دائماً كنا نتطلع إلى وجود حلول عملية لبعض القضايا الأسرية في المجتمع الفلسطيني خاصة في القضايا التي تتعلق بالنفقات لما لها من أهمية في معيشة الأسرة من طعام وكساء ومسكن وعندما تم التفكير في عام 2004 لوضع مشروع قانون صندوق النفقة رقم 6 لسنة 2005 كان الأمر للبعض محبطا خاصة في ديوان الفتوى والتشريع الذي شاركنا في ديوان قاضي القضاة وضع القانون واذكر أن بعض قضاة االفتوى الكبار في غزة قال في حينها بأن الصندوق يحتاج الى ميزانية دولة خليجية لانفاذه ، ولكن اقر القانون في المجلس التشريعي بعد عقد عدة ورشات عمل ووضع مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للعمل به فكان انجازا فلسطينيا له أثر كبير على واقع الاسرة ومعيشتها .
اشكالية تنفيذ حكم النفقة:
تحصل الزوجة على حكم بالنفقة من المحكمة الشرعية وتصطدم بعد ذلك بواقع صعوبة تنفيذ هذا الحكم فإما أن يكون الزوج معسراً أو هارباً أو ممتنعاً عن التنفيذ تعنتاً ومنهم من يقبل أن يسجن المدة المقررة في قانون التنفيذ وهي واحد وعشرون يوماً ثم يخرج بعد مضي المدة وتبقى الزوجة تطارده من أجل الحصول على لقمة العيش هي وأولادها وقد يصل ذلك إلى أشهر بل إلى سنوات ، والإشكالية التي تقع هي عند تنفيذ هذا الحكم خصوصاً إذا كان الزوج معسراً أو غير موجود في البلاد أو جهل محل إقامته أو عدم وجود مال لديه لينفذ الحكم عليه أو بأي سبب من الأسباب حتى لو سجن كما ذكرت. فماذا تفعل المرأة؟ فليس لها في هذه الحالة إلا الانتظار لحين يساره أو حضوره إن كان غائباً وتعيش خلال هذه الفترة على صدقات المحسنين والجمعيات الخيرية أو أن تطلب بعد مضي ستة أشهر على حكم النفقة "الطلاق لعدم دفع النفقة" وتتخلص من هذا الزوج. ولكن ماذا لو كان هناك أولاد إذن الحل يكمن في صندوق النفقة والذي سينوب عن الزوج في دفع النفقة للمحكوم لهم الزوجة الأولاء الأبوين المعتدة القريب المعال ويقوم هو بملاحقة المدعى عليه الممتنع عن دفع النفقة في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بما فيها رفع القضايا لدى المحاكم المختصة لاستيفاء الأموال التي دفعها عن المحكوم عليهم.
اجراءات عملية:
عندما تتقدم الزوجة للمحكمة الشرعية لرفع دعوى النفقة الشرعية تكون قد وصلت الى حالة من الفقر المدقع أو المماطلة من قبل الزوج فتشكو أمرها للقاضي الشرعي آملة في الحصول على الحكم الشرعي بالسرعة الممكنة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومستلزمات الحياة اليومية وهذا ما حثت علية الشريعة الإسلامية في جعل النفقة من الأمور المستعجلة بل إن الرسول صلى الله عليه
وسلم قال لإمرأة أبي سفيان عندما اشتكت بخل أبى سفيان قال لها خذي وولدك ما يكفيك بالمعروف حتى لو كان ذلك دون علم أبى سفيان. والقانون الفلسطيني جعل دين النفقة من الديون الممتازة في السداد وأوجب النفقة على الزوج من حين العقد الصحيح وفي ذلك نصت المادة 160 من قانون الأحوال الشخصية الفلسطينية "بوجوب النفقة من حين العقد الصحيح على الزوج ولو فقيراً أو مريضاً أو عنيناً أو صغيراً لا يقدر على المباشرة للزوجة غنية كانت أو فقيرة مسلمة أو غير مسلمة كبيرة أو صغيرة تطيق الوقاع أو تشتهي له".وهذا ما يجعل قضايا النفقة لها الأولوية في سرعة الفصل فيها بل إن المرأة تستطيع رفع دعوى النفقة طبقاً لنص القانون في أية محكمة شاءت ولاتتقيد بقاعدة " المدعي يتبع المدعى عليه في مكان اقامته" ونصت الفقرة الخامسة من المادة السابعة من قانون أصول المحاكمات الشرعية على "كل دعوى ترى وتفصل في محكمة المحل الذي يقيم به المدعي عليه باستثناء الزوجات وكل من تجب له النفقة شرعاً بجميع أنواعها صلاحية المحاكم الشرعية الحكم فيها.
وعلى ذلك تحصل الزوجة على حكم النفقة بعد رفع الدعوى بمجرد تقديم عقد الزواج الصحيح إن كان الزوج غائباً أو إقراره بالزواج إن كان حاضراً ما لم يتم تقديم دفوع موضوعية على الدعوى كإنكار الزواج مثلاً…
بل أن الأكثر من ذلك تستطيع المرأة تنفيذ حكم النفقة بمجرد حصولها على الحكم دون الانتظار لمدة الاستئناف أو الاعتراض بنص المادة 220 من قانون أصول المحاكمات الشرعية والتي تقول: "إن التنفيذ المؤقت يكون واجباً لكل حكم صادر بالنفقة أو أجرة الحضانة أو الرضاع أو المسكن أو تسليم الصغير لأمه… ولو تم استئنافها فالحصول على الحكم ليس بالأمر الصعب إن كانت هناك موجبات شرعية لذلك.
اعتراضات واجهت القانون والرد عليها:
نصت المادة الأولى من هذا القانون "أن حكم النفقة هو كل حكم نهائي صادرعن المحكمة المختصة يقضي بدفع النفقة للزوجة أو المعتدة أو الوالد أو الوالدين أو القريب المعال ونصت المادة الرابعة منه على "أن الصندوق يهدف إلى ضمان تنفيذ حكم النفقة الذي يتعذر تنفيذه بسبب تغيب المحكوم عليه أو جهل محل إقامته أو عدم وجود مال ينفذ منه الحكم أو لأي سبب آخر".
الإعتراض الأول: البعض اعترض على نص هذه المادة واعتبرها هضماً لحق المرأة في طلب التفريق لانه اذا تم تنفيذ الحكم وحصلت المرأة بهذه السهولة من صندوق النفقة على النفقة سيتعذر لها طلب التفريق بهذا السبب-" طلاق لعدم الانفاق " - وستظل مربوطة بهذا الزوج الفقير أو الغائب أو الهارب من النفقة إلى الأبد وستظل طوال عمرها تعيش على نفقة صندوق النفقة. واقترح البعض بإضافة مادة إلى هذا القانون تنص على أحقية المرأة في طلب التفريق من القاضي الشرعي بعد مضي الستة أشهر على حصولها على حكم النفقة حتى لو حصلت على النفقة من صندوق النفقة .
الرد:
وهذا الكلام في الواقع مردود عليه لأسباب كثيرة وقد يجهلها غير الممارسين للعمل القضائي ونرد عليها بالآتي:
أولاً: إن الزوجة التي تريد التفريق بسبب عدم الإنفاق وترى أن الخلاص من هذا الزوج المعسر والمماطل هو بالحصول على حكم النفقة ومن ثم رفع دعوى تفريق لهذا السبب بإمكانها عدم اللجوء لصندوق النفقة وان تنفذ حكم النفقة لدى دائرة الاجراء حسب الأصول المتبعة فان امتنع الزوج عن الانفاق تتقدم برفع دعوى التفريق حسب القانون والأصول الشرعية،ولا تلجأ لصندوق النفقة.
ثانياً: حصول الزوجة على النفقة من الصندوق – وهنا ينوب عن الزوج كما ذكرت – لا يعطيها الحق بطلب الطلاق لهذا السبب لأنه زال بالاتفاق عليها،وكما هو معلوم شرعاً وقانونا حتى لو طلقها القاضي بسبب عدم دفع النفقة يكون نوع الطلاق- في هذه الحالة - رجعيا أيً بإمكان الزوج إرجاعها إلى عصمته خلال فترة العدة بمجرد دفع النفقة لها بدون إذنها ورضاها.
ثالثاً: هدف الصندوق كما نصت المادة الرابعة هو ضمان تنفيذ حكم النفقة والذي يلجأ لذلك هو المحتاج فعلاً للمعيشة واستمرار الحياة الزوجية وليس للفرقة والطلاق.
الإعتراض الثاني : اعترض البعض على أن هذا القانون سيفسح المجال لبعض الأزواج للتهرب فعلاً من دفع النفقة لدى دائرة الإجراء أو قد يتواطئ مع زوجته لرفع دعوى النفقة عليه ومن ثم لا ينفذ الحكم وتلجأ الزوجة بعلم الزوج لصندوق النفقة للحصول على المال.
الرد:
هذا الكلام أيضاً قد يصدقه من لم يطلع بدقة على مواد القانون خصوصاً المادة السابعة في فقراتها الأولى والثانية والثالثة والتى تنص على أن" المحكوم له عند التقدم بطلب الاستفادة من خدمات الصندوق أن يرفق به المستندات التالية.
* نسخة مصدقة من حكم النفقة النهائي.
* مشروحات من دائرة التنفيذ تفيد بأن حكم النفقة قد تعذر تنفيذه بعد استنفاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة.
*أي مستندات أخرى يطلبها المجلس
كما أن التنسيق التام بين المحكمة الشرعية التي أصدرت الحكم والصندوق بنص المادة (9) تجعل التلاعب متعذراً وقالت المادة" إذا قررت المحكمة المختصة إلغاء أو تغيير حكم النفقة فعليها إبلاغ الصندوق بذلك فوراً ويقوم الصندوق بتنفيذ ما ورد في قرار المحكمة الجديد ويبلغ المحكوم له بذلك ويتم التصرف طالما كان تنفيذ حكم النفقة متعذراً ويتوقف إذا لم يعد هناك موجب لذلك". ونصت المادة(10) الفقرة الأولى والثانية أن على المحكوم له إعادة أموال الصندوق التي إستلمها بدون وجه حق بدون تأخير ويعاقب من لم يعد تلك الأموال بالحبس مدة أقصاها شهراً أو بغرامة مالية قدرها مائة دينار أردني أو ما يعادلها.. مع إعادة الأموال التي تسلمها.
وأخيراً : نقول إن صندوق النفقة يحتاج الى تفعيل أكثر خاصة في غزة ويحتاج المزيد من الابداع في تمويلة حتى لايعتمد فقط على اقتطاع جزء من معاملات المحاكم ويتعدى ذلك الى التمويل من خارج الوطن حتى يؤدي الصندوق عمله باتقان وانتشار اوسع فقانون صندوق النفقة إنجاز عظيم يحسب للقضاء الشرعي في فلسطين وللمرأة الفلسطينية و لكل من ساهموا في مناقشته في جناحي الوطن. على أمل إقرار القوانين الفلسطينية المتعلقة بالقضاء الشرعي كقانون أصول المحاكمات الشرعية وقانون الأحوال الشخصية وقانون تشكيل المحاكم الشرعية وغيرها والتي تصب كلها في بناء الأسرة الفلسطينية المجاهدة الصابرة وحقاً هي تحتاج منا هذا الجهد.
القاضي د. ماهر خضير