من يقدس الموت يا سيد نتنياهو؟

بقلم: نبيل عودة

 




قارن رئيس الحكومة نتنياهو أمس (على أثر الجريمة العنصرية بقتل الفتى العربي في القدس) بين العرب واليهود، وقرر حسب رؤيته الشبه الهية: "هناك فجوة اخلاقية واسعة وعميقة تفصل بيننا وبين اعدائنا : هم يقدسون الموت ونحن نقدس الحياة، هم يقدسون القساوة ونحن نقدس الرحمة."
بالطبع وسائل اعلام نتنياهو تحاول اختلاق نظريات تبريرية عن مقتل الفتى الفلسطيني ، مرة بسبب "شرف العائلة" مرة بالقول انه "مثلي الجنس" وان قتله كان على قاعدة جنحة وليس قتلا عنصريا على ايدي سوائب منفلتة ترى ان "العربي الميت هو العربي الجيد". والمؤسف ان التحقيق بمقتل الفتى العربي لا يجري بالسرعة المطلوبة ولا بالشفافية الضرورية التي تعني ان هناك محاولات ، تعودنا عليها ، لإيجاد تبريرات تقلل من بشاعة الجريمة العنصرية.
كان واضحا من الساعة الأولى انه توجد ادلة عديدة تسهل الوصول الى القتلة.. او الى اسباب قتل فتى فلسطيني. لكن بظل "عجز" قوى الأمن في الوصول الى منفذي الجريمة تترك كل الاحتمالات التي يسوقها لنا الاعلام الاسرائيلي ، خاصة المجند منه، كنوع من التغطية على الجريمة ، هذا اذا "نجحت" قوى الأمن في الوصول الى كشف الأيدي الآثمة وراء خطف وقتل فتي فلسطيني.. هذا ما تعلمناه من تجربتنا مع عصابات "تدفيع الثمن" التي تعيث فسادا وقتلا وتدميرا، بظل "عجز" متواصل من اقوى امن واقوى جهاز شرطة في الشرق الأوسط ومن اقوى أجهزة المخابرات في العالم في الوصول الى طرف خيط يقود لكشف الوجه الإجرامي البشع لعنصريي تدفيع الثمن.. لأنه قد ينكشف ان وراءهم قوى من المربك لإسرائيل الكشف عنها؟!
لا بد من سؤال: هل يظن رئيس الحكومة الموقر ان عصابات "تدفيع الثمن" هي ضمن مجموعته الأخلاقية..؟ يقدسون الحياة ..؟يقدسون الرحمة..؟ ماذا يقول سعادته عما كتبه مدير عام حركة "بني عكيفا" العالمية، الرابي نوعم فارل بتغريدته على موقعه في الفيسبوك، التي طلب فيها الإنتقام من مقتل الفتيان اليهود الثلاثة بأن "يُحول الجيش الذي بحث عن الفتيان المختطفين الى جيش منتقمين" وان "الآذان يجب ان تصم عن سماع الفلسطينيين"؟!
نذكر بالتاريخ غير البعيد حالة مشابهة لدعوة الرابي (وكيل السماء على الأرض) لتحويل جيش دولة الى جيش منتقمين كما جرى في "ليلة الكريستال" المشؤومة في عاصمة الرايخ الثالث ، وما تبعها من جرائم يندى لها جبين البشرية حتى اليوم، وارجو ان يندى جبين نتنياهو وحكومته واليمين العنصري كله مما يجري من جرائم بحق الفلسطينيين في المناطق المحتلة والأقلية العربية في اسرائيل بظل عجز مثير للضحك، لولا الألم الذي يملأ صدورنا!!
كتب الرابي نوعم فارل أيضا في تغريدته الفيسبوكية :"شعبا بأكمله والاف سنوات التاريخ تطالب بالانتقام". وكتب:" بدماء العدو يكفر عن الاحتقار وليس بدموعهم فقط". ودعا حكومة اسرائيل ان تتمتع بالإرادة لتستعيد روح قتال "البالماخ" (البالماخ- فرق الصدام- هي القوة العسكرية "للهجاناة"-جيش الدفاع- التي نشطت في فلسطين بين 1941 - 1948 الذي اطلق على نفسه اسم الجيش العبري للدولة اليهودية التي كان يجري التحضير لإقامتها)
ليس من الصعب ان يصل المراقب للمشهد السياسي والأمني في اسرائيل ولما يجري في الحكومة المصغرة للشؤون الأمنية والسياسية، ان هناك فقدان للسيطرة على التطورات. هذا يبرز في الابحاث الأمنية والسياسية للحكومة المصغرة التي تشير ، حسب مراقبين واعلاميين يهود ايضا، الى عدم مهنية وفجوة كبيرة بين ادارة الأبحاث والقدرة على السيطرة على الأحداث نفسها.
لا اعرف لماذا جرى تجاهل محاولة خطف طفل فلسطيني في السابعة من عمره (اعلاميا أيضا لم ينشر عن الموضوع) قبل ليلة واحدة من ليلة خطف الفتي الفلسطيني وقتله؟ هل الطفل ابن السابعة كان أيضا مثلي الجنس او متورط بجريمة "شرف العائلة"؟
الشرطة والجيش هاجموا بعنف المحتجين على قتل الشاب الفلسطيني في الوقت الذي تظاهرت اعداد كبيرة من اليهود المحرضين في شوارع القدس ، وطاردوا المواطنين العرب واعتدوا على بعضهم وكانوا يصرخون : "الموت للعرب" و " اليهودي هو روح – الفلسطيني ابن عاهرة". حقا الشرطة اغلقت الطريق ..لمنع اعتداءات اخطر واوسع على العرب المقدسيين.
هل هذه بداية لحملة انتقام تواصل ما بدأت به عصابات تدفيع الثمن، وسنشهد في الأيام القادمة جرائم مروعة بحق الفلسطينيين؟

