إضراب الأسرى ..الدروس والعبر

بقلم: عباس الجمعة

لا يختلف اثنان على الإضراب الذي يخوضه الاسرى الاداريين البواسل في سجون الاحتلال وهم يخوضون معركة "الأمعاء الخاوية"، بهدف إيصال أصواتهم إلى العالم، حيث اكد الشعب الفلسطيني التفافه حول الاسرى من خلال استمرار المسيرات بشكل شبه يومي في الأراضي الفلسطينية ، لتطالب المجتمع الدولي وكل من يتغنى بشعارات حقوق الإنسان ان هناك سلطة احتلال تلقي في غياهب السجون الالاف من الفلسطينيين الأبرياء المعتقلين دون تهمة، أو محاكمة، أو معتقلين إداريين كما يسمونهم.

ونحن نقول ان تجارب الاسرى النضالية على خوض الاضراب للمطالبة بحقوقهم، تؤكد على الحقيقة الأهم بان إرادة الصمود، التي تمتع بها الأسرى في السجون الاحتلال عبر امتناعهم عن تناول كل أنواع المأكولات وتحمل كل إجراءات الاحتلال التعسفية المواكبة للإضراب انتصرت في مواجهة المحتل والجلاد الذي يمتلك كل وسائل الإرهاب والقمع ما يؤكد أنه في صراع من هذا النوع لا يكون لعنصر القوة الغاشمة الدور الحاسم وإنما لسلاح العدالة والحق اللذين يقفان إلى جانب الأسرى الأمر الذي أعطى المعركة شكلها وبعدها الوطني عبر الأبعاد الإنسانية والقانونية والأخلاقية.

وعلى هذه الارضية أسهم الإضراب في تجديد الحراك الشعبي واستمرار جذوته وبالتالي إسقاط كل المحاولات الإسرائيلية لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه، حيث أطلق الإضراب تحركاً فلسطينياً واسعاً تمثل في التظاهرات الشعبية والاعتصامات والاحتجاجات المتعددة التي ما زالت مستمرة في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة والشتات الأمر الذي أدى إلى إعادة توجيه البوصلة باتجاه الصراع مع العدو ووضع حد لمحاولات إثارة صراعات داخلية تصب في خدمة الاحتلال.

ان اضراب اسرى الحرية زاد من مأزق حكومة الكيان الصهيوني التي وجدت نفسها مجدداً في مواجهة مع الرأي الدولي الذي يزداد انحيازاً إلى جانب القضية الفلسطينية وتنديداً بالسياسات الإسرائيلية ورفضها لها، وبرز هذا المأزق من قرار رئيس حكومة العدو نتنياهو بعد تبنيه توصيات جهاز الشاباك الصهيوني وبارغام الأسرى المضربين على التغذية القسرية وإطعام الأسرى المضربين عن الطعام عنوة خلافاً للقوانين الدولية .

إن ما يمارس بحق أسرى الحرية والاسيرات الماجدات في سجون الاحتلال من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية يرتقي إلى مستوى جرائم الحرب، حيث عمليات المداهمة والتفتيش اليومي التي تقوم بها ما يسمى بوحدات قمع السجون ، تترافق مع عمليات قمع وانتهاك صارخ لكرامة وخصوصية الأسرى ، إن هذه الحرب الشاملة التي تشن على الحركة الأسيرة الفلسطينية باتت تتطلب بناء إستراتيجية فلسطينية متكاملة. إستراتيجية تشارك في صوغها كل المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، وكذلك المؤسسات التي تعنى بشؤون الأسرى والأحزاب والفصائل والسلطة الفلسطينية من أجل قيادة تحرك جاد عربيا ودوليا لطرح قضية أسرى شعبنا الفلسطيني على المحافل الدولية من أجل تدويلها، والاعتراف بهم كأسرى حرب، وخوض أوسع معركة متواصلة على المستوى الشعبي والرسمي من أجل العمل على إطلاق سراحهم، وبالذات جنرالات الصبر، والذين بدأت إدارات السجون الإسرائيلية بوضعهم في أقسام عزل خاصة.

لذا نطالب باستنهاض كافة الاحزاب والقوى العربية من اجل اخذ دورها في دعم اضراب الاسرى الابطال والعمل على القيام بتحريك الشارع العربي وأخراجه من حالة الركود من اجل إحياء التضامن العربي ووحدة المعركة القومية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

انطلاقا مما تقدم يظهر بوضوح أن إضراب الأسرى قد يحقق الكثير من النتائج والإنجازات الهامة في تحريك الرأي العام العربي والدولي، ليس فقط نصرة لقضيتهم الإنسانية بل وأيضا دعماً للقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ، حيث عبر الأسرى من خلال إضرابهم عن معاناة هذا الشعب ونضالاته وتضحياته وصموده ومقاومته وانتفاضته المتواصلة دون توقف ، ومن اجل اجبار المحتل على التسليم ببعض مطالبهم في خطوة تشكل رصيدا مهما في سياق معركتهم المتواصلة ضد سياسات التعسف التي تضاهي السياسات النازية والعنصرية.

ان ما يعانيه الاسرى البواسل من سياسة الاعتقال الادارى الظالم بدون تهمة أو محاكمة يعبر عن سياسة دولة الاحتلال الصهيونى باستخدامها الاعتقال الادارى كعقاب جماعى ، وهذا يتطلب من وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية والاممية أن تركز على هذه القضية ومعاناة ما يقارب الـ5000 آلاف أسير واسيرة من شتى أنحاء فلسطين يقبعون وراء القضبان.

ان قضية بحجم قضية الأسرى يجب أن لا تقل أهمية عن القضايا الكبرى الأخرى اللاجئين القدس والاستيطان وغيرها، ومن الضروري أن يرتقي الجميع إلى مستوى التحديات المطلوبة، فخطر الموت يتهدد جديا حياة الاسرى البواسل في سجون الاحتلال وأقسام عزله وزنازينه، وكل يوم يمر ويمضي مرشح فيه أن يتحول عدد من أسرى شعبنا في سجون الاحتلال من شهداء مع وقف التنفيذ الى شهداء فعليين، وعلى العالم المتشدق بالحرية والديمقراطية والإنسانية،أن يكف عن ازدواجية المعايير والانتقائية.

وأخيرا : ان قضية الأسري قضية تستدعي منا أن نتحد جميعنا في وجه الاحتلال لتكون رسالة الي الأسرى بأن قضيتهم قضية عظيمة هم من اّمن بالثورة طريقا نحو فلسطين، كما المطلوب من كل الأحرار والشرفاء في الأمة العربية الاستمرار في مواكبة قضيتهم وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لهم في صمودهم ونضالهم وإشعارهم بأن الأمة العربية لن تنساهم وستبقى إلى جانبهم حتى تحررهم من قيود الاحتلال وانتصار قضية فلسطين.