غريب الصمت العربي والدولي في تعامله مع القضية الفلسطينية، حول العدوان المستمر على الشعب الفلسطيتي، ومن يسمع تصريحات القادة والزعماء العرب ،يعتقد انه أمام دول عربية غير تلك التي تعاملت مع الأحداث المنطقة، كانت قوية ،شرسة ،سريعة في عقد القمم وفي اتخاذ القرارات التي تنفذ قبل أن تُتَخذ، سريعة في إرسال المال والسلاح ضد دول المنطقة،موظفة كل إمكانياتها المالية والدبلوماسية في تحريض مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية وحثهما على إصدار قرارات عقابية ضد سوريا، أما في الحالة الفلسطينية فبدت مستكينة ضعيفة عاجزة لا حول لها ولا قوة، مع أن الشعب الفلسطيني كان وما زال أسدا جسورا في مواجهة العدوان والاحتلال الصهيوني، وهو يستحق كل دعم ومساندة، حيث يقاتل الشعب الفلسطيني من أجل الحرية وضد الاحتلال ، ماذا ينتظر القادة العرب حتى يتحركوا لمساندة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لمجازر على يد العدو الصهيوني ،وماذا ينتظرون للتحرك لإنقاذ القدس التي تهود والمقدسات التي تدنس في الضفة الفلسطينية ،أين وقفتهم الاحتجاجية في العواصم العربية بمساندة للشعب الفلسطيني .
وهنا السؤال الاساسي ، ما الفرق بين الارهاب الصهيوني والارهاب التكفيري الذي بضرب المنطقة ، هل هو لقطع الطريق على المظاهرات والمسيرات وتحرك الشارع ، وعلينا التذكير بأن هذه الحرب العدوانية التي تشنها قوات الاحتلال في توظيف ذرائعها وحججها المتمحورة حول البحث عن ثلاثة من قطعان مستوطنيه اختفوا أو أخفوا هي مفارقة خطيرة تستدعي التوقف عندها، في ظل تزايد النفوذ الأمريكي الاستعماري في المنطقة العربية من خلال اشعال نار الفتن ، بينما تتزاوى اهداف واضحة في أجندة الاحتلال الإسرائيلي تتمثل في المزاوجة بين الاغتيال والاعتقال والزج بالشعب الفلسطيني إما في المعتقلات التابعة للاحتلال أو سجنه ومحاصرته داخل المنازل ومنعه من ممارسة نشاطه وحياته اليومية المعتادة، وكذلك تتمثل في ضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية بصورة ممنهجة، حيث يجري تهشيم ما بدا من الوصول لانهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس باتفاق المصالحة الذي وقع مؤخرا في مخيم الشاطىء بغزة ، فالشعب الفلسطيني لا يتردد في قول الحقيقة لأن فلسطين أكبر من كل الأيديولوجيات ومن كل الملايين ، وهي ملايين لا تعادل قيمة طائرة خاصة من طائرات أمير أو ملك ، كما لا عذر للعرب بأنهم منشغلون بأوضاعهم الداخلية ،فالعدوان على الشعب الفلسطيني عمره ستة وستون عاما ،وكما يقول المثل لو بدها تشتي لغيمت .
وامام كل ذلك لماذا لم يصرحوا العرب شعوبهم بالحقيقية حول تناغم الارهاب ، وهذا ما يؤكد حقيقة أن الأعاصير التي تجتاح المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات تحت ما يسمى الربيع العربي إنما كانت ربيعاً صهيونياً استعماريا, إلا أن صمود قوى المقاومة في وجه أطراف التناحر والعدوان قد أرغم المخرج والممثلين والكومبارس والمقيمين في الكواليس المعتمة على خلع الأقنعة والتكشير عن أنياب الإرهاب التكفيري وإطلاق عنانه في جميع دول المنطقة لأحداث الاضطراب المطلوب, بدليل أن هذا الإرهاب التكفيري الذي يتخذ من الإسلام إزاراً وواجهة لاجتياح المنطقة لم يقم بأي عملية مركبة أو بسيطة أو عادية ضد الكيان الصهيوني ، ولهذا لن تتم مطاردة ما يسمى “داعش” وتوابعها إلا بعد أن يتحقق ما يسعى إليه الراسمون لخريطة المنطقة، حيث بوصل دول بالمنطقة جغرافيًّا مقابل عزل أخرى وفق ما تقتضيه لعبة الاستعمار والهيمنة على المنطقة.
