قراءات في العلاقات الأثيوبية المصرية

بقلم: محمد أحمد ابو سعده

الحرب الأفريقية القادمة

قراءات في العلاقات الأثيوبية المصرية

مقدمة :  

"مصر هبة النيل " ولهذا يعتبر من أهم ثوابت الأمن القومى المصرى ، مما يتطلب تأمين العلاقات المصرية الإثيوبية ، وتعزيز التعاون بين البلدين ، وجعل علاقة مصر بإثيوبيا على أجندة السياسة الخارجية المصرية التى لا يمكن إغفالها على مختلف العصور،  لهذا شهدت العلاقات المصرية الإثيوبية فترات ذهبية ،إلى أن أعلنت الحكومة الإثيوبية ، و بشكل مفاجئ ، أنها ستبدأ العمل فى تحويل مجرى النيل الأزرق (أحد روافد نهر النيل) والذى بدوره سيحرم مصر من 85% من المياه التى تصل نهر النيل وهو ما يعرف بمشروع "سد النهضة" ، والذى أصبح كلمة السر الذي يمثل سيناريو مرعبا يهدد حياة 90 مليون مصري ويحّول أرضَهم إلى أرض عطش متصحرة.

الأزمة المصرية الإثيوبية والأيدي الخفية

الاهتمام الاسرائيلي بإثيوبيا

أُنشأت دولة إسرائيل على فكرة الاستقرار في المناطق المائية ، لذا توجد عده مؤشرات على الاهتمام الإسرائيلي بدول حوض النيل الأفريقية وبالتحديد " أثيوبيا "  والذى يهدف الى تعزيز أمنها المائى وذلك ضمن مؤشرات نسوق منها :-

أولا : المؤشر التاريخي :  كانت مجرد فكرة قديمة تقدم بها "تيودور هرتزل" مؤسس المشروع الصهيوني عام 1903م، وبلورها "ديفيد بن جوريون" أول رئيس وزراء لإسرائيل في عام 1955م، بإعلانه أن مستقبل إسرائيل سيظل مهددًا ، وستضطر لخوض العديد من المعارك مع العرب من أجل الحصول على المياه ،ومن هنا كانت الانطلاقة الصهيونية بحيلها المختلفة في دول حوض النيل ،وبالأخص دول المنبع السبع وعلى رأسهم إثيوبيا للحصول على مياه النيل.

ثانيا:المؤشر العلمي : اعترف الأكاديمي الإسرائيلي في جامعة حيفا "ارنون سوفير" في كتاب له بعنوان "الصراع على المياه في الشرق الأوسط" أن إسرائيل لديها مصالح إستراتيجية في دول حوض النيل ، وأن توزيع المياه بين دول الحوض يؤثر مباشرة على أمنها، لذلك توغلت في إثيوبيا ، وباقي دول الحوض لإقناعهم أن حصص المياه المقسمة بين التسع دول غير عادلة ، وأن إسرائيل كفيلة لتقديم لهم التقنيات المختلفة لإعادة تقسيم تلك المياه مرة أخرى بشرط نيل حصة من تلك المياه.

ثالثا :المؤشر الاستخباراتي : كشفت وثيقة سرية أعدها "تسفى مزائيل" سفير إسرائيل الأسبق في مصر، والتي سربت في 2010م، وارتكزت بنودها على أهمية تدويل إسرائيل الصراع بين دول منابع النيل السبعة " بوروندي – رواندا – زائير – تنزانيا – أوغندا – كينيا – إثيوبيا" ودولتي المصب "مصر والسودان" من خلال إقناع دول المنبع أن مصر تأخذ نصيبَ الأسد من مياه النيل، وأن الحصص المقسمة بينهم غير عادلة، وعليهم تقسيمها من جديد.

رابعا :المؤشر الديني والديمغرافي : فتحت إسرائيل باب الهجرة أمام يهود الفلاشا، وقررت عام 1973م استجلاب العديد من يهود الفلاشا "الإثيوبيين"، لمواجهة النمو الديموغرافي العربي، حين قرر حاخام الطائفة السفاردية "الشرقية" عوفاديا يوسف اعتبار طائفة "بيتا يسرائيل" الإثيوبية طائفة يهودية، وتم ذلك على فترات، وفق عمليات منظمة، بدأت عام 1977م، حيث هاجر المئات من عام 1977م حتى 1983م، إلا أنه وفي عملية عرفت باسم "موشيه" تم استجلاب 7000 إثيوبي ، قد وصل عدد الفلاشا الاثيوبين في اسرئيل سنة 2008م، إلى 106,900 "مهاجراً".

