السلطة الفلسطينية من رافعة وطنية إلى غطاء على جرائم الإحتلال

بقلم: محمد أبو مهادي

أثارت عملية خطف المستوطنين في 13 يونيو 2014 عاصفة من المواقف وردود الأفعال في فلسطين والعالم، أخطرها ما تقوم به إسرائيل حالياً في مختلف منطق الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تنتشر قوات الإحتلال الإسرائيلي في كل مكان تبطش بالشعب الفلسطيني وتمارس أبشع عمليات العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين تحت غطاء ودعم أمريكي كاملين مصحوباً بحملة دبلوماسية دولية تقوم بها إسرائيل لإدانة الشعب الفلسطيني وتبرير جرائمها المتنوعة بحقه أمام المجتمع الدولي.

في المقابل أطلق الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" جملة من المواقف أدان فيها عملية الخطف وتوعد الخاطفين بالعقاب، معلناً إلتزامه بالتنسيق الأمني ومساعدة إسرائيل في عملية البحث عن المستوطنين في تحد للموقف الشعبي الفلسطيني المؤيد لعملية الإختطاف كوسيلة لتحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين أخفقت المفاوضات في إطلاق سراحهم، وفقدوا الأمل في إمكانية حدوث ذلك نتيجة المواقف الإسرائيلية المتغطرسة والتي لا تواجه أي ضغوط دولية تذكر.

ضجيج عملية الإختطاف مرتفع جداً بحيث يخفي بين ثناياه حقائق سياسية يجري تجاهلها لصالح الرواية الإسرائيلية في ظل ضعف الدبلوماسية الفلسطينية وفشلها في تحميل إسرائيل كقوة إحتلال المسؤولية عن كل ما يجري، هذا الفشل الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني كانت أبرز نتائجه فوز إسرائيل للمرة الأولى بمنصب نائب رئيس اللجنة الرابعة في الجمعية العامة، المُسمّاة "اللجنة السياسية الخاصة وتصفية الاستعمار" !.

منذ فشل عملية التسوية السياسية في كامب ديفيد 2000 حتى الآن تتهرب القيادة الفلسطينية من حقيقة مفادها أن إسرائيل غير معنية بصناعة السلام مع الشعب الفلسطيني، ولا تفكر هذه القيادة بمناقشة موضوع السلطة الإنتقالية نفسها – جدوى بقائها ووظائفها التي إستخدمت إسرائيلياً كغطاء لممارساتها اليومية حيث الإستيطان وتهويد القدس وبناء جدار الفصل العنصري وشن الحملات العسكرية على قطاع غزة والعديد من مدن الضفة الغربية، سلطة نجحت إسرائيل في تحويلها إلى وكيل أمني المطلوب منه حماية الإحتلال ومستوطنيه وإفشال أي تحرك شعبي يواجه الإحتلال إلى جانب تنفيذ إلتزامات إقتصادية سياسية بموجب أوسلو وملحقاته.

رسالة الرئيس عباس إلى العالم كانت مشوشة وغير واضحة، أصبحت الآن بعد حادثة الإختطاف منحازة إلى الرواية الإسرائيلية وحازت على إعجاب قادة الإحتلال، وتعارضت بل طمست إلى حد كبير حقيقة الموقف الفلسطيني وجذور الصراع مع إسرائيل، ومعادلة الإحتلال والحق في مقاومته حتى نيل الإستقلال، وحقيقة إفشال إسرائيل لكل فرص السلام منذ مؤتمر "كامب ديفيد 2000" حتى الآن، وأغفلت ما تقوم به إسرائيل من أفعال عدوانية ووقائع تفرض بموجبها على كل الشعب الفلسطيني مواجهتها والتصدي لها حتى لا يصبح شعب كامل وسلطته عبيداً ساهرين على راحة الإحتلال وأمن مستوطنيه.

مجافاة الواقع أو ترحيل أزمات السلطة وشكل علاقاتها مع الإحتلال تحت عناوين مختلفة لن تمنع الوصول إلى لحظة الحقيقة إن لم نكن قد وصلنا إليها بالفعل، وعلى كل الفلسطينيين الإجابة على سؤال جدوى بقاء السلطة تحت الإحتلال، هل هي رافعة وطنية تعزز صمود الفلسطينيين وتؤهلهم لنيل دولتهم وإستقلالهم، أم أنها أصبحت عقبة كأداء في طريق تحررهم بعد أن إتضحت وظائفها الأمنية وإلتزاماتها السياسية التي أفصح عنها رئيسها بشكل واضح لا يقبل التأويل والتي قد تسفر عن النكوص عن المصالحة وحكومة الوفاق الوطني؟

هذا السؤال كان مدار بحث الكثير من الفلسطينيين قبل إنتخابات عام 2006، ومبررات طرحه الآن أكثر جدوى سياسية مما مضي، والتأخر في نقاشه والإجابة العملية عليه قد يضع الفلسطينيين في مواجهة حقيقية بين السلطة ومن يمثلها مع الشعب الذي ضاق ذرعاً بكل ما يجري ويشعر بتهديد وخطر حقيقي على مستقبله الوطني، كما هو التهديد حاصل الآن في حالة الحريات السياسية والأزمات الإقتصادية.

لا يمكن بأي حال من الأحوال التسليم بواقع الإحتلال، ولا بواقع رئيس شغله الشاغل تعزيز فرص بقائه في سدّة الحكم مهما كان الثمن، فهناك فارق بين الواقعية السياسية التي يؤمن ويتحدث عنها البعض وبين الإستسلام لشروط إسرائيل ورغباتها التي تقود السلطة إلى التجربة "اللحدية" في جنوب لبنان بكل ما تعنيه الكلمة.

[email protected]