منذ أن كنت بالصغر ،لا يمكن من أن تمر جنازة من أمامي ،ويقع عليها بصري أو أمر بجوار المقابر ولو من بعيد فألمح أذرعتها المبنية من الطوب ، وإلا وتجتاحني قشعريرة ينتفض لها كل جسدي ،وكثيرا ما كانت لا تغمض عيناي من هول ما رأيت ،وقد استمر بي الحال لسنوات طوال ..لم أكن أدري آنذاك ما السر في ذاك الشعور ..!! ترى لأن عقلي الصغير كان حينها يصور لي أن الموت يعني فقدان رؤية من نحبهم ،ونتعلق بهم إلى الأبد.. أم أنه الخوف من أن تغمر أجسادنا الضعيفة أكوام حبات التراب المتراكمة فننتقل من النور إلى الظلمة ومن اللهو والمتعة إلى الوحشة والوحدة ..المهم أن ذاك الشعور الفطري ظل يلازمني لفترات طويلة ..لكن اليوم تغيرت نظرتي تلك تماما لكل ما أصابني ..لكن ُترى.. هل لأن الذين يحملون جنازات الموتى على أكتافهم اليوم قد تغيرت ملامحهم العابسة المقتضبة وعندما يمرون بي ألمح في وجوههم ابتسامات عريضة هي ذات الابتسامات التي أراها بالذين يحتفلون بزفاف العريس.. أم ترى لأني قد أيقنت أن الكثيرين من المارة و الذين يحيطون بنا هم أصبحوا أصلا في عداد الموتى لكن لهم أقدام تمشي على الأرض ..!!