بداية لا بد لنا من الإتفاق على ان"تسونامي" داعش في العراق،وما حققته من سيطرة كبيرة على مساحات شاسعة من العراق في محافظة الموصل ونينوى،هو ليس بفعل قوة "داعش" أو حرب "الملائكة وجند الله" معها وثمة أمور بحاجة الى تفسيرات،فواضح بان المخطط والمشروع تشارك فيه اطراف عراقية وعربية وإقليمية ودولية،ولكل طرف من هذه الأطراف اهدافه وغاياته،ولذلك ساهمت في هذا المشروع لضمان حصتها من هذا المشروع.
ولكن قبل ان نضع الفرضيات والسيناريوهات لما حصل وما سيحصل في العراق،علينا ان نرى بان ما جرى ويجري في العراق يندرج في إطار مشروع الفوضى الخلاقة الذي طبخته دوائر المخابرات الأمريكية والأوروبية الغربية الإستعمارية،والذي كشفت عنه اكثر من جهة او طرف،الا وهو تقسيم الوطن العربي على اساس مذهبي وطائفي ووفق الثروات وليس الجغرافيا،كما كانت عليه سايكس- بيكو،والعراق كان في قمة الإستهداف لهذه المشاريع وكذلك سوريا ومصر،وتنبع اهمية ذلك هنا لكون هذه الدول الثلاث،هي التي تمتلك مؤسسات دولة وسلطة قوية وجيوش ومؤسسات مجتمع مدني،وهي المرشحة لكي تكون قائدة وموحدة للعالم العربي،وفق مشروع قومي عروبي،ولذلك وجدنا بعد إحتلال العراق مباشرة،كيف جرى تدمير المؤسسة العسكرية،وكذلك حل السلطة المركزية،ودخل العراق في اتون الحروب المذهبية والطائفية،وجرى بناء المؤسسة العسكرية من جديد،ليس على أساس وطني،بل على أساس مذهبي وطائفي،وعمليات التقسيم والتفتيت على الأرض كانت قائمة دويلة شيعية واخرى سنية وثالثة كردية.
ثمة تطورات وتغيرات تجري في المنطقة بتسارع عال جداً،وما حصل في العراق وما سيحصل،له ارتباط كبير بما يحصل في سوريا،حيث الإنتخابات السورية والتجديد للأسد لفترة ولاية ثانية،وتحقيقه لإنجازات سياسية وعسكرية،وما يترتب على ذلك من ترسخ النظام كقوة إقليمية في المنطقة،وبما يعزز ويخدم التحالف القائم مع ايران وقوى المقاومة والممانعة العربية في المنطقة،ويخضع المنطقة من ايران وحتى لبنان للسيطرة الإيرانية،ولذلك لكي نفسر الذي جرى ويجري في العراق،يجب ان نضع امامنا المعطيات التالية، حكومة المالكي وجيش المالكي قائم على اساس مذهبي وليس وطني،وسلطته واجهزته ومؤسساته ينخرها الفساد،ولذلك هناك اطراف من الداخل النظام لها مصلحة في إحداث عملية التقسيم والتفتيت على أساس مذهبي،ولذلك هي دعمت وساندت القطع بين مكونات المجتمع العراقي دويلة شيعية وأخرى سنية،ولذلك وجدنا بان الجيش لم يحرك ساكناً امام عناصر "داعش"،بل سهل لها الإستيلاء على السلاح الحديث والبنوك والأموال.
وهناك فرضية وسيناريو له من الصحة والحظوظ الشيء الكثير،فامريكا كانت قد سعت الى تزويد المعارضة السورية بالسلاح الحديث،من اجل تغير الموازين العسكرية على الأرض في سوريا،ولذلك ولكي لا تتورط بذلك مباشرة قدمت السلاح لحكومة المالكي،والذي بدوره جيشه الذي لا يدين بالولاء للوطن او للنظام،قدم هذا السلاح ل"داعش" لكي تدعم وتساند به "داعش" في سوريا.
والفرضية الثانية التي يجب ان تأخذ بعين الإعتبار والحسبان،بأن مشيخيات النفط وبالتحديد السعودية،لا تريد ان تنشأ في المنطقة هلال شيعي ممتد من ايران الى لبنان،وبالتالي يشكل خطر على مصالحها وحتى على امنها وإستقرارها،ولذلك هي كانت تسعى مع قوى سنية عراقية "الصحوات"وقيادات عسكرية وسياسية بعثية من النظام القديم،وفي المقدمة منها رجل النظام القوي السابق المختفي عزة الدوري،والذي يبدو واضحاً،ان القيادة السعودية طوعته لصالح مشروعها ومخططها في العراق،تقسيم العراق على أساس ديني ومذهبي وطائفي،حيث عمل على تشكيل جيش النقشبندية في الأنبار،والهدف من ذلك إقامة دويلة سنية متطرفة "داعش" على الحدود السورية – العراقية،تباعد بين سوريا والعراق،وتقطع الطريق على ايران الى الشام ولبنان،والفرضية الثالثة بان هناك قوى إستعمارية تقف في المقدمة منها بريطانيا لها اطماع قديمه في المنطقة الغنية بالنفط والغاز،ولذلك تساهم في مشروع تدمير العراق،لكي تنال حصتها من النفط والغاز في الموصل وكركوك.
وضمن هذه الصيرورة لا نعرف كيف سيتصرف الأكراد،والذين اعلنوا السيطرة الكاملة على كركوك الغنية بنفطها،وهي منطقة متنازع عليها بين الأكراد والعرب،وكذلك ماذا ستكون ردة فعل تركيا،والتي ستنشا على حدودها دولة كردية قوية.
ضمن هذه التطورات المالكي الفائز في الإنتخابات، كيف سيتصرف؟هل سيستغل ما حدث لتجميع القوى الشيعية من خلف رايته لخوض معركة الوصول الى سدة الحكم؟؟وهل سينجح في ذلك في ظل فساد مستشري في اجهزة وبنيان حكومته وجيشه؟؟وكيف سيعالج موضوع"داعش" هل سيلجا الى تعزيز تحالفه الأمني والعسكري والسياسي مع سوريا،وتشكيل فيدرالية عراقية- سوريه،تمكن من تصفية"داعش" وتمنع تمددها الى اكثر من منطقة؟؟،أم سيعزز من تحالفه مع امريكا؟؟،وهل من الممكن ان تكون التطورات الحاصلة في العراق خادمة للنظام في سوريا،لكي يقول للشعب والمعارضة في سوريا،بأن ما ينتظركم هو ما يحصل في العراق؟وايضاً هناك الكثير من التساؤلات ما الذي ستفعله ايران حيال التطورات الحاصلة في العراق،وخصوصاً أنها تستهدفها بالأساس،وكذلك تلك التطورات من شأنها ان تلقي بظلالها على الأردن.
المنطقة حبلى بالتطورات والصورة ليست واضحة حتى اللحظة،وهي حتماً تستولد نظام عالمي جديد،لم تتضح معالمه حتى اللحظة،بإختصار هي لعبة شطرنج دولية كبرى بإنتظار كش ملك.