اليوم عندما نقف امام ذكرى اثنان وثلاثون عاما على غياب القائد المناضل سعيد اليوسف عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية والقائد العسكري للجبهة ، نقف امام رجل شكل في موقعه القيادي نموذحا للثائر الفلسطيني الوحدوي والعروبي ،قائدا فلسطينيا , وحالما بتحرير ارض فلسطين ، لم يفقد البوصلة , يملك روح البحث دائما للوصول إلى استخلاص الدروس من الوقائع والأحداث.
سعيد اليوسف ابن مخيمات اللجوء والشتات ، ابن مخيم عين الحلوة , قائد استثنائي ، جعل من جراحات نكبة الشعب الفلسطيني وعذاباته والتي هي بحكم ما فيها وما رافقها من ظروف وملابسات إنسانية وتاريخية كبرى بامتياز , جعل منها حلما فلسطينيا يطرق جدران الخزان , وبوابات العودة صباح مساء مؤكدا , أن إيقاع الزمن المتغير لايدع مجالا لأي شك , إن العودة قادمة لا محالة طال الزمن أم قصر , وإن منطق التاريخ , ومنطق الأشياء في نهاية المطاف لا تعاكس منطق رغبات , أحلام , وطموحات الشعوب التي تعشق حريتها , وتعمل لأجلها رغم أية عراقيل , أو صعوبات تقف في طريقها
كان سعيد وسيبقى فينا اسمه على عرض وطول مساحة لبنان والوطن المنكوب، واتسع لأمل المعذبين، وصدح صدى اسمه في ضمير ووجدان كافة المناضلين، كما كان حلما في ليل قاتم يخيم بحلمه وكفاحه على الأرض من خلال اشرافه على العديد من العمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية. فهو شخصية فلسطينية ثائرة، وعنوان لتجربة فلسطينية رائعة في العمل الفدائي ضد الاحتلال الصهيوني امتدت لبضع سنوات، تستحق الإعتزاز والإفتخار وتقودنا إلى المناشدة لتوثيقها والاستفادة منها ومن دروسها وعبرها ما بقيت راية ترفع باسم فلسطين وجبهة التحرير الفلسطينية, وما بقي قلب ينبض معها ولأجلها , وما بقي صوت فينا يهتف للحرية .
ربما من أصعب اللحظات على القلم أن يخط كلمات تليق بالمناضلين، فالعقل القيادي الفلسطيني، ينبغي أن يستلهم عند كل موقف ومنعطف، بمأثرة الشهداء الأبرار، وان يزداد صلابة وتمسكا بالقضية والموقف، وكلما ساور أحدنا الوهن أو الشك فثمة في مواقفهم ما يغني وينير لنا الطريق ويقودنا للنصر المحتم، لقد اخترت هذه الكلمات لان هناك حاجة ماسة ولدتها حاجات المرحلة، خاصة بعد الهجمة العدوانية لرعاة البقر الأمريكية وأتباعهم من انظمة تسوق ثقافة الهزيمة وتعرضها بالقوة، وتساعد العديد من مروجي هذه الثقافة تحت عبارات رنانة باسم الواقعية والحكمة والانحناء للعاصفة، و غيرها عبارات الفتها وعافتها آذاننا.
