ألقاب مضيئة وأفعال رديئة!

بقلم: أيوب عثمان

أُبلغت من الجهاز الفلسطيني للإحصاء بدعوة وجهها إليَّ عبر الجامعة، للمشاركة في ورشة عمل. تعقبت أمر الدعوة، فعلمت أن دائرة العلاقات العامة والإعلام في الجامعة قد قامت- في سياق عملها المعتاد كلّ يوم في تصريف البريد اليومي وتوزيعه- بإرسال الدعوة الموجهة باسمي إلى مكان عملي في قسم اللغة الإنجليزية (كلية الآداب) الذي أعمل فيه منذ أن تشرفت بإنشائه عام 1991، وذلك في سياق إنشاء جامعة الأزهر في العام ذاته.

تعقبت أمر الدعوة التي كانت دائرة العلاقات العامة والإعلام قد أحالتها- كتصرف طبيعي يومي كما أسلفت- إلى مكان عملي في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب التي قام كبيرها (عميد الكليّة) بالاتصال بالسيد/ رئيس الجامعة محتجاً لديه ومحرضاَ إياه على دائرة العلاقات العامة والإعلام، ومتهماً إياها بانها في إرسالها الدعوة الخاصة بي بغية تسليمها لي عبر كلية الآداب، إنما تثير المشاكل وتضع في يدي أدوات لمواجهة الباطل إعلاءً للحقّ والأصول والمسؤولية والواجب، متذرّعاً بأن من وُجّهت إليه الدعوة (الذي هو أنا) إنما هو مفصول من الجامعة في وقت يعلم فيه هذا العميد علماً يقينياً قبل غيره- وهو ذو اللقب المضيء والفعل الرديء- أن من كانت الجامعة قد فصلته ظلماً وعسفاً وكيداً، قد أصدر القضاء الفلسطيني اليوم في حقه قراراً يقضي بـ "وقف تنفيذ قرار فصله وتمكينه من ممارسة عمله الأكاديمي والتدريس لحين البت القطعي في طلبه"، وهو القرار الذي سلّمته الشرطة القضائية إلى رئيس الجامعة عند التاسعة والنصف من صباح يوم الخميس الماضي 5/6/2014.

فإذا كان هذا هو تصرف هذا العميد ذي الموقع الكبير الذي يصرف شؤون كلية كبيرة فيها من الأساتذة بمراتبهم الثلاث، نحو ستين أستاذاً وثلاثين إدارياً، فكيف، إذَنْ، يمكن أن يُقيَّم الكبير؟ الكبير كبيرٌ بفعله ويكبر، أما الصغير فبفعله يصغر ويصغر. هل يقيم الكبير بكبر حجمه وثقل وزنه أو باسمه أو لقبه أو بنوع الكرسي الذي جلس أو أُجلِسَ عليه، فكان الجالس على الكرسي أكبر من الكرسي، أم كان الكرسي أكبر بكثير ممن أُجلِسَ عليه؟! لننظر معاً إلى هذا العميد من خلال أفعاله بالمقارنةً مع مهماته ومسؤولياته وجدول صلاحياته، وهو المسؤول عن نحو ستين أكاديمياً وثلاثين إدارياً في كلية كبيرة، فيما يحصر كل همه تارةً في رفضه استلام كتاب مشفوع بقرار محكمة ليس له إلا أن يحترمه ويلتزم به، وتارةً في ضربه حصاراً على دعوات أو مكاتبات واردة إليَّ من خارج الجامعة، فيقوم بحجزها وإعاقة وصولها إليَّ، حيث يتصل بالسيد/ رئيس الجامعة محرضاً إياه، وهو الذي لا يحتاج إلى مزيد من التحريض عليَّ، لا لشيء إلا لأنني من كشف فساده الموثق وفساد من سواه ممن هم فوقه في المسؤولية والإدارة أو تحته.

لننظر معاً إلى هذا العميد الذي نراه يترك شؤون كليته ليحاصر دعوةً واردة إليَّ من خارج الجامعة فيقوم بحجزها عني ويمنع وصولها إليّ، ثم يتصل بسيده (رئيس الجامعة) الذي

استجاب له، فقام بإصدار عاجل أمره القاضي بإعاقة الدعوة وحجزها عني وإعادتها إلى حيث كانت في دائرة العلاقات العامة والإعلام!!! الله أكبر!!!

لننظر أيضاً إلى ردّ فعل رئيس مجلس الأمناء حين أُبلغ من زميل له بقرار المحكمة، حيث قال على ذات النحو الذي يعرف به من العصبية والتوتر في مثل هذه المواقف: "أنا مش رح أنفذ. أنا لا أعترف بهذا القرار. هذا قرار غير شرعي". أهكذا يتصرف مسؤول كبير؟! أهكذا يتصرف الرئيس المشرّع لهذه الجامعة؟ أهكذا يتصرف الرئيس المراقب والمحاسب على ما يجري في الجامعة؟! أهكذا يتصرف من اختير رئيساً لمجلس أمناء الجامعة ليصلح بحكمته وموضوعيته ورشده والتزامه بالقانون أمرها ويحاكم الفساد والانفلات فيها بتمكين القانون من كل ركن ووحدة وقسم وعمادة فيها؟! أهكذا يقول أكبر الكبار في الجامعة على الأقل (بعيداً عن مهمات وأوصاف ومسؤوليات وألقاب أخرى كبيرة!!!) عن قرار أصدرته محكمة توصف في القانون أنها محكمة "لا يرد قرارها ولا يطعن فيه ولا يستأنف عليه"؟! ألا يكبر المرء بكبر فعله ويزداد جمالاً بجمال (بسواء) قوله، وألا يصغر المرء بصغر فعله ويزداد قبحاً بقبح (بعدم سواء) قوله؟!

وبعد، فما الذي يمكننا قوله أو فعله في صغر الفعل وصغر القول؟! إنه صغر بل تضاؤل يدعو إلى الحزن والشفقة. أهكذا يتصرف الكبار؟! الكبير لا يأتي إلا على فعل كبير، أما الصغير فلا يحلو له إلا كل فعل صغير. ألا ينبغي للكبير أن يكون في تصرفه كبيراً فيترفع عن الصغائر؟ كيف أكون كبيراً فيما أحمل من لقب، وأكون صغيراً فيما آتي عليه من فعل؟! أيحمل بعضهم ألقاباً كبيرة وتسميات مضيئة ، فيما يأتون على أفعال صغيرة ورديئة؟!

أما آخر الكلام، فبعد أن تساءلت حالماً لأجل هذه الجامعة ومشفقاً عليها وهي المبتلاة بزمن خؤون يسوده أقزامه طوال، عما إذا لم يكن في مكنة رئيس الجامعة أن يخطئ، هذه المرة، فيكون على ما ينبغي له أن يكون عليه من مستوى كبير وعالٍ وخطير، فيصوب اعوجاج العميد ويهذب جنوحه جنوح الهالكين، ما كان لوعي العاقل مني إلّا أن يأخذني سريعاً- بعنف وفظاظة- من حالة التخيل والحلم إلى جادة المنطق والعلم، لأستدرك قول الشاعر:

إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص