هل وقف التنسيق الأمني ينجي البصرة

بقلم: رائد موسى

أرد في مقالي هذا على ما كتب الأخ الكاتب والصحفي هاني المصري بعنوان "وقف التنسيق الأمني قبل خراب البصرة" لعلنا نخرج برؤية جديدة نقترب بها أكثر من الحكمة والصواب في تقدير مواقف القيادة الفلسطينية واقتبس في مقالي مما كتبه الأخ هاني.
أثار خطاب الرئيس في جدة ردود فعل و(بطولات كلامية) واسعة، حين توعد خاطفي المستوطنين الثلاثة بـ"العقاب"، وذلك عندما اعتبر أن العملية تستهدف دمار الفلسطينيين، وأن التنسيق الأمني يحمي الشعب الفلسطيني، وأنه لا قبل للفلسطينيين بمقاومة إسرائيل "لا عسكريا ولا عن أي طريق آخر" .
وهنا أتسائل هل يلدغ المؤمن من الجحر مرتين ؟ هل أسر شاليط بالرغم من مشروعية الأسر وبطولة منفذيه لم يأتي بالدمار للفلسطينيين ؟ هل صفقة شاليط غير مهددة بتراجع إسرائيل عنها ؟ ويتم حاليا إعادة أسرانا المحررين إلى المعتقلات بالفعل !
وهل قال الرئيس انه لا قبل للفلسطينيين بمقاومة إسرائيل لا عسكريا ولا عن أي طريق آخر ؟؟ لماذا هذا التجني ؟ فمقاومة إسرائيل عسكريا معلوم لأي عاقل بأنها تفوق إمكاناتنا العسكرية بمئات المرات أما "ولا عن أي طريق آخر" فالرئيس ليل نهار يدعو إلى المقاومة الشعبية والسياسية الدبلوماسية، وحتى المقاومة العسكرية قالها وبكل صراحة لكل الزعماء العرب : أعلنوا الحرب وأنا أولكم سأقاتل. فلماذا التجني وإضافة كلام لم يقله الرئيس يا اخ هاني !!
أما بيان الرئاسة بإدانة العنف من أي جهة يأتي، فهل المطلوب من الرئاسة تغيير برنامجها السياسي العلني الواضح عن نبذ العنف الذي لا نمتلك أدنى أدواته الفعالة ؟؟ والذي لا ينوي احد أن يمدنا بأدنى أدواته الفعالة.
ومع ذلك كنا قد جربنا مواجهة الاحتلال ببنادقنا البالية خلال الـ66 عام التي تتحدث عنها، العديد من المرات، ومنها ما كان في عهد التنسيق الأمني ونبذ العنف والسلام في انتفاضة الأقصى عام 2000 وقبلها في أحداث النفق عام 1996 وماذا كانت النتيجة ؟؟ ماذا كانت نتيجة استخدامنا للعنف منذ عام 1948 حتى عدوان 2012 على غزة غير الدمار والتشريد وضياع الأرض والأيتام والأرامل والثكلى والإصابات والإعاقات والأسرى ؟ هل تريدنا أن نبقى نلدغ من نفس الجحر مرات ومرات لنرضي أصحاب الخطابات الرنانة وتجار الحروب ؟
يضيف الأخ هاني "لا بد من إتباع مسار جديد في ظل ..." وهنا أقول لابد من تطوير المسار الحالي وليس مسار الجديد فالجديد عن الحالي هو العودة إلى مسار العنف.
"ألا تأتي العملية كرد متوقع..." بالطبع إنها رد متوقع (إن كانت بالفعل عملية فلسطينية خالصة) لفشل المفاوضات ومن الحكمة أن تستغلها القيادة الفلسطينية لتبين للعالم مصير فشل عملية التسوية بأسلوب دبلوماسي حكيم يعمل إلى جذب العالم إلى صفنا لا أن نهلل للعملية الغير معروف أصلها من فصلها ونخسر كل من تضامن إلى صفنا ونكسر بداية العزلة الدولية عن إسرائيل.
ويقول الأخ هاني "بالرغم من التنازلات السخية والمجانية القديمة والجديدة..." التنازل القديم والغير مجاني المعلوم لدينا هو القبول بقرار التقسيم والاعتراف بإسرائيل على الـ48 فما هو غيره !!
"الأحزاب الحاكمة في تل أبيب تعتقد إن بمقدورها الحصول على المزيد من التنازلات ..." تقول المزيد من التنازلات وكان هناك تنازلات غير قضية الاعتراف بإسرائيل !! فما هي ؟؟ "في ظل ان إسرائيل حولت السلطة إلى وكيل امني فقط..." بما انك يا أخ هاني قد قررت وجذمت بان إسرائيل حولت السلطة إلى وكيل امني فقط فهل أبقيت أي مبرر لوقف التنسيق الأمني !!!
هل تسائلت يا أخ هاني كيف جرتنا إسرائيل الى فخ تدمير أوسلو التي كانت تفترض ان نتسلم 90% من الـ67 خلال الفترة الانتقالية ؟؟ لو التزمت السلطة بنبذ العنف والتنسيق الأمني ومارسته بحزم كما تمارسه اليوم ومنعت بالقوة وبالعقاب أي مسار آخر خارج عن قرار القيادة الفلسطينية واتفاقاتها، هل كان بمقدور إسرائيل الإفلات بسهولة من اتفاق أوسلو واجتياح وتدمير كل انجازات السلطة من مطار يحفظ كرامتنا لميناء يقوي اقتصادنا وغيره ...، فالسلطة اليوم لا تمتلك ما كانت تملكه قبل العام 2000 بسبب بسيط ووحيد وهو لجوئنا لانتفاضة مسلحة دون أن نمتلك أدنى مقوماتها أو اقل الحلفاء، وسبب لجوئنا إلى تلك الانتفاضة هو أقلام الكتاب والخطابات النارية التي تجهل معنى استخدام السلاح وترغب في عيش البطولات من خلال الأوهام التي تدغدغ مشاعر وقلوب البسطاء وما أكثرهم في عالمنا الثالث .
هل التنسيق الأمني أصبح المعضلة ووقفها سيحل المشاكل، هل يمكن لأي سلطة قائمة تحت الاحتلال أن تعمل بدون تنسيق امني، هل تستطيع لبنان التي لا تربطها أي علاقة مع إسرائيل ألا تنسق امنيا مع إسرائيل لضبط الحدود بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ؟ هل تستطيع حماس التي لا تعترف بإسرائيل أن تمارس حكم غزة وهي تحت الاحتلال بدون تنسيق امني مع إسرائيل مهما كان شكله ؟
مطلبك بوقف التنسيق الأمني كأنك تطالب السلطة بمحاصرة نفسها والشعب ولانطواء داخل دائرة مغلقة من الاحتلال فهل هذا فيه شيء من الحكمة، فلذلك نعم هو مقدس طالما هناك سلطة تعمل تحت الاحتلال فالتنسيق الأمني مقدس، التنسيق الأمني هو نتيجة طبيعية لقيام سلطة تحت الاحتلال، فالأجدر بك أن تطالب بحل السلطة وتحميل الاحتلال المسؤولية، إن كنت تود وقف التنسيق الأمني.
طبيعي أن تسعى إسرائيل كطرف معادي لنا بتجريد السلطة من كل شيء، ولكن سلطتنا واجهت ذلك باللجوء إلى الشرعية الدولية والتحول من السلطة إلى دولة تحت الاحتلال، وما كانت لتنجح في ذلك لو لا أنها أثبتت للعالم بأنها دولة محبة للسلام وتنبذ العنف.
أصبت في كلامك بان ما تقوم به إسرائيل من عدوان واهانات توجه ضربات لـ فتح أسوء من ضرباتها لحماس، وهنا تكرر إسرائيل نفس سيناريو فخ انتفاضة الـ2000 ولكنك لم تقل لنا لماذا تمارس إسرائيل ذلك مع فتح، فتح التنسيق الأمني المقدس ؟؟ فإسرائيل تضع فتح بين نار المصداقية الشعبية ونار المواجهة المسلحة ووقف التنسيق الأمني ؟؟ ولكن أقول لك هنا بان الرئيس لحكمته وشجاعته مستعد للتضحية بمظهره أمام شعبه مقابل حقن دمائهم والحفاظ على مستقبل ودماء أطفالنا جميعا، وهنا يأتي دور الكتاب والمثقفين في توعية أبناء الشعب بالمخطط الإسرائيلي لا التحريض والمساهمة في إشعال النار التي توضع بينها القيادة الفلسطينية كما تمارس يا أخ هاني في مقالاتك التي تظهر للعامة بأنها بطولية.
تطالب يا أخ هاني بعدم وقف التنسيق المدني الذي يهدف إلى تسهيل حياة المواطنين...، فللعلم لا يوجد تنسيق مدني غير امني، فالإدارة المدنية الإسرائيلية تتبع الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر ولا تتبع وزارة مدنية أو أمنية شبه مدنية كوزارة الداخلية، فالتنسيق في ابسط الشؤون المدنية يتم مع المستوى الأمني الإسرائيلي، أما الالتزام الفلسطيني بنبذ العنف والإرهاب فهو غير مرتبط بالتنسيق الأمني من عدمه، بل هو متطلب تمارسه أي سلطة تريد أن تنجح بفرض سلطتها وقرارها على الأرض، مهما كان شكلها وقد مارسته حماس في غزة دون أن تعلن وجود تنسيق امني.
إن استمرار التنسيق الأمني يجنب شعبنا الدمار، فالأمن والاستقرار يعزز صمود المواطن في أرضه وصراعنا مع إسرائيل هو صراع وجود وبقاء على الأرض والرئيس ابومازن يتحمل التشهير من الكتاب والنقاد والإعلام المسيس ذو الأهداف الخبيثة ليفرض أقصى درجات الأمن ولتوفير أفضل عوامل الصمود والبقاء داخل ارض فلسطين لشعبه، وان الشعب لا يثور على سلطته التي تسعى لتوفير الأمن والاستقرار له، إلا إذا نجحت أدوات الفتنة الإعلامية بتحريضه وتسييره نحو تدمير ذاته بذاته كما هو حاصل فيما سماه البعض بالربيع العربي.