الحديث عن القائد سعيد اليوسف هو تاريخ زاخر بالتضحيات وبالصمود والمقاومة الباسلة بمواجهة مع العدو الصهيوني، أراد أن ينقل الصورة المرسومة ، حاملاً الإرادة التي إتصف بها، والتحدي الذي عرف به، ليعيش نبض الوطن ، فسجل في سجل الإيثار، مع نسمات الغدير من أنهر التحدي والوفاء التي سطرتها القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية بمواجهة الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 ، فكان القائد المنتقل بين الجنوب وبيروت وجبل لبنان للاشراف على المعركة ، حيث كتب صفحة المجد بمواجهة العدو على ارض جبل لبنان الاشم بين شملان وبحمدون ، ولم يعرف مصيره في رحلة أساطيرها لتكتب للأجيال أن هناك من سجل للتاريخ لحظة تاريخية بوفاء ونقاء، ودماء، وروح لا زالت تحيا في سماء فلسطين الجريحة من بين إبهام صائغي التاريخ. المُتلون بالإخضرار الفكري، والنضّالي، في مدرسة ذات نمط خاص، ومنهج خاص بنائه الأساسي ثوري متواصل و مبادئها ثابتة بتربة طيبة، وجذور ممتدة عبر الزمن ورحلات التأريخ المتآصلة بجنازة الأشجار المكلومة بخريف يقتلع أوراقها، ولكنه لم يقتلع إمتدادها المتثبت بالأرض بقوة الإلتحام.
ان التاريخ يجب ان ينصف قادة مناضلين مثلو صفحة من التاريخ يتداولها جيلاً تلو جيل، من حيث القيادة، والأثر الكفاحي النضالي، والعمق الفكري الأيديولوجي، مما خلق امتزاجاً نادراً يتوحد في أثره على المكان والزمان من جهة، وعلى منحنيات نضالية فكرية، أقرب منها إلى المدرسة التربوية التي تتواصل في عملية إرشاد بنيوي تربوي للأجيال السابقة والقادمة معاً. فقد شكلت شخصية القائد سعيد اليوسف مع رفيق دربه القائد الكبير فارس فلسطين الامين العام ابو العباس ورفيق دربه القائد الوطني الامين العام طلعت يعقوب عبر التاريخ الفلسطيني في استشراف مفاصلها في تجربة فلسطينية استرشد بها كل من تبنى الحرية فكراً ومنهجاً للتخلص من الاستعمار والاحتلال بقدرات وإمكانيات، وكاريزما القائد ابو العباس، الذي استشهد في الاسر بينما كان حلمه أرض فلسطين، الحلم الذي رآه يقظا منذ نعومة أظافره، وعشق ترجمته لواقع معاش بالجسد والروح، كما كان المكان هو المناسب للقائد سعيد اليوسف في مواجهة الاحتلال، خيث فقدت الجبهة قادة بهذا القدر من الدهاء والفكر والكفاح قلما ينتج مثلها في مختبرات الوعي البشري والإنساني، أو مفاصل التاريخ الكفاح والنضال المميزة بشقيها الثوري والكفاحي الصلب القادر على ابتكار واختلاق أساليب المواجهة بما يتلاءم وطبيعة ساحة المعركة وأسلحتها، دون الإلتصاق بالتقليدية وملحقاتها، والتمترس خلف سدود الأزمان والمراحل المتعاقبة بإحداثيات لا يقوى على التمحور والتأقلم معها إلاّ القلة النادرة من وهبوا واكتسبوا عمق قراءة الأحداث والمتغيرات وإحداثيات المعادلة المتطورة بمركباتها مع تطور أدوات الصراع ومفاهيمه وملامحها نحو تحرير فلسطين.
نحن نعيش اليوم في زمن أبو الخيزران الذي يرسم لنا خارطة يأ رفيقنا ، فأنت تنتمي إلى زمن المقاومة، فنحن وضعنا كما القردة في القفص عاجزين عن الوصول إلى الموز، لا بأس من بعض الحقيقة وخاصة انك تنتمي إلى زمن الحقيقة ، استميحك عذراً، فنحن نعيش فترة النقاهة من زمن ما عاد لنا، وفي زمننا ننسق مع الأخر كيف نتعامل مع الذين رفضوا العلاج واستمروا في قرع جدران الخزان، فالفلسطيني الجديد في غنى عن المشاكل، نحن لا نريد قذف جنود الاحتلال، ونحن مع حق العودة والاحتفال بذكرى النكبة ولكن في ساحات المدن، ونحن مع مقاطعة بضائع المستوطنات نحن مع أوسلو وضد أوسلو، مع حل السلطة والإبقاء عليها، ونحن ضد أمريكيا راس الحية ومعها، نحن ضد وكالة التنمية الأمريكية التي تصفنا بالإرهاب ومعها، ونحن يا سيدي نحن مع ذهاب الانقسام إلى جهنم ومع بقاءه رابض على صدورنا، الم اقل لك نحن الفلسطينيون الجدد.
