مفارقات تتكرر في مشهد سياسي أمني بامتياز؛ جنود قالوا إنهم من جيش لا يقهر أعادوا اقتحام جمعيات الأيتام وصادروا أقلامهم وطعامهم، كما اقتحموا الجامعات وصادورا رايات وأعلام بالإضافة إلى منع طباعة صحف في الضفة وإغلاق فضائية الأقصى، كلها سياسة نفذتها أجهزة السلطة الأمنية في الانقسام وما بعده من اعتداء واختطاف وغيرها، غير أن الجديد هو تحول دراماتيكي بدأ وأصبحت له تداعيات وغير ذلك من السيناريوهات.
السلطة الآن وبعد عملية الخليل باتت أقرب كثيرا إلى وجهة نظر الاحتلال في مواجهة الشعب الفلسطيني ليس تجنيا عليها بل "من فمه أدينه"؛ وهنا أدين محمود عباس حينما تجرأ للحديث عن التنسيق الأمني في قمة عربية إسلامية، لن أقف عند حديثه في هذا الجانب وإنما أقف عند الأخطر من هذا وهو أنه لن يسمح بتفجر الأوضاع؛ وهذا ليس إلا قرارا نهائيا يؤكد أن السلطة قررت أن تواجه الشعب فهو لم يعد في مربع المتردد وكأنه أخذ تفويضا غير مباشر من العرب بقمع المواطنين، ويقول قائل كيف له أن يقوم بذلك؟
في المرحلة المقبلة ملف حركة حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة سلم للاحتلال أي أن العمليات والمداهمات والاعتقالات وضرب البنية التحتية هو من وظيفة الاحتلال بشكل رئيسي بعد أن كان تبادل الأدوار؛ أي أن هناك إعفاء للسلطة من الدور الرئيس نظرا لفشلها في مواجهة حركة مقاومة خاصة على وقع عملية الخليل والحراك الأخير لنصرة الأسرى المضربين عن الطعام، غير أن دور السلطة الذي يبدو أنها ارتضته لنفسها هو قمع المواطنين الغاضبين على ممارسات الاحتلال؛ أولئك الشبان الساهرون على حماية الوطن بعد أن فرت الأجهزة الأمنية إلى مقراتها وهذا يزعج الاحتلال وستكون المواجهة معهم من قبل أجهزة السلطة، أي أن السلطة ستواجه شعبا وإذا ارتكبت حماقة مواجهة الشعب باتت في مهب الريح، لأن ممارسات الاحتلال القادمة من تنكيل ومنع للسفر وإغلاق بالمكعبات الاسمنتية والتضييق واقتحامات ليلية ومنع العمل داخل الأرض المحتلة وحصار من عدة أشكال سيجعل من الغضب الشعبي يتنامى ومن يقف في وجهه سيخسر كثيرا، ويبدو أن السلطة قبلت بهذا الدور ليس لأنها ترى بأنها على حق بقدر ما وصل بها الحد إلى استعباد الناس واستحقارهم وكبت كرامتهم.
في مرحلة قريبة قادمة سينقسم المشهد ولن يبقى فيه منافق سياسي؛ إما مع الاحتلال وإما مع الشعب وكل سيأخذ دوره، وهنا من يصرح بهذه التصريحات من المؤكد أنه سينفذها من خلال أجهزته الأمنية، كما أن من بين ما يؤكد أن اللسان يتحدث بما يتم التفكير به قول محمود عباس بأنه لن يكون غامضا وأعلنها حربا على شعبه في الخطاب؛ فهل ستفتح النار على الشعب في الميدان؟
ليس استباقا للأحداث ولكنها قراءة طبيعية؛ للأسف الإجابة نعم لأن المال السياسي هو الذي يتحكم بالذي يستفيد منه فخيار التواجد في خندق الشعب لا ترضاه أمريكا وحكومة الاحتلال ودليل ذلك محاولة إفشال المصالحة، أما خندق محاربة "الإرهاب" ويُقصد به هنا الشعب الفلسطيني ودفاعه عن حقوقه فمن الواجب على من يستلم الدولار أن يتخندق هناك حيث سيتحول هذا الموقف إلى مقبرة سلطة على يد شعبها.