محرقة السنين وتنازلات مالك الحزين

بقلم: عطية ابوسعده

رحلت سيدي الشهيد رحلت وما تزال في القلب ساكن رحلت بعيدا وعطرك عنبر يفوح على امواج البحور رحلت وتشابهت من بعدك كل القبور رحلت سيدي واشتاقت لك الأماكن قبل الصدور صنعت الفرحة ونشرت البهجة وانت بجوار من سبقوك ساكن اشتاقت الروح انفاس الماضي واشتاقت القلوب دقات الحاضر..اليوم ورغم العناء يستبشر الوطن رياحين شهداء على الارض يسقطون الشهيد تلو الشهيد .. عناوين عزة شامخة كالجبال ورجال صغار تنعم بشائرهم تيجان فوق الرؤوس.. شهداء رحلوا بعيدا وهم في القلب يسكنون رحلوا بعيدا لتبق لهم الاماكن مشتاقة عبّدوا خلفهم طريقا للفرح نشروا البهجة صنعوا بدمائهم معالم طريق الانتصار واليوم هم بجوار من سبقوهم يسكنون .. رجال صغار تعلم الكهل كيف تكون الكرامة منهم تعلم الاب كيف تكون العزة تعلمت المراة كيف تكون الشجاعة تعلمنا جميعا كيف يكون الانتماء وما زلنا نتعلم كيف تكون التضحية ..

اليوم وكما كل يوم يسقط على الارض الرجال يسقطون واقفين شموخا علامات مشرعة ورايات تعلوا رؤوسهم الرايات ونحن صابرون على درب العزة وانتماءا للوطن وكما قالها احدهم .. اذا ما اتاك الدهر يوما بنكبة فافرغ لها صبرا ووسّع لها صدرا فان تصاريف الزمان عجيبة فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا تلك معالم الحياة وذاك هو اسلوب الصراع .. يبدو ان ملامح مرحلة جديدة تلوح في الافق ويبدو ان مراحل الاستقرار بدات في الزوال ويبدو ان علامة النصر قادمة على انغام غناء صاحب الالحان الجميلة كمن يغني وهو على وشك الموت يغني شدو الحياة او من يرقص رقصة الموت الاخيرة وهنا تساورني بعض ملامح ذاك الطائر المغرد الحزين ذاك المالك على الجمر ....

اليوم شهيدان وبالامس شهيدا وغدا شهيدا ويبقى الوطن علامة على جبين الشهداء ويبقى شهيدنا منارة تنير لنا الطريق .. اليوم سقط محمد دودين شهيدا عن عمر يناهز الاريعة عشر ربيعا في دورا الخليل ارض العزة ارض الشهامة ارض النضال وفي الاتجاه المقابل وعلى ارض بلاد الشام العزيزة على قلوبنا شهداء يسقطون يوما بعد يوم منهم من يسقط برصاص الفتنة ومنهم من يسقط جوعا ومنهم من يسقط مرضا والجميع في سراط مستقيم وحنين الى الوطن ...

اليوم كان دودين والبارحة كان الحاج ياسين عليان الذي عاد الى المخيم .. مخيم اليرموك شامخا قائلا مقولته الشهيرة الموت بالمخيم رحمة اليوم ارجع لألقي ربي على ارض المخيم مايستحق الشهادة .. رغم الحصار ورغم المرض ورغم الجوع ورغم الهوان كان الحاج ياسين يعتبر بداية طريق العودة الى الوطن عودته الى المخيم مخيم الثورة مخيم اليرموك ... سكنت في الصدور أحلام العودة زتعددت معانيها وتعددت اساليبه ولكنها تبقى في القلب عودة ... تتساوى لدى أبناء هذا الوطن الحياة مع الشهادة والعزة مع الكرامة عاد شهيدنا بالامس القريب من الشتات الجديد ليلقى ربه واستشهد فعلا بالامس واقفا على ارض المخيم ....

تلك كانت بعض ملامح الانتماء وتلك كانت علامات التواصل بين الاجيال والسباق المراتوني الى الشهادة .. هذه هي فلسطين وهؤلاء هم ابنائها شهداء ومشاريع شهادة من الخليل الى اليرموك من نابلس الى غزة من جنين الى جباليا من طول كرم الى خانيونس رحلة تواصل لن تنتهي طالما على هذه الارض جندي صهيوني واحد وكما قالها شاعرنا محمود درويش .. على هذه الارض ما يستحق الحياة ولا ننسى هنا مشاريع الشهادة من هم قابعون في سجون الاحتلال يعيشون يومهم على الماء والملح يصنعون ملاحم بطولة والعالم عنهم نيام هؤلاء الابطال اصحاب القرار اصحاب الارادة ولا ننسى ايضا اهلنا الصامدون على الارض يرفعون الراية ويصنعون الملحمة ....

لك الله ياشعبنا وحدك تناضل وحدك تصارع الحياة قبل الموت وحدك في الميدان وحدك من يرفع علامات الانتصار بين شواهد القبور وزنازين العار وحدك من تناضل خلف الجدران تستنهض العزيمة من تحت الدمار وتنهض من وسط الحصار تنادي وتستصرخ وا معتصماه مع علمك اليقين ان المعتصم قد مات ولكن ربما ياتي اليوم ويستنهض من بين الركام معتصم جديد أملا في يوم جديد أو ربما حلم جديد أو يوم سعيد لأننا تعوّدنا ان نصنع السعادة من تحت البركان ونصنع الامل بين حلقات الدخان ونصنع القوة بسواعد اشبال تغير باصرار معالم الميزان ...