نحن الفلسطينيون الجدد نملك من العبقرية والحكمة والحرص الى الحدّ الذي تحول فيه شعبنا على رتب ورواتب والمشروع الوطني وثروات السلاطين، لا وقت لدينا لاحصاء عدد الشجر الذي اغتيل واقفاً، لا وقت لدينا لأن الوطن المحتل من الوريد الى الوريد، المذبوح من الوريد الى الوريد يحتاج الى وزارة، والوزارة تحتاج الى شرعية، الشرعية هناك في كواليس ضيقة ،هل تدري اننا الشعب الوحيد الذي نتحدث عن الديمقراطية كل يوم، نفتخر بها، ديمقراطية بلا جماهير وبلا شعب، .لا نسمع بها الا من البعض وهو يتحدث عن المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
البعض لا يريد المشاركة الفعلية في اعتصام او لقاء او احتفال تضامني مع الاسرى ، هل تدري اننا تحولنا الى مستخدمين اصحاب الفيزة كرت، نصفق لكل مسؤول يجب ان نقول له المعلم او معالي ننقلب عليه اذا اقتضت الضرورة ونعود اليه اذا اقتضت الضرورة ، نشطاء جداً في كتابة بيانات الطعن والتشكيك حتى استطعنا بثقافة البيان الثوري نسقط كل قادة وابطال فلسطين لم يعد هناك بطل في فلسطين، لقد سقطوا، ولم يعد في الوطن من جمالٍ، كل شيئ تشوه حتى قلب الطفل وبرعم الوردة.
نعم في ذكرى غيابك نقول نحن بحاجة ماسة لوقفة ضمير وأن تقف الجبهة أمام أوضاعها بوقفة نقدية صارمة،ضرورة أن تعبر عن هويتها الفكرية والايدلوجية بشكل واضح، وان تعمل على تضخ دماء جديدة في عروقها،وأن تحفظ للقيادات القديمة تاريخها واحترامها،فالمطلوب قيادات منتجة على صعيد الفكر والنظرية والعمل،مطلوب مغادرة من تنمط وتكلس وأصبح عبئا على الجبهة،لا يستطيع سوى اجترار النقد والتجريح أو القيام بمهام التشريفات،مطلوب قيادات تنهض بأوضاع الجبهة في كل خانات وميادين العمل،وأن تنتهي ظاهرة العمل النخبوي والفوقي،مطلوب قيادات تتغلل في أوساط الجماهير،وأن تبتدع وتبدع أشكال جديدة ومتطورة للعمل والنضال تستوعب كل الطاقات.
جبهة التحرير الفلسطينية لها تاريخها وأرثها النضالي والكفاحي،ولها سمعة طيبة بين أبناء شعبنا،ولشعبنا ثقة كبيرة بها وبأبنائها،والذين مثلوا حالات نضالية وتضحوية مميزة،وممكنات نهوضها وتقدمها،وعلى الهيئات القيادية ان تمتلك وضوحاً كبيراً في الرؤيا وقادر على التقاط الأحداث ومواكبتها.
ختاما : لا بد من القول ان مصداقية الموقف الوطني ،يكون بالقيمة الحقيقية من خلال الوفاء للشهداء وتجسيد اهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني ورفض الاعتراف بالوجود الصهيوني، وبوقف المفاوضات ، ومواصلة النضال بكل اشكاله الكفاحية والسياسية والجماهيرية من اجل حرية شعبنا وحقه في العوده وتقرير المصير على ارض وطنه فلسطين.