اقتصاد قطاع غزة : الرواتب, الحقيقة الغائبة و عصا موسى السحرية !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

بعد سبع سنوات عجاف مر بها الاقتصاد الفلسطيني , وخصوصا في قطاع غزة والتي تمثلت بحالة من التشوه لكافة الأنشطة الاقتصادية التجارية والإنتاجية على حد السواء, والتي من الصعب على الحكومات الفلسطينية اللاحقة علاجها أو التخفيف من حدتها لتعقيداتها الكثيرة والمتداخلة أحياناً, والتي بلغت الذروة و لحدود تفوق إمكانيات الاقتصاد المتهاوي والفقير وتحديداً تزايد معدلات البطالة لحدود تقترب من 40% في صفوف القوى العاملة وتفاقم حدتها مع وصولها إلى 70% في صفوف الخريجين , هذه المعدلات القياسية وبتجلياتها الاجتماعية المتمثلة بالفقر قد وضعت حد لأي إمكانية للنهوض بالواقع الاقتصادي , فحالات التشوه التي سببتها سنوات الانقسام السياسي السبع هي امتداد لحالة التشوه التي بدأ يتعرض لها الاقتصاد منذ إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 على أثر توقيع منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاق أوسلو المرحلي مع إسرائيل , تشوهات في الإنتاج والاستهلاك وطالت كافة مناحي الحياة بقطاع غزة, فبعد توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي والذي ينظم العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل من جهة والعالم الخارجي من جهة أخرى, وخلال عشرين عام مضت وطبيعة الاقتصاد الفلسطيني تتمحور في قضيتين أساسيتين وهي التبعية للاقتصاد الإسرائيلي وغياب الطابع الإنتاجي والاعتماد المتزايد والمستميت على المساعدات والمنح الخارجية وضريبة القيمة المضافة والمعروفة بالمقاصة, وظهر ذلك بوضوح مع تفاقم الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على صرف رواتب موظفيها في بعض السنوات, وعلى الرغم من تزايد حجم المساعدات واقترابها من 20مليار دولار في الأعوام السابقة إلا أن ذلك لم ينجم عنه بناء اقتصاد حقيقي يعتمد على الذات ويزيد من قدرتها الذاتية للاستمرار والنهوض بالواقع, وعند قراءة واقع الاقتصاد الفلسطيني وخصوصا بعد إتمام المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وبروز مشكلة صرف الرواتب وخصوصا لموظفي الحكومة الفلسطينية المقالة بغزة للشهر الثاني على التوالي رغم حالة التفاؤل التي ساد في أوساط الموظفين وخصوصا فيما يتعلق بالأمان الوظيفي , نلاحظ الحقيقية التي غابت عن عدد ليس بالبسيط من الفلسطينيين وهي أن سنوات السبع بغزة والتي تغنى بها البعض بأنها السنوات الأكثر نمواً للاقتصاد وخصوصا عامي 2011-2012 والتي تميزت بذروة عمل أنفاق التهريب مع جمهورية مصر العربية, ومع إغلاقها فتبين أن السنوات ذات المؤشرات الايجابية والوردية أحياناً بقطاع غزة لم تكن حقيقية والوهم هو حلقتها الأساسية فعند النظر إلى عامي 2008-2009 وهي العامين التي أبرزت ظاهرة جديدة وهي طبقة الأثرياء والأغنياء الجدد والتي يتراوح عددهم من 800-600مليونير رغم ذلك فإن معدلات البطالة والفقر كانت هي الأعلى قياساً بالأعوام السابقة للحصار الإسرائيلي فاقت أل 40% , وهذه السنوات بدأت بإنتاج مزيداً من التشوهات بالاقتصاد الفلسطيني والغزي تحديداً حيث تراجع الطابع الإنتاجي لصالح الطابع الاستهلاكي وتحويل غزة لسوق استهلاكي بامتياز , كذلك فشل لخطط التنمية الاقتصادية التي أعدتها الحكومة المقالة بغزة والتي كانت تحاول الوصول إلى اقتصاد مقاوم وتعزيز امكانيات القطاع الزراعي والصناعي وغيرها, ولكن بقي ذلك مجرد أمال وتطلعات تتبخر بعد انتهاء جولة التصويت بالمجلس التشريعي الفلسطيني , وعليه فما جرى وبعد إغلاق الأنفاق من الجانب المصري هو دليل على فقر وريعية ومحدودية امكانيات الاقتصاد بغزة, أما عند التطرق لملف الموظفين فتكمن تشوهات سوق العمل وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على استيعاب مزيداً من العمالة مهما كانت مستوياتها, ويعود