كم يبدو هزيلا ومثيرا للشفقة رئيس الحكومة نتنياهو بمقارنته الصبيانية بين اخلاقيات اليهود والعرب. هل يعتبر سيادته خطف وقتل فتى عربي من شعفاط ضمن الفجوة الأخلاقية التي تفصل "اليهود الذين يقدسون الحياة" عن الأعداء(الفلسطينيين) " الذين يقدسون الموت"؟ هذه المقارنة جاءت ساقطة وعنصرية (لاسامية ضد العرب).
ليثبت حضرته هذه الفجوة باقتلاع عصابات "تدفيع الثمن" من المشهد الاسرائيلي وليكشف عن قتلة الفتى العربي من شعفاط وليوقف صيد الفتيان الفلسطينيين برصاص جيش الاحتلال .. قبل ان يلقي مقارناته العنصرية.

سانهي مقالي بمقطع مما جاء في كتاب (لننتصر على هتلر) لرئيس الكنيست السابق ابراهام بورغ، لطرح الفرق الاخلاقي بين انسان عقلاني مثل ابراهم بورغ ، مناضل حقيقي من اجل السلام والمساوة واحترام الأخر المختلف، وبين سوائب المستوطنين وعصابات "تدفيع الثمن" و"الموت للعرب" و"العرب ابناء عاهرة". كتب بورغ:

" اسرائيل الثورية الفتية المليئة بالحياة تحولت الى متحدثة باسم الأموات، دولة تتحدث باسم كل اؤلئك غير الموجودين أكثر مما تتحدث باسم كل اؤلئك الموجودين . اذا كان هذا لا يكفي ، الحرب حولتنا ، بدون ارادتنا ، من ظاهرة شاذة لنصبح قاعدة الشواذ نفسه . طريقة حياتنا قتالية مع الجميع ، مع الأصدقاء ومع الأعداء ، قتال مع الخارج وقتال مع الداخل ، يمكن القول ، ليس بتوسع أو بشكل مجازي ، انما بحزن وثقة ، ان الاسرائيلي يفهم فقط ... القوة . هذا الوضع بدأ كحالة استعلائية اسرائيلية امام عجز العرب من التغلب علينا في ساحات الحرب ، واستمر كأثبات للكثير جدا من التصرفات والقناعات السياسية ، التي لا يمكن قبولها في عالم سوي. كل دولة تحتاج الى قوة بدرجة معقولة. الى جانب القوة تحتاج كل دولة ايضا الى سياسة وقدرة نفسية على لجم القوة . لنا توجد قوة . الكثير من القوة وفقط قوة . لا يوجد لنا أي بديل للقوة ، ولا نملك أي فهم أو ارادة عدا ان نجعل القوة تتكلم .. " و اعطاء جيش الدفاع الاسرائيلي لينتصر " . في نهاية الأمر حدث لنا ما يحدث لكل ممارسي العنف والبلطجية في العالم : شوهنا التوراة وشوهنا مفاهيمنا ولم نعد قادرين نحن انفسنا على فهم أي شيء آخر عدا لغة القوة . حتى على مستوى علاقة الزوج بزوجته ، وعلاقة الانسان بصديقة ، وعلاقة الدولة بمواطنيها ، وعلاقة القادة ببعضهم البعض . ان الدولة التي تعيش على حرابها ، والتي تسجد لأمواتها ، نهايتها، كما يبدو ، ان تعيش بحالة طوارئ دائمة ، لأن وجهة نظرها أن الجميع نازيون ، كلهم ألمان ، كلهم عرب ، كلهم يكرهوننا ، والعالم ، بطبيعته ، كان دائما ضدنا..."



[email protected]