في زمن انحراف بوصلة الانظمة العربية عن وجهتها المفترضة والتئام القمم العربية لغرض التفريق لا التوحيد، ما تزال المخاطر مستمرة وهي تستدعي اليقظة والحذر والتعاون بين جميع الأطراف اللبنانية رغم جميع الاختلافات السياسية الكامنة والظاهرة ، بعد ان أثبت الامن العام اللبناني ومعه المؤسسات الامنيه أنها الحارس الأمين للسلم الأهلي وللوحدة الوطنية وللاستقرار وما قدمته من شهداء في مجابهة الإرهاب التكفيري من أجل شعبهم وبلادهم.
وهنا نسأل اين العرب مما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ارهاب منظم من قبل الكيان الصهيوني ، حيث ترتكب حكومة الاحتلال الجرائم تلو الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ، بينما يظهر الشعب الفلسطيني وبشكل لا يقبل الشك أو التأويل، أن إرادته الوطنية وتوقه للحرية والاستقلال، أقوى من كل هذه الإجراءات الفاشية، وأنه لم يعد بمقدوره الاستمرار في الخضوع لشروط الاحتلال المذلة، وليس بمقدوره العودة للقبول بها، مهما غلت وتعاظمت التضحيات.
وامام الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تقف المنطقة امام تطورات ولحظات تهدد وحدتها ونسيجها الاجتماعي و كياناتها، مما يتطلب الارتفاع الى مستوى التحديات، والترفع عن صغائر الامور والحساسيات والانطلاق العاجل والتوجه الجاد نحو شحذ الهمم، بمواجهة قوى الارهاب التكفيري المرتبطة مع الارهاب الصهيوني وفق المخطط الامبريالي الاستعماري الهادف الى رسم سايكس بيكو جديد من خلال تعميم الفوضى الخلاقة الذي يعمل على زرع نار الفتنة المذهبية من خلال تحريض وتغرير الشباب وتزوير وغسل ادمغتهم.
ان ما يجري اليوم لم يكن وليدة صدفة لانه من افرازات التحالف الصهيوأمريكي، وهذا ما حذرنا منه بعد احتلال العراق وبعد السطو على ثورتي تونس ومصر تحت تحويل ما يسمى الربيع العربي على امتداد الجغرافية العربية ، لانه كان الهدف واضحا لكل من أحكم عقله في قراءة المشهد السياسي للعالم العربي، مع تقدم الإسلام السياسي الرجعي وفق هدف استعماري صهيوني يفقد العرب ودولهم الوطنية كل المقومات ومكونات الوجود ويجعل من الكيان الصهيوني القوة الحقيقية والوحيدة المهيمنة في المنطقة.
ومع صمود قوى المقاومة في المنطقة بوجه المؤامرة ومع نهوض مصر من جديد إلى واجهة العمل العربي المقاوم كان لابد لأنظمة متواطئة أن تضرب هذا النهوض عبر تفعيل دور المجموعات الإرهابية المسلحة على مختلف مسمياتها.
ان محاربة الارهاب لا يكون إلا بالتأكيد على تلاقي الأديان والمذاهب وبالإنفتاح وبإطلاق العنان للغة الحوار، ويتطلب وقفة مسؤولة وجريئة في وجه من يعملون على تصعيد لغة التحريض على مستوى المنطقة ككل.
ومن هنا لم نتفاجأ باصوات المنتقدين لما تقوم به القوى الامنية اللبنانية من جيش وامن عام وامن داخلي ومقاومة بهدف الوصول لرغبتهم بشق الصف الوطني اللبناني ، ولم يتطلعون الى الاخطار التي تهدد الشعب اللبناني والشعوب العربية ، وما يجري في العراق وسوريا وفلسطين ، وهذا لمصلحة العدو الصهيوني ، فقد نسى هؤلاء حقيقة يتجاهلها مثقفو البترودولار والمطارات ، ان مواجهة قوى الظلام والتكفير والإرهاب يستهدف الجميع وهو لا دين ولا مذهب ولا جنسيه له، ويريد الاجهاز على كل شيئ في المنطقة والرجوع بها الى ايام الاستبداد والطغيان والظلامية.
ان الارهاب عدو للجميع، فعلى كافة الشعوب على اختلاف قومياتها وطوائفها واديانها ومذاهبها، ومنطلقاتها الفكرية والسياسية، ادراك حقيقة المخاطر، والحذر من الوقوع في ما تخطط له الدوائر الامبريالية والاستعمارية وقوى الارهاب المتمثله بداعش ومن يقف خلفها، انما يستهدفون دولنا من خلال زعزعة الوحدة الوطنية واثارة الفتنة الطائفية والنعرات المذهبية الضيقة والشوفينية.
ان ما نراه من اعمال ارهابيه هي في موقع الشريك للاحتلال، الإرهاب الذي يجاهر بإفلاسه وعجزه، يبدو أكثر حقداً وأكثر توحشاً في لغة اعتادت أن تكون أجنداتها الإلغاء، ومفرداتها القتل الأعمى والحقد غير المسبوق، على الوطن والأرض ، على الإنسان والحجر، على البناء والشجر، على الأمكنة والزمن، على الحياة والوجود.
هذه اجساد جنود الامن العام والجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي ، خطوط ترتسم بالأحمر لتعانق الأرض ، هذه إلارادة تجاوزت الاختبارات الصعبة، وستتجاوز ما هو أصعب، وتلك هي معركة المواجهة من اجل استئصال هذه القوى الارهابية التكفيرية ، وحتى نقطع دابر ما صدّروه، وما يحاولون اليوم أن يوطنوه في تربة ترفضه، وفي وطن سينبذهم، كما نبذ من سبقهم، وكما طرد من حاول في الماضي ان يمتد بأطماعه، ويعاود استنبات تلك الأطماع بصورة أبشع.
وإذا كان التاريخ لا يذكر أن إرهاباً قهر شعباً، مما يفرض علينا ضرورة وضع استراتيجيات جامعة تعمل على تكاتف جميع الدول فى مواجهة هذه الظاهرة، ولعل فيما يواجه لبنان الآن من تحديات الأمر الذى يستوجب سرعة إنجاز خطوات جدية لمجابهة هذه المخاطر التي تهدد الامن والاستقرار، ومواجهة الغزو الفكري الذي تتعرض له المنطقة.
ان قوى التكفير والإرهاب هي أداة العدوان الاستعماري التي تتعرض له المنطقة ، وان المستفيد الوحيد مما يجري هو القوى الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف زعزعة أمن لبنان وشعبه ، مما يتطلب تحصين الساحة الوطنية من مروجي الفتن المذهبية، فلبنان اليوم يدافع عن وحدته بمواجهة بلاء الإرهاب كما يدافع جميع شعوب العالم .
وامام كل ذلك نقول ان الموقف الفلسطيني الشجاع بالحياد الإيجابي المنحاز للسلم الأهلي، شكل وما زال يشكل بوصله صحيحه ، لان الفلسطينيون اتجاهم نحو فلسطين هي قبلة الثوار وفلسطين هي المبتغى وهي الغاية وهي الهدف ، ونحن على ثقة بان كل القوى والفصائل الفلسطينية ستواجه هذه المشاريع التي تريد ضرب النسيج الإجتماعي والتي ترغب بزرع بذور الفتنة على هذه الارض المقاومة التي لم ترضخ للقتل والتدمير الممنهج .
أن المعركة في مواجهة الارهاب باتت مفتوحة بعدما تمادى هذا الارهاب في مسلسله الدموي في استهداف لبنان لقتل الحياة على أرضه، إلا أنه رغم أن لبنان في قلب العاصفة التي تهب على المنطقة التي تغلي على صفيح ساخن، فأن التصدي لهذا الاجرام ومخططاته من خلال الجيش اللبناني والقوى الامنية شكل نموذجا وطنيا كبيرا .