ذلك للعجز المستمر في موازنات الحكومات الفلسطينية المتعاقبة والتي تفرز قضية أساسية وهي غياب الرؤى الاقتصادية للحكومات وتزايد أخطاءها والذي دفع فاتورتها الآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل وخصوصا في قطاع غزة, وعليه فإن ما جرى بقطاع غزة هو عبارة عن كارثة بكافة المقاييس ولا يوجد أدنى أمل في الخروج من هذه الأزمة في الأمدين القصير والمتوسط, كون أن المؤشرات الكلية السلبية قد تفاقمت وخصوصا مع بدء العام 2014 حيث شهدت أسواق قطاع غزة حالة من الركود الاقتصادي وخصوصا في شهور الرمادة والقحط الست الأخيرة رافقه تراجع القوة الشرائية لآلاف من الأسر الغزية و تدني مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والعنوسة والطلاق وتزايد ظاهرة عمالة الأطفال والباعة المتجولون والثابتون , وكذلك الأسواق شبه الخاوية من روادها, وشوارع ممثلة بالخريجين على الطرقات يمتلكون رصيد هائل يملأ الدنيا من الإحباط واليأس, وفي حال استمرار أزمة صرف الرواتب لموظفي قطاع غزة وإغلاق البنوك فإن الاقتصاد بغزة والمحتضر بالأساس سيدخل بمراحل جديدة من العناية المكثفة وعلى أجهزة التنفس الاصطناعي ( المساعدات والمنح الخارجية+ ضريبة القيمة المضافة), وسيرتب على ذلك تراجع النمو الاقتصادي وانخفاض حجم الطلب الكلي الفعال بشقيه الاستهلاكي والاستثماري, لذي فإن لإغلاق البنوك ومنع صرف الرواتب والتراشق الإعلامي الموجود وحالة عدم التأكد والغموض الذي يشوب اتفاق الشاطئ فيما يتعلق بالرواتب يزيد من المشكلات المتفاقمة ويكشف جزءاً من المستور حيث الضبابية في موارد الحكومة المقالة التي كانت تدفع لموظفيها رغم معاناتها من العجز بشكل سنوي وعدم الإفصاح عن بياناتها السنوية وعن عوائد الأنفاق وحجم المساعدات التي تحصل عليها ومصادر التمويل, فعند النظر بموازنة الحكومة المقالة للعام 2014 فقد بلغ إجمالي النفقات 784 مليون دولار وبلغت الإيرادات المتوقعة 195مليون دولار وبعجز بلغ 589 مليون , وكذلك موازنة الحكومة الفلسطينية للعام 2014 فقد بلغت 4.1 مليار دولار وبعجز بلغ 1.8 مليار دولار يتم تغطيته عبر المساعدات الخارجية, وبهذا العجز في كلا الحكومتين ومحدودية الموارد المتاحة واعتماد كليهما على المساعدات الخارجية فإن ذلك يضع العديد من التساؤلات لمتخذ القرار السياسي والاقتصادي الفلسطيني ومنها هل هناك قدرة للحكومة الفلسطينية التوافقية في اعتماد موازنتي حكومتا الانقسام, وهي البدائل المتاحة في حال إذا ما تم الاتفاق وبشكل نهائي على دمج موظفي الحكومتين في حكومة واحدة , ففي ظل ذلك ومع تفاقم عجز الموازنة المتوقع وثبات حجم المنح والمساعدات وامكانية تقديم شبكة آمان عربية, يبقى لنا أن نشتق دروس الأمس ونبحث جيداً عن الوسائل والإجراءات الواجب اتباعها لزيادة القدرة الذاتية للاقتصاد وهي ضرورة ترشيد النفقات العامة وتوسيع القاعدة الضريبية وخصوصاً على الشركات الكبيرة وعلى الأرباح , إضافة لخفض العجز في الموازنة ودعم قطاعي الزراعة والصناعة ورفع مستويات الصحة والتعليم , والعمل على إعداد خطط اقتصادية تضع في المقام الأول تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على المعضلة الأكثر تأثيراً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي وهي الفقر, وفرض ضرائب تصاعدية ووضع حد أدنى وأقصى للرواتب , وأن ألا تؤثر أي سياسة اقتصادية متبعة على الشق الاجتماعي , مع الأخذ بعين الاعتبار للوضع الاقتصادي الصعب للآلاف من الأسر الفلسطينية.
وفي الختام فإن حل المشكلة الاقتصادية بقطاع غزة بحاجة لعصا موسى السحرية ولمعجزة ربانية , وتبقى كل الخطط المتوقع إنجازها في السنوات القليلة القادمة ما هي إلا إبر تخديرية وحقن تقليدية ما لم يتم العمل على إلغاء التشوهات التي حدثت عبر البحث عن أمهر الجراحين بعيداً عن تدخل البعض وبعيداً عن أي امكانية لحدوث أي تزاوج كاثوليكي كما حدث في السنوات الماضية .