سعيد اليوسف الذي فقد وهو يقاوم العدو في جبل لبنان الأشم في عام 1982 اثناء الغزو الصهيوني للبنان ، حيث لقن ابطال الجبهة العدو درسا فريدا من دروس المنازلة على الساحل الفلسطيني ، ورسمت عملية القدس معالم مرحلة نضالية جديدة من مراحل الكفاح ضد العدو الصهيوني على طريق تحرير الارض والانسان وتحقيق الحرية للشعب الفلسطيني .

ان عملية الاختراق كما اراد الشهيد القائد ابو العباس تسميتها كان هدفها اختراق المؤسسة العسكرية المتبجحة بغرورها الأمني و عظمة قوتها العسكرية كما تدعي ، حيث نجح ابطال جبهة التحرير الفلسطينية من تحقيق حق العودة على طريقتهم الخاصة باستشهاد بعض المناضلين على ارض فلسطين واسر الابطال الاخرين، وكان أغلبية ابطال العملية هم من فلسطيني الشتات حيث ضمت المجموعات مناضلين فلسطينيين وعرب من العراق و لبنان و سوريا و الأردن وليبيا و مقاتلين من داخل فلسطين ، وحملت العملية اسماء على زوارقها السريعة حطين والقسطل وبورسعيد، واطلق على مجموعاتها صلاح الدين الايوبي ، وعبد القادر الحسيني ، وسليمان الخاطر ، وعدنان خيرالله ، وعمر المختار ، ويوسف العظمة .

ونحن اليوم نقف امام ذكرى مجيدة سطرها ابطال جبهة التحرير الفلسطينية نتوجه بتحية اجلال واكبار لشهداء العملية واسراها المناضلين المحررين وللقادةالشهداء الامين العام ابو العباس ورفاق دربه سعيد اليوسف و ابو العز اعضاء المكتب السياسي للجبهة ولكل المناضلين الذين تجربة النضال والكفاح والاشراف على العمليات البطولية للجبهة من مدربين ومشرفين ، ولنؤكد لهم ان عملية القدس شكلت علامة بارزة من علامات النضال الواضح ، كما اعطت اسلوبا مبدعا لتحقيق متطلبات دعم الانتفاضة الاولى الباسلة ، ومن حق الشعب الفلسطيني التغني بامجاد المناضلين ، والتمسك بخيار المقاومة واخذ التجارب بعين الاعتبار وتطوير العمل ليكون هناك تناغم بين الماضي والحاضر والمستقبل في ظل الظروف الدقيقة التي تجتازها القضية الفلسطينية وفي ظل المؤامرات الهادفة لتصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني تحت يافطات ابرزها السلام الاقتصادي ومشروع كيري والاعتراف بيهويدية الدولة ، وكلها مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.

نعم لقد قاتل ابطال عملية القدس البحرية على تراب الوطن فلسطين كما ينبغي ان يكون قتال الرجال واستشهد بعضهم ليمنحوا الشهادة قداستها وقاتل رفاقهم الاخرين حتى الطلقة الاخيرة ليجددوا عهد فلسطين القتال حتى النصر والشهادة .

وعلى هذه الارضية شكل الثلاثين من ايار يوما زلزل اركان الاحتلال ومؤسساته المختلفة وعلى كافة مستوياتها ، وهو يوم ليس ككل الايام في قاموس النضال الوطني الفلسطيني ، وقاموس المقاومة ، ولهذا نؤكد بان جبهة التحرير الفلسطينية التي صقلت التجربة مناضليها وقيادتها شكلت رافعة أساسية هامة للنضال الوطني الفلسطيني ، ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، واستطاعت بتميزها الفكري والسياسي والعسكري أن تسطر لنفسها ولشعبها وقضاياه العادلة تاريخاً مشرقاً ، حافلاً بالعطاء المتميز والمواقف البطولية والعمليات البطولية النوعية.

ونحن اليوم نفخر بابطال عملية القدس البحرية وبكافة ابطال العمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية ، هذه الجبهة التي قدمت خلال مسيرتها العريقة الاف من الشهداء والجرحى والاسرى ، وفي مقدمتهم الشهداء القادة الامناء العامين فارس فلسطين ابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب والقادة سعيد اليوسف وحفظي قاسم وابو العمرين وابو العز ومروان باكير وجهاد حمو وابو عيسى حجير وابو كفاح فهد وجهاد منصور ، ولم تتخاذل او تتنازل ، بل كانت السباقة دوما في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن منظمة التحرير الفلسطينية ، وهي اليوم تلعب الدور الكفاحي والنضالي على ارض الوطن كما تلعب دورا رئيسيا في تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وغني عن القول نؤكد ان مناضلي جبهة التحرير الفلسطينية وخاصة اسراها الابطال وفي الذبن تعرضوا للإعتقال وذاقوا مرارة السجن وقسوة السجان الإسرائيلي ، وتميزوا بعطائهم داخل الأسر حتى اليوم ، وشاركوا بفاعلية مع إخوانهم في فتح والفصائل الأخرى في التصدي لممارسات إدارة السجون ، والنضال من أجل صون كرامة الأسير الفلسطيني والإرتقاء بمستواه الفكري والثقافي والسياسي والنضالي وهم اليوم يحملون أوسمة العز والفخار من أكاديمية الصمود الأسطوري.