 

الدور الاسرائيلي في مشروع النهضة

أكدت الدراسات الإسرائيلية المختلفة أنه بحلول عام 2030م ، ستواجه إسرائيل أزمة مياه ، وأن عليها إيجاد بدائل للمياه ، لذا اعتبرت إسرائيل مشروع "سد النهضة" الإثيوبي حلم إسرائيل من النيل إلي الفرات ، والذى من الممكن ان يرجح كفة إسرائيل الامنية في المنطقة الإقليمية من خلال حصار مصر مائياً ، ويحقق لها أمانا مائيا ، يضمن بقاءَها ، لذلك قامت إسرائيل بالعديد من الخطوات والإجراءات التى تضمن حقها في المياه الإثيوبية وهى :-

أولا : على صعيد التعاون العسكري والإستراتيجي، تعد الصادرات العسكرية الإسرائيلية من الأدوات الأساسية في تنفيذ السياسية الخارجية الإسرائيلية للتوغل في دول حوض النيل والتأثير على أمن مصر المائي، وقد اعترف بذلك رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق "شلومو جازيت" بقوله: "إن إسرائيل تعاونت في مجال التسلح مع عدد كبير من الدول الأفريقية وعلى رأسها إثيوبيا.

ثانيا : توجد حاليا  121 شركة إسرائيلية ، تعمل في مجال التصدير داخل إثيوبيا ، وهى شركات استثمارية يملكها جنرالات متقاعدون في الموساد يتولون السدود .

ثالثا : تصدر إسرائيل لإثيوبيا مواد كيماوية ، وآلات صناعية والكترونيات بقيمة 80 مليون دولار سنويا.

رابعا : قيام إسرائيل بشراء 400 ألف فدان فى إثيوبيا بغرض التملك والقيام بمشاريع اقتصادية بها.

خامسا: أبرمت إسرائيل عدة اتفاقيات عسكرية وأمنية مع إثيوبيا، على رأسها اتفاقية عام 1998م، والتي منحت إسرائيل تسهيلات عسكرية واستخباراتية في الأراضي الإثيوبية.

سادسا : على مستوى التعاون الزراعي ، تقوم الوكالة اليهودية للتنمية الزراعية "ما شاف" بتقديم التنمية الريفية لتطوير قطاع الزراعة في إثيوبيا.

سابعا : فيما يخص التعاون المائي ، تقوم إسرائيل حاليًا بإنشاء أربعة سدود على النيل في إثيوبيا ، لتوليد الكهرباء والتحكم في حركة المياه في اتجاه دولتي المصب مصر والسودان.

ثامنا :  على الجانب التعليمي والإنساني ، أنشأت إسرائيل جامعة هيلاسيلاسى الشهيرة في إثيوبيا، بالاضافة الى العديد من المؤسسات التعليمية المختلفة .

 

 

الطرق المصرية لمواجهة سد النهضة ؟؟

اولا : دبلوماسيا  :

قامت الخارجية المصرية بجهود كبيرة لمواجهة التحدي المائى القادم ، وساندهم في ذلك عدد من المفكرين والمختصين لمواجهة الأزمة ، التى تتعرض لها البلاد ، والمتمثلة بحرمانها من 85% من مياه نهر النيل ، مما يعني انتهاء مقومات الحياة في مصر وتتمثل في :-

تعزيز علاقات مصر مع باقي دول حوض النيل ، بهدف توفير البديل من نهر الكونغو، في ظل التصعيد الإثيوبي ، والذى يوفر 15% من مياه نهر النيل حالياً من خلال زيادة الكمية الواصلة للاراضى المصرية .

تمكين العلاقات المصرية الإثيوبية الاقتصادية ، فقد بلغ عدد المشروعات الاستثمارية للمصريين فى أثيوبيا 72 مشروعا استثماريا برأسمال مصرى بالكامل وبشراكة من الإثيوبيين، وتنوعت مجالات الاستثمارات فى المجالات الزراعية والإنتاج الحيوانى والصناعية والسياحية والعقارية.

قدمت مصر منح و مساعدات إلى إثيوبيا، ففى عام 2010 م ، سلمت مصر معونة غذائية لمواجهة المجاعة مكونة من 7 حاويات ، كما تقدم مصر سنويا 10 منح أزهرية و5 منح جامعية للطلبة الأثيوبيين.

