من المُهم أن يُدرك العالم خطورة جرائم حكومة الإحتلال ذات الصلة بعمليات السطـّو الإستعماري الإستيطاني على الأراضي الفلسطينية المُحتلـّة وتغيير ملامحها الجغرافية والديمغرافية واستمرار العدوان على المقدسات والإنسان وكافة مناحي الحياة في تحدٍ صارخ للقانون وإرادة المجتمع الدولي الذي يصنّف هذه الأفعال تحت خانة جرائم الحرب ضد الإنسانية يقتضي بموجبها تقديم مرتكبيها للمحاكم الدولية ومحكمة الجنايات ، فضلاً عن الممارسات الوحشية لجيش المستوطنين المدججين بالسلاح والعتاد وإطلاق يد عصابات ماتسمى"تدفيع الثمن" وتشريع قوانين عنصرية من شأنها نشر الكراهية وتصاعد الجريمة ضد المواطنين الأصليين وممتلكاتهم أصحاب الأرض الحقيقيين كان أخرها إقرارحكومة الإحتلال مشروع قانون يمنع العفو عن الأسرى الفلسطينيين ضمن إطار عملية سياسية أوتبادلية ، لكن الأهم أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته وفي المقدمة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة إضافة إلى الهيئات والمؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان أزاء العربدة الإسرائيلية وأن لايتوقف العالم عند حدود المناشدات والإستنكار والشجب وربما الإدانة في أحسن الأحوال لأن هذا السلوك المتساهل تجاه إسرائيل جعلها تتمادى إلى أبعد الحدود حيث ترّسخت لديها قناعة بأنها فوق القانون الدولي ومحميّة بل محصنّة بالفيتو الأمريكي الذي يقف حائلاً بإلزامها تنفيذ قرارات الشرعية إسوةً بباقي الدول المنضوية في إطار الأمم المتحدة وبالتالي لا تلقي بالاً بها طالما لم تدفع أثمان أفعالها .
إذا كانت الإدانات الدولية للإستيطان الإستعماري يتسع عامودياً وأفقياً هذه المرة على غير العادة بما فيه الموقف الأمريكي الممتعض من سلوك الحليف الإستراتيجي لأسباب عديدة مع أن المؤشرات تؤكد تحرك لوبيات الضغط داخل مؤسستي الكونغرس والنواب عشية الإنتخابات الداخلية النصفية لتغيير موقف الإدارة وتحويله نحو الضغط على الجانب الفلسطيني ، بينما تفـّردت استراليا التي غرّد نائبها العام "جورج برنديس" خارج السرب على الطريقة المافيوية حين تبرع بما لايملك وأعلن تخلي حكومته عن وصف القدس الشرقية بالمحتلة في سابقة خطيرة تتناقض مع قرارات الأمم المتحدة ، حيث ينبغي أن يترتب عليها تحرك فلسطيني لاتخاذ أجراءات عربية وإسلامية صارمة مالم تتراجع كانبيرا عن هذا الموقف المشين ، فإن هناك ضرورة بالغة بأن يتجاوزالمجتمع الدولي مرحلة السلبية وازدواجية المعايير ثم تخطـّي الحاجز المصطنع تجاه الممارسات الوحشية الإسرائيلية إلى مرحلة اتخاذ الإجراءات العملية وفرض العقوبات الرادعة التي من شأنها إرغام الإحتلال على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي من أجل استعادة مصداقيتها التي غابت عن حقوق الشعب الفلسطيني طيلة ستٍ وستين عاماً من عمر المأساة الفلسطينية وكانت شريكة أصيلة في صياغة ذلك الظلم التاريخي .