أن جبهة التحرير الفلسطينية الذي شكل تاريخها النضالي فخر كبير لكل المناضلين من خلال عملياتها النوعية والتي كان اخرها عملية القدس الاستشهادية وعمليات كتائب الشهيد ابو العباس، حيث زرع مناضليها بدمائهم في كل شارع ومنحنى وهضبة ومنخفض ومرتفع وشجرة زيتون وحجر ورابية شهيد من شهدائها الابطال في مقاومة الاحتلال الصهيوني والتصدي له بكل الوسائل المتاحة برا وجوا وبحرا حيث كتبت امجاد هذه الامة بارادة صلبة وايمان لا يتزعزع بتحرير الارض والانسان .

وامام هذا الدور العظيم لجبهة التحرير الفلسطينية جاء اعتقال واغتيال الشهيد القائد الامين العام ابو العباس في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق بعد تصفيته من قبل اجهزة الموساد ليشكل ضربة موجعة للجبهة ، ولكن رغم ذلك استطاعت الجبهة ان تستنهض اوضاعها وان تعيد الاعتبار لمشروعها النضالي من خلال كتائب الشهيد ابو العباس وهي اليوم لا زالت تمتلك الإمكانيات والقدرات على الاستمرار بدورها والتمسك بنهج الشهيد القائد ا بو العباس وكل رفاقه القادة والمناضلين.

لقد دفعت التحولات الإقليمية الأخيرة، اهمية الوصول إلى تحقيق المصالحة المنشودة ، وان التحولات الإقليمية التي وقعت، خصوصاً في مصر وسوريا، لعبت دوراً مهماً في إنضاج الحالة الفلسطينية في اتجاه المصالحة، وولوج حركتي فتح وحماس لمسار العمل المشترك من أجل إعادة ترتيب الساحة الفلسطينية، إلى جانب كل القوى والفصائل الفلسطينية من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة تؤكد على الثوابت وتحفظ حق المقاومة بكافة اشكالها واجراء انتخابات رئاسية و تشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني، لأن الشعب هو المصدر الرئيسي لكل السلطات في النظام السياسي الفلسطيني.

إن معركتنا مع الاحتلال طويلة وقاسية ، وإن كل إنسان عربي مطالب اليوم بتقديم دعمه وتأييده الكامل لمسيرة النضال الذي يخوضها الشعب الفلسطيني فوق الأراضي المحتلة هو جزء فاعل من مسيرة قوى حركة التحرر العربية ضد الإمبريالية ومشاريعها الاستعمارية ، وهذا بحاجة إلى إرتباط عضوي بين كفاح شعبنا الفلسطيني وكفاح الشعوب العربية في مواجهتها نفس الخطر ونفس الخصم ونفس المخططات التي هدفها تعميم الفوضى من بوابة الفتنة الطائفية والأثنية المذهبية والعرقية بهدف الوصول لتقسيم العالم العربي الى دويلات متصارعة على أسس طائفية تفسح في المجال أمام سرقة ما تختزنه الأرض العربية من ثروات لتمكين الرأسمالية من الخروج عن أزمتها، وانهاء القضية الفلسطينية وبناء الكيان الاسرائيلي على أساس تحويله الى ما يسمى "دولة اليهود في العالم" مما يستدعي استنهاض دور الاحزاب والقوى العربية في مواجهة كل أشكال وأقنعة الاستعمار الإمبريالي الصهيوني الجديد الساعي إلى تشتيت وتفتيت وتقسيم المنطقة، ومحاولاته الحثيثة لتصفية الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني، ولذا فإن العمل الفلسطيني يحدد موقفه عربياً مع من يقف إلى جانب نضاله ضد من يعاديه ، كما أن كفاح الشعب الفلسطيني مرتبط مع كفاح قوى الثورة والتقدم في العالم .

ختاما : طريق النضال قاسية .. لكن العزيمة قادرة على المضي رغم المصاعب فداءً لدماء شهداء عملية القدس وشهداء فلسطين ،وان تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية تاريخ ساطع وإرث عريق حمل في ثناياه تجارب عميقة يجب الحفاظ عليها ودعمها ومساندتها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة، وعملياتها شكلت نموذجا فريدا على مستوى النضال التحرري.