هكذا فهمت حركة فتح المصالحة وهكذا أريد لحركة حماس أن تفهمها؛ فتسلح الأولى بانقلاب مصر الدموي وخنق قطاع غزة جعلها تدخل في مرحلة الغيبوبة السياسية حتى أتت نتائج المصالحة بما لا تشتهيه آمال الشعب الفلسطيني لتطال في بعض محطاتها هيبة الأسرى وقوة قضيتهم أمام المجتمع الدولي، غير أن ما يقرأ من المصالحة هو إعادة تكليف للحمد الله بتشكيل الحكومة وإزالة عبارة تسيير أعمال لتكون بالفعل كل الكراسي الآن في يد حركة فتح، هذا التكليف يسمع به المجلس التشريعي بعد أن يصوره الإعلام ويقره عباس، كما أن الطرف الآخر في المعادلة "حماس" أحيطت بكل أشكال وزخرفة الوحدة والمصالحة دون الجوهر؛ فتهديد مصري من هناك وتهويد صهيوني للأقصى من هنا وشماعة انقسام استثمرتها فتح كثيرا في تبرير فشلها السياسي؛ فكان من حماس أن شاركت في عرس دون عريس حقيقي، وهذا واقع سياسي لا داعي لإخفائه.
الآن وبعد أن ألغيت تسيير الأعمال عن حكومة عباس باتت التصريحات تخرج من هنا وهناك بالاعتراف بالكيان الصهيوني والبرنامج الدولي وكل هذا ليس تخاذلا من فتح بقدر ما هو فشل آخر استمر عقودا في ملفات فساد وابتزاز المال السياسي الذي جعل من الفلسطينيين أنفسهم يفكرون في إلغاء وزارات الأسرى والقدس وغيرها في فترات مختلفة وهنا خافوا جميعا على الوطن.
تقرأ المصالحة الحالية على قاعدة العمل المؤقت؛ فماذا يدور في أذهان قادة فتح خاصة في التعاون الإقليمي فهل هو لدحر الاحتلال أم الانقضاض على مقاومة حماس والفصائل في غزة ؟ تحت إطار شرعية السلاح وسلمية المجمتع وإسناد السيسي في مصر بسيناريوهات تصنع "حفتر فلسطين" مرة أخرى وعلى طريقة أخرى وتوقيت آخر ليصبح الشق الآخر من عبارة إسماعيل هنية محط قلق؛ فالكراسي أخذوها والوطن يترنح.
ولكن للمحدق جيدا في المنطقة فإن زمام الأمور الآن بيد من هم انقلابيون بامتياز إما بالدماء والتنكر لنتائج انتخابات نزيهة أجريت في مصر وليبيا وإما بالمخاجلة لحفظ الدماء كما في تونس وإما بالمصالحة الوطنية كما فلسطين أو بالديكتاتورية دون انتخابات كما أنظمة الأردن والخليج وسوريا وغيرها؛ ولذلك يبدو أنها مرحلة تتصدر فيها المشهد تلك النماذج المتشابهة في الوقت الذي أقصيت فيه الحركة الإسلامية صاحبة الشعبية والأغلبية، فهذا يعني أن تلك المنظومة المتسلطة بالسلاح أو بالإسناد الدولي ستكون لها جولة أخرى في ظلم العباد كما فعلت دائما فلن تأتي بجديد إلا مزيد من التراجع والفشل على كل الصعد؛ لذا هي إشارة واضحة لمن ركن جانبا إما نتيجة انقلاب مصر أو مصالحة فلسطين أو عنف ليبيا وسوريا واليمن أو حفاظا على الدماء في تونس أو خوفا من المجهول في الأردن والخليج أن يتحضروا جيدا لمرحلة حكم تسبقها ثورة حقيقية تشتد وتيرتها في المرحلة المقبلة لأن أنظمة فساد قائمة الآن لن تدع شكا لدى كل المواطنين أنها فشلت لما ستقوم به من أخطاء فادحة، وبالتالي لن يكون هناك من يساندهم في جولتهم الأخيرة التي حصلوا عليها من خلال الطرق التي ذكرناها في الأعلى؛ ومن هنا فمرحلة حكم الإسلاميين قادمة وبشكل كبير في المنطقة وما هذه الصحوة لأنظمة عفا عليها الزمان إلا صحوة موت تأتي لتتأكد الشعوب أن جعبة أولئك لم تبق فيها حتى الوعود الإعلامية.
لذا فإن إبقاء الوطن بات وظيفة لكل الفلسطينيين وليست حماس وحدها؛ فها هي المصالحة التي أرادتها فتح ولكن الوطن الذي يريد الشعب أن يبقى لن يكون حلما بقدر ما هو فعل من فصائل مقاومة وشعب خلفها لتبقى الكراسي ذليلة وخاوية أمام هيبة وطن لا ينام الاحتلال دقيقة واحدة وهو يحاول أن يطمسه بوسائل كثيرة.