ليست تكنوقراط ولا وحدة، وإنما حكومة فتح وحماس

بقلم: رشيد شاهين

بعد سبعة أعوام عجاف، تم الإعلان عن تشكيل الحكومة الفلسطينية، التي يطلق عليها البعض حكومة الوحدة، ويسميها البعض الآخر تكنوقراط، وقد أعلنت فتح وحماس "برغم ما نسمعه من تهويش من قبل حماس حول بعض المسائل التي رافقت الإعلان" عن السعادة وكثير التمنيات للحكومة الجديدة.

ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهذا التسارع في ما قيل انه عملية الاتفاق على "إنهاء الانقسام"، وتوقيع اتفاق المصالحة في مخيم الشاطئ، يعيدنا إلى التساؤل الأهم، لماذا طال عمر الانقسام ليترسخ على الأرض ليكون أسوأ ما عرفه الشعب الفلسطيني عبر قرن من الزمان.

الواقع يقول، إن التوصل إلى الاتفاق، جاء على خلفية الأزمة التي تعيشها كل من الحركتين، فحركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية، لم تستطع تحقيق الحد الأدنى المطلوب من خلال الحياة مفاوضات، وسياسة التنسيق الأمني "المقدس"، وفشلت في إقناع دولة الكيان في تغيير أو تليين مواقفها في مختلف القضايا، بما في ذلك موضوع التجميد المؤقت للاستيطان، أو حتى الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، هذا الإفراج الذي كان استحقاقا منذ أوسلو.

أما حركة حماس، فهي تعيش أزمة مركبة ومتعددة الأوجه، فهي بسياساتها العشوائية، وبربطها نفسها بحركة الإخوان المسلمين، وبممارساتها غير المقبولة في قطاع غزة، وبتبعيتها لدولة قطر، وبعقرها لسوريا وإيران وحزب الله، وبالسقوط والتراجع الملحوظ لحركة الإخوان، وقعت في "حيص بيص"، وصارت على استعداد للتوقيع على أي اتفاق مع فتح من اجل الخروج من كل هذه الأزمات، لا بل يعتقد البعض انها رمت بنفسها في أحضان فتح راضية مرضية، وسوف "تنام في عسل" تلك الأحضان، بغض النظر عن كل ما قالته عن تلك الحركة، حيث وصلت الأمور في القطاع، إلى حد لا يمكن تحمله.

الحكومة التي يقال عنها حكومة وحدة، تشكلت دون استشارة أي من الشركاء والحلفاء في منظمة التحرير، ولم يكن يعلم بما يجري من حوارات حول تشكيلها وتشكيلتها، سوى نفر محدود جدا في حركة فتح، لا بل إن الغالبية العظمى إن لم يكن جميع أعضاء اللجنة التنفيذية لم يكن يعلم بأي من الأسماء المرشحة، وذهب هؤلاء لحضور مراسم التكليف دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن التشكيلة الأخيرة للحكومة، إلا ما يتردد في وسائل الإعلام.

ما جرى خلال السنوات الماضية، والتي اتسمت بالجفاف، وحتى تشكيل الحكومة، كان من صنع حركتي فتح وحماس، وهو الأمر الذي دفعت فيه القضية والشعب الفلسطيني، ثمنا باهظا، لم تدفعه خلال عشرات السنين من الصراع مع دولة العدوان، والآن ومع تشكيل الحكومة "الثنائية"، يحاولان وضع حد لما تسببا به من انقسام، لكن بطريقة لا تشي بأنهما تعلما من التجربة، حيث ما زال هناك تهميش مقصود لمختلف الفصائل والقوى والفعاليات في الساحة الفلسطينية.

الحكومة الحالية التي نتمنى لها النجاح، عليها من الأعباء والمسؤوليات ليس فقط التحضير للانتخابات غير المضمون تنظيمها في ظل واقع احتلالي بغيض، ويلزمها الكثير من الجهد والنوايا الطيبة، وكذلك الأموال، لكي تحقق الأهداف التي قيل انها عينت من اجلها، وهنالك الكثير من الشكوك حول فترة الأشهر الستة الممنوحة لها لكي تنجز إعمار الخراب الذي استجلبته سنوات الانقسام، أو حتى التحضير للانتخابات التي سيتم تنظيمها، وهي ستكون اقرب إلى حكومة إدارة الانقسام أكثر منها حكومة لحل الانقسام.

الانقسام تجذر في الساحة الفلسطينية، وكان من أهم أسباب تجذره، هو الانقسام الجغرافي بين الضفة والقطاع، وليس من السهل ردم الهوة التي تسبب بها، كذلك فان موضوعة المصالحة المجتمعية، تعتبر من أهم القضايا التي لا زال البعض لا يعطيها من الاهتمام الكثير، علما بأنها أساس المصالحة.

الرهان الذي يراهن عليه الكثير من المتابعين، هو على "شخوص" هذه الحكومة، ومدى قدرتهم على المراوغة والتصدي لما سيتعرضون له من "مناورات والأعيب ومطبات" ستوضع في طريق تحقيق الأهداف، لكن التجارب أثبتت ان من غير السهل لحكومة لا يسندها تنظيم أو حزب قوي وجماهيري ان تحقق الغايات المرجوة.

أخيرا، فانه وفي ظل عدم حل الكثير من الملفات، وكذلك صعوبة حل الكثير من القضايا بسبب ما جرى خلال سنوات الانقسام، وكذلك فان ما جرى خلال الساعات الأخيرة التي تلت تشكيل الحكومة، وما قيل عن تجاوزات للاتفاقات، وخاصة فيما يتعلق بوزارة الأسرى، والردود التي جاءت من حركة حماس، تشير إلى ان الحال لن يكون أفضل مما كان، وان الساحة متجهة إلى نظام هو أقرب إلى الفدرالية من أي شيء آخر.