لقد تمادى رئيس حكومة إئتلاف المستوطنين المتطرفة الذي ينفصل عن الواقع ويعيش حالة من الهذيان غير المسبوق حين يعتقد أن بإمكانه ترويض الشعب الفلسطيني وإملاء شروطه الخيالية من خلال فرض حلٍ للقضية الفلسطينية وفق رؤيته الخاصة "سلام القوة كما يسميه" الذي يجمع بين الإحتفاظ بمنطقة الأغوارالحدودية مع الأردن وخلف جدار الفصل العنصري إذ يلتهم مساحة ثلاث عشر بالمائة من أراضي الضفة الفلسطينية وإلحاق الكتل الإستيطانية الكبيرة المقامة أيضاً على أراضي الضفة المحتلة ، يأتي ذلك في خضمّ تهويش اعلامي مسعور ودعوات يقودها وزير الإقتصاد "نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي"ويسرائيل كاتس وغيرهما من غلاة المتطرفين لضم الأراضي المصنفة "ج" إلى أرض إسرائيل الكاملة كما يزعمون ، أما مدينة القدس مستثناة بكونها خارج نطاق البحث التفاوضي طبعاً حسب ادعاء سلطات الإحتلال ، إضافة إلى اعتبار قطاع غزة كيان منفصل ممنوع علية الوحدة الجغرافية والسياسية مع بقية أبناء الشعب الفلسطيني ، لذلك كانت ردة الفعل الإسرائيلي على تشكيل حكومة الكفاءات الفلسطينية المستقلة هستيرية بكل ماتحمل الكلمة من معنى لأنها سدّت الطريق أمام المخططات الهادفة إلى تقسيم الأرض والشعب وابقاءه أسير التبعية الإحتلالية مجرد من أبسط حقوقه الأنسانية ، وللعاقل أن يكتشف بنفسه أين ستقام الدولة الفلسطينية العتيدة العضو المراقب المعترف بها بالجمعية العامة للأمم المتحدة إن كانت على الأرض أم على سطح القمر أو بينهما !.
ربما تكون حكومة الإحتلال تعبّر عن واقعها المأزوم المربك أمام العزلة الدولية المتنامية التي لم يسبق لها مثيل بانتهاج سياسة الهروب إلى الأمام ، وإذا مااستمرّ تنكـّرها للحقائق السياسية والتاريخية للشعب الفلسطيني فإنها ذاهبة باتجاه انفراط عقد هذا الإئتلاف الأسوأ على مدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دون التقليل من حقيقة دور المؤسسة الصهيونية التي تقف وراء صنع السياسات الإستراتيجية حيث لم ينضج لديها بعد فكرة قبول دولة فلسطينية مستقلة بين النهر والبحر أوقبول الدولة الواحدة لأسباب عقائدية عنصرية بالدرجة الأولى والمسألة الديمغرافية التي تؤرق صناع القرار ثانياً ، وبالتالي فإن سيناريو تشكيل حكومة جديدة بل الذهاب لإنتخابات عامة مبكرة هو احد المخارج الجاهزة الذي تلجأ إليه في أوقات الأزمات كما حصل مع كل الحكومات السابقة منذ شهر أيار تاريخ انتهاء المرحلة الإنتقالية عام 1999م حين تنصل شمعون بيرس رئيس حكومة الإحتلال أنذاك بارتكاب عدوان أثم على لبنان أطلق عليه عملية"عناقيد الغضب"وهكذا فعل الأخرون بعد إعادة احتلال الضفة ، والحرب على قطاع غزة الرصاص المصبوب ، وغيرها مايمنحها الوقت اللازم للإفلات من تنفيذ الإستحقاقات التي تتعارض مع مشروعها الإحتلالي التوسعي ولكن ليس إلى مالا نهاية .
إن تصليب الموقف الفلسطيني باستعادة وحدة الأرض والشعب والتخلص من أثار الإنقسام المدمّر دون وضع العراقيل والموانع في مسارها المتفق عليه يتطلب تحمل المسؤولية والإنضباط الصارم لا الإنفلات والفوضى ، كما ينبغي رفض استحضار أجواء الردح الإعلامي غير المبرر مايعيد مناخ الفتنة والإحباط وفقدان الفرصة الأخيرة لطي هذه الصفحة السوداء إلى غير رجعة بالتالي يقع على كاهل القوى والفعاليات الوطنية والمجتمعية حماية الإتفاق والسهر على تنفيذه ، إن التمسك باتفاق الشاطيء سيشكل العامل الحاسم لتفويت الفرصة على الرهان الإسرائيلي الذي يبدو متأكداً من فشل عملية المصالحة بعد أن أخفق في عملية تحشيد الرأي العام الدولي ضد حكومة الوفاق الوطني وحُشر في زاوية الإنعزال ، حان الوقت بأن يلتفت الجميع نحوترتيب البيت الداخلي وجعله عصياً على الإنقسام والتشرذم حتى يتمكن من رسم سياسة فلسطينية قادره على مواجهة التحديات الجسام قبل مطالبة الأخرين بالوقوف مع القضية الفلسطينية ، لأن الأساس إذا كان قويا متراصاً عندها سيكون قادراً على تخطي كل الصعاب ...