وفي ظل هذه الظروف نوجه التحية الى الامن العام اللبناني الذي واجه ضباطه وعناصره بصدورهم كرة النار الملتهبة في فندق دي روي وتمكنوا من احباط عملية ارهابية كانت تدبر لمنطقة لبنانية، بعدما تمكن قبل ذلك المفتش الثاني في الامن العام عبد الكريم حدرج من افتداء لبنان بدمه وافشال اهداف العملية الانتحارية في الطيونة، ولا ننسى دور المؤهل في قوى الامن الداخلي مصطفى جمال الدين الذي سقط فداء للبنان في ضهر البيدر ، وهذا ما يؤكد على الدور الكبير الذي يقوم به الامن العام اللبناني وعلى راسه مدير الامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يعمل ليلا ونهارا من اجل الحفاظ على امن واستقرار لبنان و ترسيخ العلاقات اللبنانية – الفلسطينية ،فلا بد من الإقرار للواء عباس إبراهيم بأنه أعاد الى الأمن العام ليس فقط دوره الأمني الوطني الكبير، بل أيضاً مهابته ، والأهم محبة الناس، وهذا يدعو الجميع الى تثمين دور الاجهزة الامنية لدرء كل الأخطار المحدقة الذي يتعرض لها لبنان من خلال كشف الارهابين قبل تحقيق اهدافهم هو دليل على قدرة هذه القوى في حماية لبنان وتفكيك الشبكات الارهابية والتصدي لكل العابثين بأمنه واستقراره ، وهنا لا بد من توجيه التحية لشهداء الأمن العام والجيش اللبناني والأمن الداخلي الذين واجهوا بصدورهم كرة الارهاب المتنقلة وفي سبيل حماية لبنان وشعبه واستقراره .
أن الواجب الوطني والقومي والأخلاقي يفرض على الدول العربية تشكيل جبهة عربية عريضة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود والأوطان في كل مكان وكشف فظائع الإرهابيين وتسليط الأضواء على إجرامهم وتبادل المعلومات والتنسيق والتعاون بين الجميع لمواجهة مشاريع التفتيت، ومتابعة تطورات الأحداث في فلسطين من خلال رسم استراتيجية لمواجهة الإرهاب والتكفير والعدو الصهيوني، فالخروج من حالة العجز والتخاذل والانهيار التي يعيشها النظام العربي باتت تفرض على فصائل وقوى واحزاب حركة التحرر الوطني العربية وضع مهمة الخروج من نفق الأزمة التي تعيشها ووضع خطة مدروسة على رأس جدول أولوياتها.
ختاما : لا بد من القول ان قدر لبنان مواجهة الارهاب التكفيري انطلاقاً من مبدأ ترسيخ الوحدة الوطنية والعمل الحثيث لتخليص لبنان من نتائجه المدمّرة والتحرّك بصورة تجعل من مقاومة الإرهاب ضرورة وطنية قوية قادرة على الصمود، من خلال رص الصفوف بعيداً عن العصبيات المذهبية ، والحفاظ على انتصارات المقاومة التي اقتدت بتجارب الشعوب الثورية، إلى جانب ماتتمتع به من خصائص لبنانية عربية ، وطنية واسلامية ، وقدر فلسطين وشعبها أن يلازمهما على الدوام الحصاد الدموي المستمر والمتواصل. فالإرهاب الصهيوني بشتى أشكاله وصوره الهمجية مستمر ومتواصل بحقد وشراسه، وشلال العطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان والقضية بشتى أشكاله وصوره النبيلة والمشرفة مستمر ومتواصل بغزارة هو الآخر، ولنا في كل يوم وأحياناً كثيرة في كل ساعة أو دقيقة شهيد إلى أن تتحقق العودة ويتحقق حلم الشعب الفلسطيني باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.