مجرد حوار صامت ..!!

بقلم: حامد أبوعمرة

رأيته منذ أيام ..بينما كنت في نزهة ترفيهية عائلية ..كان يتحرك برشاقة شديدة ،وخفة ويقفز بسرعة فائقة ..ففي لمح البصر يتجاوز الأمتار المحدودة المحيطة به ..حقيقة أني تيقنت ولأول مرة حيث اكتشفت أن هناك تزوير واضح ومغالطة تخالف الواقع وافتراء ..فالذي نراه على خشبة المسرح هو أنه طالب نجيب ومطيع يؤد كل الحركات التي تتطلب منه ،من قبل مدربه ..والحقيقة التي ندركها في حياتنا بعيدا عن الأضواء والجماهير ..لو دققنا النظر .. أنه هو المعلم الكبير لكل الذين ينتحلون حركاته ،فيقفزون بصورة بهلوانية على حلبة السيرك ..إنه التقليد الآدمي الببغاوي لكنه في ذات الوقت الكبرياء الإنساني، ونكران للجميل ..ما أدهشني انه كان يحاول مرارا بين الفينة والأخرى أن يمد يده خارج القفص الحديدي محاولا أن يفتح مزلاق الباب المحكم الغلق والملفوف حوله أسلاك رفيعة لتحول دون ذلك ..يبدو بأنه حاول أن يلوذ بالفرار من قبل لكنه لم يفلح ..ولذلك تم حبسه داخل زنزانة انفرادية .. بمعزل ٍ عن اقرأنه ..ما أعجبني من سلوكه هو انه في كل مرة يحاول فتح الباب وكأنها أول محاولة له.. فلا يأس ولا إحباط ..قبل أن أغادر المكان وجدته يقترب مني ويحدّق بعينية الغائرتين ذات اللون البني الفاتح وكأنه يريد أن يرسل رسالة لي فأقوم بتوصيلها للعالم البشري رغم صمته إلا أني لمحت ما يجول بداخله وكأنما يريد أن يستنجد بي قائلا : أنتم هكذا أيها الآدميون ..دائما تتمتعون وترقصون ولو على جراح الكائنات الأخرى ..إن الحال أشبه باحتراق حبات أكواز الذرة فوق موقد ملتهب ،وهناك من هم شاغلهم الوحيد هو الانتظار لتنضج فيلتهمونها بكل شراسة متلذذين بطعمها.. في أيام السمر بل أنكم اليوم أصبحتم تتمتعون بجراح بعضكم بعضا ..عالمكم غريب أيها البشر ..المهم وجدتني أسير بخطى بطيئة تارة ألتفت وراءي ناحيته ،وتارة أتطلع للأمام خوفا من الارتطام بشيء ..وجدتني أهرب من المسئولية وحمل الأمانة ..لكني في ذات اللحظة كنت أقول في قرارة نفسي ..سامحني أيها القرد الزكي لكن لو خرجت خارج القفص لانصدمت بواقع هو أشد مرارة عما تعيشه اليوم .. فالفرق بيننا وبينك أنك تقبع خلف قضبان صغير،ولكننا موتى داخل قضبان كبير شائك يحيط بنا من كل جانب فلا معابر ،ولا حدود ..لو خرجت أيها القرد إلى عالمنا ، لعدت مهرولا إلى زنزانتك ولتيقنت انه لو علمت ما في الغيب لاخترت الواقع ..!!