وفي ظل هذه الظروف نقول بقول وضوح ان بعض الانظمة العربية اصبحت مرتهنة ارادتها عند الادارة الامريكية تقول لهم إن إسرائيل خط احمر فلا تتجاوزوه، والحفاظ على أمن الكيان الصهيوني يتصدر سلم اهتمامات الإدارات الأمريكية, وبكل تأكيد هذا الالتزام ينسجم ورؤية تل أبيب لأنه يضمن استمرار الوضع القائم على احتلال الأراضي ومصادرة الحقوق الفلسطينية والعربية خارج قرارات الشرعية الدولية , كما يعني التنكر لحق العودة ولكل ما له علاقة بعروبة القدس والعمل على فرض" الدولة اليهودية" أي تشويه التاريخ والجغرافيا والحقائق القائمة دفعة واحدة وفرض سياسة الأمر الواقع.
الولايات المتحدة الأمريكية تقود مشروع الهيمنة وبسط النفوذ والسيطرة ، أما مملكات النفط ومشيخات الغاز فليست أكثر من واجهات أمريكية – صهيونية تنفذ ما يملى عليها من أوامر وتعليمات ،في وقت تأسر جكومة الاحتلال المئات او الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني اطفلا ورجالا ونساء فهذا امر مشروع، بدلا من موقف في مواجهة التهديدات الهمجية والاجرامية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، وأبرز هذه الانتهاكات ما تتعرض له العديد من العائلات اثناء المداهمات حيث ان النساء تتعرض الى عمليات الإجهاض المقصودة، فدولة الاحتلال ترى في كل مولود عدوا منافيا يجب قتله، هذا عدا ما تتعرض له العديد من النساء والطالبات من الإهانات بالضرب والشتم.
تعود القضية الفلسطينية الى الواجهة بقوة هذه الأيام ، حيث يسجل الشعب الفلسطيني بصموده وعطائه وتقديمه للشهداء ومعركة اسرى الامعاء الخاوية في سجون الاحتلال ،مرشحة للتوسع ،ولا يبدو ولا ننتظر موقف عربي يكون بمستوى التضحيات ،وان المعركة التي تخوضها القيادة الفلسطينية في انحاء العالم يجب ان تتزامن مع وقف التنسيق الامني فورا ودون تردد لان الاحتلال يريد تحويل السلطة الى وكيلا امنيا له بدل ان تكون مدافعا عن حقوق شعبها ، وتوحيد الجهود وتكثيف الضغوطات على المجتمع الدولي بكافة هيئاته لحثه على التحرك لوضع حد للإرهاب المنظم الذي تمارسه سلطات الاحتلال البوليسية والسياسية الشعب الفلسطيني، بل يجب أن نضيئ على العالم ليرى نفسه ويرى أطفال فلسطين لفضح الممارسات الإسرائيلية ونقلها إلى محاكم عالمية وفي مقدمتها محكمة الجنائية الدولية في روما ، وهذه الخطوة الأولى التي ستسهم بشكل حقيقي بوضع حد للإجرام والإرهاب الإسرائيلي كما ستضمن عدم إفلات أي قادة الاحتلال على ما ارتكبه من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان في فلسطين.