قدمت مصر دورات تدربيبة عن طريق الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع أفريقيا قرابة الـ25 دورة تدريبية فى مجالات مختلفة مثل الطب، والهندسة، والتمريض، ومكافحة الجريمة، والقضاء على مدار العام، فضلا عن بعض الدورات التدريبية ، التى تقدمها جهات مصرية بشكل مستقل مثل وزارة الكهرباء والطاقة المصرية فى مجالات الطاقة المتجددة والكهرباء وغيرها، ووزارة الإعلام لتدريب الإذاعيين الأفارقة.

فى مجال الزراعة والإنتاج الحيوانى، تستورد مصر من إثيوبيا الفول والعدس والسمسم، بينما تحظى اللحوم الإثيوبية بسوق رائجة فى مختلف المحافظات ، باعتبار أنها تعد من أجود أنواع اللحوم فى العالم، فيما تصدر مصر لإثيوبيا، الزيوت والشحوم والمواد البترولية.

نظرة تأمل : الجهود المصرية الدبلوماسية تجاه الأزمة الإثيوبية ، والتى تعد  أخطر ما تتعرض لها مصر في تاريخها ، تعد ضعيفة قياسا لخطورة هذه الأزمة من جهة ، و لجهود إسرائيل في تأجيجها من جهة ثانية.

 

ثانيا : الحرب الاستخباراتية :

الى جانب الجهود الدبلوماسية المصرية المبذولة تجاه ازمة سد النهضة الاثيوبي إلا ان هناك جهود مخابراتية مصرية تهدف الى جمع المعلومات عن هذا السد ، وهذا مؤشر الى امكانية استخدام القوات العسكرية المصرية الحل العسكري في حال فشلت الجهود الدبلوماسية ، وما يدلل على وجود حراك استخباراتي مصرى على الاراضى الاثيوبية ما ذكرته مصادر اثيوبية رسمية بخبر القاء القبض على " جواسيس " تابعين لمصر ويحملون جنسيات وأسماء افريقية وهم يوسف الحاج ، وإسماعيل عزيزي ، وحسن جاراي ، أثناء جمعهم معلومات استخباراتية عن سد النهضة، مؤكدة أن هذا الأمر يمثل أحدث حلقات وتيرة الأحداث المتصاعدة والمتعلقة بالسد الإثيوبي.

كما توجد بعض المؤشرات التى تؤكد بان الجيش المصرى ينسق بشكل جيد مع جنوب السودان فيما يخص سد النهضة، إذ تبدو أن التأكيدات التي تطلقها إثيوبيا بشأن عدم تأثر حصة مصر من بناء السد ، غير كافية لإقناع مصر بأنها في مأمن من تأثيره ، وهو أدى الى تردد الأقاويل عن احتمالية قيام الجيش المصري بضرب السد جويا.

ثالثا : الخيارات البديلة ( الخيار العسكرى ):

هناك تحرك عسكرى مصرى مؤخراً للتعاون عسكريا مع دولة السودان ، من خلال القيام بمناورات عسكرية تقوم بها مصر بشراكة مع السودان في مياه البحر الأحمر، والتى لابد من أن تتم دراستها بشكل جيد ومعرفة إلي أين ستؤدي نتائجها، وإن كان من شأنها أن يجبر إثيوبيا علي التراجع عن بناء السد أم لا ؟؟

إلا انه وفي حال لم تنجح المناورات العسكرية بإيصال رسالة شديدة اللهجة الى الحكومة الإثيوبية ، تجبرها على التوقف في بناء السد ، فإنه من المرجح أن تشهد المنطقة عدة سيناريوهات وهي :-

السيناريو الأول :-

يتمثل في تنشيط ودعم جماعات مسلحة إثيوبية ، لشن حرب بالوكالة على الحكومة الإثيوبية، ولن تكون هذه الخطوة جديدة على مصر؛ ففى السبعينات والثمانينات، استضافت مصر - وهو ما فعلته السودان لاحقا- جماعات مسلحة معارضة لأديس أبابا، ومن بينها الجبهة الشعبية لتحرير ( إريتريا ) التى انفصلت عن إثيوبيا فى عام 1994م ، بدعم مصرى ، بالإضافة إلى أن مصر تستطيع دعم هذه الجماعات المسلحة مرة أخرى للضغط على الحكومة الإثيوبية الاستبدادية والمقسمة عرقيا، وهناك ما لا يقل عن 12 جماعة مسلحة منتشرة فى أنحاء إثيوبيا ، وتعمل على قلب نظام الحكم أو إقامة مناطق مستقلة.

 

السيناريو الثاني :-

ويتمثل في استعانة  مصر بحلفائها فى إريتريا لزعزعة استقرار إثيوبيا، ويبدو أن ذلك هو السيناريو الذى بدأ بالفعل؛ فقد أعلنت إثيوبيا مؤخرا أنها ضبطت 500 قطعة سلاح وكميات كبيرة من الذخيرة أثناء محاولة تهريبها إلى داخل البلاد من السودان، وجاءت هذه الواقعة بعد شهر واحد من إعلان 6 جماعات إثيوبية معارضة فى المنفى تشكيل حركات مسلحة ضد الحكومة، وبهذا قد تكون إثيوبيا الآن فى طريقها لحرب أهلية بتحريض وتمويل من مصر.

السيناريو الثالث :-

وهو التدخل العسكرى المصرى المباشر، و الذى قد تلجأ إليه القاهرة فى حالة نجاح إثيوبيا فى بناء السد ، وتأثرت حصتها بالفعل وبشكل كبير، ومهما كانت توجهات القيادة المصرية ، أو شخص الرئيس المصرى وقتها، فلن يتسامح أى زعيم مصرى فى ضياع جزء كبير من حصتها المائية.

وهذا من خلال قيام مصر بشن هجوم جوي على بعد 20 ميل من حدود جنوب السودان ولكن الضربة سوف تكون محفوفة بالمخاطر، لأنها قد تثير غضب المجتمع الدولي.

وما يدلل على قرب هذا السيناريو ، هو أن مصر حوّلت مطاراً مدنياً فى منطقة أبوسمبل إلى مطار عسكرى، وفي هذا السيناريو فإن  إثيوبيا لن تكون قادرة على الرد على مثل هذا الهجوم بسبب افتقارها للوسائل المناسبة .

الرد الإثيوبي

حاولت الحكومةُ الإثيوبية إيصاَل رسائل تطمئن من خلالها كلاً من مصر والسودان ، وترد على بعض المقترحات التى قدمت لها وتتلخص في :-

 أكد رئيس الوزراء الإثيوبى حرصُ بلاده على تحقيق المنفعة لمصر والسودان قبل أثيوبيا، وأن سد النهضة مشروع إقليمى لصالح الجميع بما فى ذلك دولتا المصب، مشددا على أن المشروع لن يضر بمصالح الدولتين.

أكد برهان جبر كريستوس وزير الدولة الأثيوبى للشئون الخارجية ، أن سد النهضة لغرض توليد الكهرباء فقط وليس للزراعة، وأنه لن يستقطع من حصة مصر المائية.

 رفضت أديس أبابا عرضا من القاهرة للمساهمة في تمويل السد ، وضمنت بذلك سيطرتها على إقامة "سد النهضة" على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل.

 

النتائج :-

في حال أنهت دولة إثيوبيا بناء سد النهضة ، ستحرم مصر ما نسبته 85% من مياة نهر النيل .

هناك العديد من المخططات الإسرائيلية للسيطرة على جزء كبير من مياه نهر النيل .

توجد وثيقة إسرائيلية سرية تحرض فيها إثيوبيا من أجل إعادة النظر في توزيع الحصص المائية لنهر النيل.

قدمت إسرائيل دعماً اقتصادياً وعسكرياً وتعليمياً لأثيوبيا بهدف إنجاح مشروع سد النهضة وضمان حقها المائى .

رفضت أثيوبيا الاقتراحات المصرية لحل أزمة سد النهضة ، وأكدت بأن مصر لن تتأثر سلباً من المشروع .

حاولت مصر بالعديد من الطرق الدبلوماسية والاقتصادية لحل أزمة السد وديا مع أثيوبيا إلا أنها فشلت .

القت قوات الأمن الأثيوبية القبضَ على ثلاثة ضباط مخابرات مصرية ، يحملون أسماء أثيوبية تجمع المعلومات عن مشروع سد النهضة .

التوصيات :-

ان تقوم الخارجية المصرية بتعزيز علاقاتها مع دول المنبع في حوض النيل ، من أجل زيادة حصتها القادمة من هضبة البحيرات الاستوائية ، والتى تقدر بـ 15% من مياه نهر النيل ، وذلك من خلال التخلص من العوائق الطبيعية الموجودة في مجرى حوض النيل .

أن تتقدم مصر بشكوى رسمية للمؤسسات الدولية المختصة ، لضمان حقها المائى فى حال أتمّت اثيوبيا بناء سد النهضة .

أن يبقي خيار قيام مصر بتوجيه ضربة عسكرية جوية لسد النهضة الأثيوبي هو آخر الحلول .

أن تأخذ القيادة المصرية الحذر من محاولة استنزاف قواتها العسكرية في إشكاليات داخلية ، قد تعمل كلا من أثيوبيا وإسرائيل على تأجيجها .


محمد احمد ابو سعدة
مختص في الشئون الاقليمية