بين ذكرى النكسة والاجتياح حكايات

بقلم: عباس الجمعة

نقف امام ذكريات لها حكايات من حيث الأسماء والتواريخ وقد يعيد التاريخ نفسه من حيث الأحداث، لكن عندما ننظر الى تاريخي 5 حزيران/يونيو 1967 و6 حزيران/يونيو 1982 نرى أنهما متشابهان في بعض الدلالات لناحية القوة وميزان الهزيمة والانتصار والانجاز وما يرتبط بهما من أبعاد وطنية مختلفة ، ذكرى نكسة حزيران والتي شكلت حالة من الانهيار والتراجع للنظام الرسمي العربي، وفي هذا السياق، نشير إلى أن النكسة شكلت ضربة للمشروع القومي العربي، فهي هزيمة عسكرية أمام عدو صهيوني متغطرس في عام 1967،ولكن كان الرد الواضح على النكسة في معركة الكرامة البطولية التي شكلت نموذجا لارادة المقاتل الفلسطيني والعربي، حيث اعادت الاهتمام الى القضية الفلسطينية كقضية العرب الاولى وجوهر الصراع العربي الاسرائيلي.

وفي ظل هذه الظروف اراد الشعب العربي الفلسطيني بصموده وعطائه ونضاله مواصلة مسيرة الكفاح رغم كافة المؤامرات والمشاريع التي كانت تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتبديد حقوق الشعب الفلسطيني وذلك من خلال العمليات البطولية لابطال الفصائل الفلسطينية فكان الصمود الفلسطيني اللبناني في التصدي للاجتياحات الصهيونية عام 1972 وعام 1978، وبعد هذا الاجتياح لجنوب لبنان وصمود القوات المشتركة، كانت هزيمة سياسية للعرب عبر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 التي تمثلت في إقرار مشروعية الوجود الصهيوني في فلسطين ووضع مبدأ الصلح المنفرد مع إسرائيل.

وامام كل ذلك جاء اجتياح العدو الصهيوني للبنان عام 1982، وصمود القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية في عاصمة لبنان بيروت، بيروت وحدها بإمكانها أن تحكي عن مراحل صمودها ومقاومتها فحجارة أبنيتها لا تزال تصدح بقصص أبطالها الذين انتفضوا بوجه المحتل رفضا لتدنيس مدينتهم.

حينما نستذكر بيروت نستذكر مواقع المواجهة مع الاحتلال الصهيوني حيث رويت ارض فلسطين والاراضي العربية المحتلة، وترابها بدماء وعطاءات الشهداء الذين حولوا النكسة الى انتصار، وهنا عندما نقف امام ذكرى النكسة التي تتزامن مع ذكرى اجتياح العام 1982، نؤكد بان مقاتلي الثورة والحركة الوطنية اللبانية والجيش العربي السوري كتبوا صفحات المجد من خلال مقاومتهم البطولية على مدار مئة يوم، وبعد خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت الى العديد من الدول العربية، كانت بيروت تنتفض وتبدأ المقاومة في كورنيش المزرعة وشارع سليم سلام والحمرا، ما دفع بالاحتلال الى أن يغادر العاصمة خلال أقل من 72 ساعة على دخوله بالرغم من كل قصفه واعتداءاته وبالرغم من مجزرة صبرا وشاتيلا ومن كل شيء ، سطر المقاومين الابطال ملاحم بطولية لا تزال محفورة بالذاكرة حتى يومنا بعد ونحن نستذكر وقفة لكل واحد من هؤلاء المناضلين والقادة الذي بات بفعل النضال وبفعل التضحية ودم الشهادة رمزا وعنوانا لمرحلة معينة وان كان ما يجمع ما بين هؤلاء المناضلين الذين قدموا انفسهم فداء للبنان وفلسطين والامة العربية وفي مقدمهم القائد العسكري لجبهة التحرير الفلسطينية سعيد اليومسف عضو المكتب السياسي ورفاقه الابطال وغيرهم من المقاومين الذين قاتلوا المحتل الصهيوني، واليوم من خلال تجربة المقاومة في لبنان وانتصاراتها المتلاحقة على الكيان الصهيوني، حيث أثبتت العديد من الوقائع وكرست مفاهيم مغايرة للتفوق والقدرة والامكانيات عمّا كانت عليه في حقبة الانكسار أمام قوة كيان العدو من خلال طي ثقافة الانكسار والهزيمة والاستسلام التي روّج وعمل ترسخت في الاعلام العربي والعالمي وانقلاب الصورة للجندي الإسرائيلي حيث بات مهزوما محبطا في مواجهة المقاومين سواء في لبنان أو فلسطين، ومجرما في مواجهة الاسرى الابطال والمدنيين العزل..

ورغم ذلك الصمود والعطاء والتضحيات، ما زالت المخططات الساعية إلى استئصال وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين لم تتوقف أبداً عبر التعاون المتواصل بين القوى الاستعمارية والامبريالية والحركة الصهيونية والقوى العربية الرجعية، عبر العديد من المشاريع الهادفة إلى لتصفيةالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة.