لا يمكن إنكار الدور الذي تقوم به القيادة الفلسطينية على المستوى الخارجي لوقف الهجمة العدوانية،هذه الهجمة التي كانت أقرب إلى جس النبض منها للحرب الشاملة واسعة النطاق، وقد جس الصهاينة نبض الشعب، ونبض النظام الرسمي العربي، والأهم من كل ذلك كانت هذه الهجمة رسالة للفلسطينيين والعرب للقبول بالشروط التي أطلقها جون كيري وزير الخارجية الأميركي حول وضع الضفة وغور الأردن، وربما بهدف جعل الموانئ الإسرائيلية الرئة التي سيتنفس منها الأردنيون والفلسطينيون، بالإضافة إلى تأمين وصول أنبوب النفط من كركوك حيث تمكن الأكراد مؤخرًا من تسليم كيان الاحتلال الصهيوني أول شحنة من حقول النفط المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان.
ان جوع الأسرى المتواصل، الواقفين الآن بين الحياة والممات، المكبلين بالسلاسل والبرودة وأشباح الفزع، الصامتين مع أرواحهم يستعدون للكلام بعد قليل أو للسكوت بعد قليل أيضا، يخرجون من أجسادهم ويسبحون ذرات في الكون كما لو كانوا يطيرون. يرون الضوء ابيض، والهواء ابيض وينتظرون أن يصعدوا ثم يصعدوا كي يروا أن الفراغ ليس فراغاً، وان أقدامهم تسير على ارض يابسة تقع بين الأرض والسماء تسمى فلسطين.
الأسرى يفتحون أفقا آخر تجاوز جدران السجن، وتعدى نظام الحواجز والفصل العنصري، واظهر استحالة العيش مع الاحتلال وبلا كرامة، يقولون بصوت يشبه صوت الشهداء وهم يعلقون اضرابهم بعد ثلاثة وستون يوما ، ويقولون إننا لا زلنا نملك الأمل، نقطع المسافة من الزنزانة الضيقة إلى رحاب المكان والزمان الذي اخترناه نحن،ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، هو كان صوت انتفاضة الأسرى في سجونهم ومعسكراتهم،لقد حان الوقت لحماية الاسرى البواسل والاسيرات الماجدات باعتبارهم أسرى حرب، ومناضلون من اجل الحرية، وان انكسار الأسير تحت بساطير السجانين هو هزيمة للثقافة الإنسانية والعدالة الكونية وكل ما صدر عنها من شرائع ومبادئ لحماية حقوق الإنسان.
نعم المطلوب اليوم وقفة فلسطينية في إطار وحدة القضية والشعب وحتى تبقى شرارة النضال مستمرة بمواجهة الاحتلال، وأي تخوين وتشويه للوطنيين او استعداء ابناء الأجهزة الأمنية يصب فقط في مصلحة اعداء الشعب الفلسطيني، هذا الشعب العظيم يريد استنهاض كل قواه من اجل انتفاضة شعبية تقارع الاحتلال، ولتكن ثورة ، وهذا الشيئ يحتاج الى مصالحة وتوحيد الشعب في الضفة وغزة والشتات باعتبار ذلك ضرورة وطنية ، وان طالت الطريق وعظمت التضحيات، وهذا يستدعي أيضاً ان نرفع سقف عملنا من أجل فلسطين إذا أردنا أن نفهم الجذر الحقيقي لعدم اندلاع انتفاضة جديدة حتى الآن، علينا التوقف أمام عدم التناسب ما بين التضحيات الغالية والمكاسب المتحققة، وإذا وجدنا حلا لهذه المعضلة سنمسك بمفتاح الانتفاضة القادمة، فعلى الرغم من الصراع والحروب والمجازر والدمار والموت لا يزال الشعب الفلسطيني متمسكًا بأرضه، ومستعدًا للكفاح، ومصممًا على تحقيق أهدافه الوطنية
ختاما : لا بد من القول اليوم يعبر الشعب الفلسطيني عن ارادنه ويخرج من حالة الإحباط واليأس ، ويتطلع إلى الدعم والعمق العربي، وهو متمسك بحقوقه الوطنية المشروعه ومقاومته الشعبية الشاملة، كخط إستراتيجي لتحرير الأرض كاملة، لأن ثقافة أن صراعنا صراع وجود بدأ يسري و يتجذر في نفوس الشعب و لأن الشعوب الحرة حينما تختار طريق النضال الذي لا يمكن ان تنتهي سوى بتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.
كاتب سياسي