خسرت حماس ولم تكسب فتح

بقلم: فايز أبو شمالة

لا يقاس الربح والخسارة في ميزان السياسة بالضربات الترجيحية، فقد تكون خسارة فريق في لحظة ما منطلقاً للربح في لحظات لاحقة، وقد يكون الربح الوهمي للبعض هو الخسارة الاستراتيجية للجميع.
إن الذي يتابع مجريات المصالحة بين حركتي فتح وحماس ليستنتج أن الأخيرة قد خسرت بعضاً من مواقفها السياسية المعلنة، وتخلت عن الكثير من برامجها، في الوقت الذي لم تكسب فيه حركة فتح من هذه الخسارة، وذلك لأن العمق السياسي الذي خسرته حماس، أو تخلت عنه مرحلياً؛ هو خسارة لحركة فتح نفسها، وإن بدا مكسباً للسلطة الفلسطينية.
إن التنازلات التي قدمتها حركة حماس من أجل المصالحة قد جاءت استجابة للمتغيرات الإقليمية، التي فاجأت الجميع، وأحدثت الهزة السياسية في المنطقة، فكان التنازل عن بعض المواقف السياسية المعلنة بمثابة صدمة نفسية لأنصار حركة حماس وعناصرها، ولاسيما أولئك الذين لم يستشعروا بعد عمق المتغيرات الحياتية الناجمة عن الحصار المضروب على سكان قطاع غزة، والذي يعد بالقياس إلى المساحة وتعداد السكان أسوأ من الحصار الذي فرض على العراق ذات خيانة، وفرض على إيران ذات مؤامرة، وفرض على السودان ذات تخاذل.
لقد تمثلت أول ثمار المصالحة الفلسطينية بغض طرف حركة حماس عن تصريحات السيد محمود عباس حين قال: حكومة التوافق هي حكومتي، وستحارب الإرهاب "المقاومة"، وهي تعترف بإسرائيل، وتعترف بما وقعت عليه منظمة التحرير مع إسرائيل من اتفاقيات.
وقد اطبقت حماس شفتيها، وصمتت صمت القبور حين قال السيد عباس: إن التنسيق الأمني مع المخابرات الإسرائيلية مقدس، ولم تتهرب حماس من المصالحة حين أقدمت بعض الأجهزة الأمنية في الضغة الغربية على اعتقال عناصرها، وسكتت حماس، حين توسل السيد عباس الإسرائيليين بالاعتراف بحكومة التوافق، وراح يؤكد لهم أن حكومة التوافق تعترف بإسرائيل، وتنبذ العنف، وتعترف بكل ما تم التوقيع عليه مع إسرائيل، ليضيف عباس جملة استنكارية بصيغة استفهام، قائلاً: أين الخطأ في ذلك؟
أين الخطأ في ذلك؟ هو السؤال الذي يجب أن تجيب عليه حركة فتح، وأن تعلن بأن الخطأ يتمثل في التنازل عن كل ما سبق، وفي الاعتراف المجاني بإسرائيل، وفي تكبيل يد المقاومة، وفي الالتزام باتفاقيات مهينة داس عليها المستوطنون بتوسعاتهم وتوسلاتهم.
على كوادر حركة فتح أن يتصدروا المشهد، وأن يتصدوا لكل تنازل يفتح شهية الإسرائيليين على مزيد من التنازل، على كوادر حركة فتح أن يرفعوا صوتاً عالياً ضد ما يمارس من تفرد بالقرار السياسي بعيداً عن كوادر حركة فتح نفسها، وبعيداً عن قياداتها الشابة، وبعيداً عن التنظيمات الفلسطينية التي استغاثت من الإهمال، وقطعت عن بعضها المساعدات.