أحداث الموصل انتهاء حقبة وتأسيس لحقبة جديدة

بقلم: رشيد شاهين

سيطرت الأحداث التي كانت شرارة انطلاقتها في محافظة نينوى، واستيلاء مجاميع مسلحة قيل إنها تابعة للدولة الإسلامية في العراق والشام، على المشهد العراقي خلال الأيام الماضية.

بعد احد عشر عام من قيام بريمر بتقويض أسس الدولة العراقية، وحل الجيش العراقي، ومن ثم تأسيسه لنظام سياسي يستند إلى محاصصة طائفية بغيضة، لم يكن بالإمكان سوى الوصول إلى مثل هذه النتيجة في بلد كالعراق الذي يزخر بطيف كبير من المكونات والأصول العرقية والطائفية والقومية، هذه النتيجة التي أرادها بريمر وسادة البيت الأبيض، من اجل إبقاء العراق في حالة من التشتت والتشرذم والاقتتال، وصولا إلى التقسيم والتفكك.

ما أراده بريمر، كان يمكن لساسة العراق "المخلصين" أن يبطلوه، لتفويت الفرصة على كل كارهي العراق، غير ان هذا لم يكن وارد التحقق، ذلك ان هؤلاء الذين جاؤوا في المجمل على ظهور الدبابات الأمريكية، كانوا جزءا لا يتجزأ من المخطط الأمريكي، لا بل ان كثيرا منهم كان على استعداد للذهاب إلى ما هو ابعد من الأهداف الأمريكية، وذلك من خلال الإمعان في سياسات سوف تجر البلد إلى حروب طائفية لا تبقي ولا تذر.

السياسة التي اتبعتها الحكومة العراقية ممثلة بنوري المالكي المعروف بطائفيته الشديدة، استندت إلى تهميش احد المكونات الأساسية العراقية المتمثل بأهل السنة، كما انه لم يتردد عن استعداء الأكراد وإدارة الظهر لهم، ما جعل هؤلاء يذهبون بعيدا في سعيهم لترسيخ مزيد من الانفصال عن المركز في بغداد.

لقد حول المالكي نفسه إلى " مشروع ديكتاتور" بحسب غالبية ساسة العراق، وصار يرى في نفسه "المخلّص" لعراق ما بعد صدام، أو "للعراق الجديد" الذي كثر الحديث عنه بعد الاحتلال الأمريكي، واعتقد بأنه يسير فعلا في بناء "عراق جديد"، جعله لا يرى من المفسدين والفاسدين سوى من هم في صفوف المعارضة أو غير الموالين له.

هذا الاعتقاد، افقد المالكي القدرة على رؤية ما يجري من فساد ينخر المؤسسات العراقية بالمجمل، وفي المقدمة الجيش العراقي الجديد، غير المستند إلى عقيدة وطنية مخلصة، بل إلى طائفية مريضة، وكثير من عناصره غير مدرب ولا يصل إلى معسكراته بسبب تفشي الرشوة والفساد.

وهو ذات الاعتقاد الذي جعل المالكي يضع نصب عينيه "ملاحقة" القيادات من المكونات الأخرى بتهم الفساد وغيره، وفي مقدمة هؤلاء، نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي.

محاولات الحكومة العراقية تصوير ان ما جرى في الموصل وما بعدها، من انه هجمة لداعش، ليس سوى محاولة للهروب إلى الأمام، ومحاولة لتجييش طائفي جديد، حيث ثبت بالملموس، ان داعش ليس سوى جزء صغير من كل هذا الذي جرى وما زال في المحافظات الثائرة، وان محاولة تصوير الأمر على انه "إرهاب" سني، لا يصب سوى في مجرى التصور الذي يتصوره والذي يريده المالكي.

برغم محاولاته تلك، إلا ان المالكي يعلم تماما، إن بقاؤه في السلطة لم يعد مقبولا من قبل معظم القوى السياسية والدينية، وان الحل حتى لو كان مؤقتا، هو رحيله عن سدة الحكم، وهو يعلم أيضا، ان ما جرى في العراق خلال الأيام الماضية، إنما هو عملية متراكمة ابتدأت مع الاحتلال الأمريكي ومحاولات سلخ العراق عن محيطه العربي وإخراجه من الحسابات الإستراتيجية العربية بما يمثله من ثقل سياسي وعسكري وإنساني واقتصادي...

أحداث الموصل وما تلاها من سيطرة للثوار بغض النظر عن انتماءاتهم، إنما هي رسالة واضحة للمالكي ولسواه، بأن ما تم على مدار السنوات الماضية لا يمكن ان ينتج عنه عراق قوي ومتعافٍ، وانه ومن اجل الخروج من الأزمة الحالية، فلا بد من إعادة صياغة العراق على أسس جديدة، لا وجود فيها للمحاصصة التي صنعها وخلّفها بريمر والغزو الأمريكي، وان لا مجال لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وان ما جرى لا بد من ان يكون بداية لتشكيل عراق جديد مختلف، تحكمه أجندات وقوى وطنية غير مرتبطة بأية قوى أجنبية، إقليمية أو دولية، وبدون ذلك، فإن العراق سوف يذهب إلى مفترقات لن تسر إلا أعداء الأمة.