وفي ظل هذا الوضوح، فلم يعد من الممكن أو الجائز أو المقبول،أن يستمر البعض في التمسك بنهج المفاوضات سبيلا وحيدا،فكما قبرت ودفنت إسرائيل مبادرة السلام العربية ومن قبلها خارطة الطريق، وبموافقة أمريكية واضحة وصريحة، علينا ان نؤكد بشكل واضح وصريح أن المفاوضات كخيار ونهج وثقافة قد سقطت الى غير رجعة،وعلينا ان ندرك ان تجارب كل الشعوب وعبر مر العصور،آمنت بفكر ونهج المقاومة بمختلف أشكالها نحو الحرية والإستقلال، وهي لم تفني الشعوب في يوم من الأيام، فلا الجزائر التي دفعت مليون شهيد فنيت وأبيد شعبها،ولا الإتحاد السوفياتي من قبلها ولا الثورة الفيتنامية من بعدها،ولا المقاومة الوطنية اللبنانية، ولا الشعب الفلسطيني،الذي دفع وما زال يدفع ثمن حريته واستقلاله وصموده وقدم عشرات الآلاف من الشهداء،هذا الشعب العظيم يملك من التجارب والخبرات في الكفاح والنضال الشيء الكثير، ولهذا يجب ان نتمسك بالمقاومة الشعبية بكافة اشكالها ونتمسك بموقف فلسطيني موحد بنقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة والتي من خلالها تتم العملية السياسية والتفاوضية، التي يجب أن تستند الى مرجعية سياسية ودوليه محددتين،وبحيث يكون لها صفة ألألزام والتنفيذ،والمرجعية وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

إن الصراع بيننا وبين كيان العدو لم يتوقف لانه صراع وجود وهو صراع عربي /صهيوني بالدرجة الأولى، ولكن ضعف حركات التحرر العربية عزز مراكمة عوامل القوة والصلف والعدوانية في دولة العدو الصهيوني، ما يعني أن استمرار تبعية وتخلف واستبداد النظام العربي الرسمي وخضوعه لشروط التحالف الامريكي الصهيوني، يشكل السبب الرئيسي الأول في هذه المعادلة التي استمرت منذ أكثر من سبعة وأربعين عاماً، ونحن اليوم نتطلع الى استعادة الروح القومية الثورية في الصراع مع هذا العدو، انطلاقاً من اقتناع كل أطراف حركة التحرر العربية والفلسطينية بأن شعوبنا العربية عموماً، وشعبنا الفلسطيني خصوصاً، لن يحقق الانتصار ويحسم الصراع مع العدو الصهيوني إلا عبر استمرار النضال بكافة اشكاله بعيداً عن كل مظاهر وأشكال الخضوع والتبعية، بما سيؤدي حتماً إلى بداية النهاية والانتصار على دولة الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للشعب الفلسطيني الى دياره وممتلكاته وفق القرار الاممي 194.

إن مشاعل الحرية والعودة الذين شكلوا قبل ثلاثة سنوات نقطة تحول في مسيرة الصراع، تتطلب من الجميع بان نحول هذه التضحيات شعلة نضال لن تنطفئ ولن تتوقف مهما تزايدت عدوانية دولة الاحتلال، ومهما تزايدت المخططات والمحاولات الامريكية الصهيونية التي تتوهم بانهاء القضية الفلسطينية وتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وشطب الهوية الوطنية أو وقف نضال الشعب الفلسطيني الوطني الذي يتطلع الى الحرية وتقرير المصير والعودة.

وغني عن القول في ذكرى النكسة والاجتياح لا بد من التأكيد بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني على تنفيذ اتفاق المصالحة بمشاركة وطنية فاعلة، والتمسك بالأهداف الوطنية المشروعه والتوجه الى المؤسسات الدولية ومحكمة الجنايات الدولية بديلاً لاي مفاوضات، والنضال من اجل تفعيل م.ت.ف وفق رؤية وطنية، وهي مهمة عاجلة ورئيسية تقع على عاتق كافة القوى الوطنيةمن خلال رسم استراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال وجرائمه ضد شعبنا وقضيته الوطنية

آن الأوان، ان يقف الجميع خلف قضية الاسرى الإداريون ضد سياسة الاعتقال الإداري المنافية لاتفاقيات جنيف، وتفعيل الحراك الشعبي ،تحت شعار الأسرى يستحقون بعضا من وقتنا ، في معركتهم نحو الحرية ، مهما كان الثمن ، ومهما كانت التضحيات ، فحرية الإنسان تعني كرامته التي لا يمكن التنازل عنه ، اليوم يعيش أكثر من خمسة الاف أسير فلسطيني في معتقلات النقب ونفحة وعسقلان وعوفر والمجدل والرملة والمسكوبية والدامون يواجهون المعاناة والتنكيل ، فمنهم من منحت اسمائهم شهادات العز والفخار الذين خرجوا منها أحياء منتصرين ، وشهادات العز والخلود لمن ارتقى شهيدا خلف أسوارها وظلماتها وفي مقدمتهم الاسير القائد الكبير ابو العباس وعمر القاسم وغيرهم من القادة والمناضلين ، وفي نفس الوقت حمل القائمون عليها شهادات الخزي والعار ، ومازالت تطاردهم حتى يومنا هذا لعنة الشعوب ، التي لن يفلتوا من عقابها.

ختاما : إن المراجعة الشاملة، وامتلاك الإرادة وإنهاء حالة الإنقسام وتصليب الوضع الداخلي الفلسطيني، كل ذلك من شأنه أن يشكل عوامل قوة للموقف الفلسطيني، في مواجهة الصلف والعنجهية الأمريكية والإسرائيلية، والتي تكشف يوماً بعد يوم عن حقيقة نواياها ووجهها القبيح وعداءها لكل ما هو فلسطيني وعربي.