غزة لا تعشق الحرب، ولا تكره حياة البشر، ولا يوجد عاقل في غزة يدعو للحرب، ولا توجد امرأة لا يخفق قلبها، حين يلتقي ابنها المقاوم مع عدوه، وليس هنالك من قيادة عسكرية أو سياسية تستعجل المواجهة مع عدوٍ تميل موازين القوة العسكرية التقليدية لصالحه، ولكن حين تقف غزة بين خيار الموت البطيء بفعل الممارسات الإسرائيلية، أو الموت وقوفاً كالأشجار، فمن العار أن تجد في غزة رجلاً يحرص على التهدئة، ويعشق فراش المذلة.
غزة تموت كل يوم بفعل الحصار، وغزة تموت معالمها الحضارية، وتدمر فيها الصناعة والزراعة، وتتوقف فيها عجلة الاقتصاد عن الدوران بفعل تآمر عدو المقاومة مع عدو فلسطين؛ غزة تموت من إهمال السلطة المتعمد، وتذبل رياح أسواقها بفعل قطع الرواتب، وغزة تموت اجتماعياً بفعل ثقافة الأحقاد الجرباء التي أصابت جسد الأمة، وغزة تموت من عدم فتح معبر رفح، وتوسل الناس طريقة سفر، وتموت غزة من غياب حكومة التوافق الوطني، وغياب الكهرباء، وحضور أجواء غير مسبوقة من الحرارة في شهر رمضان، وغزة تموت من اختناق الشوارع بالقهر والفقر والعهر الذي يمارسه بعض الساسة.
وتموت غزة حباً بالضفة الغربية، وتجري مع فتيانها في شوارع شعفاط، وتلهث مع شبابها في صوريف والخليل، وتمتشق المقلاع مع شباب نابلس، وتحرق الإطارات وسط مدينة رام الله، غزة تهيم عشقاً بمخيم بلاطة والدهيشة وجنين وطولكرم، وحلحول، وترتبط غزة وجدانياً مع القدس، ومع مخيم قلنديا والفوار وأريحا وكل قرى الضفة الغربية وفلسطيني 48.
غزة تنبض بالحب وتصنع الموت، غزة تبوس على رأس شباب الضفة الذي تفجر غضباً مقدساً، وفي الوقت نفسه تدوس على رأس التنسيق الأمني الذي انكفأ فعلاً مدنساً.
فمن أجل أطفال غزة ونسائها وشيوخها، ومن أجل شباب الضفة ورجالها وشبابها، ومن أجل القدس ومسجدها وكنائسها، لا للتهدئة مع العدو الإسرائيلي مقابل تهدئة، ونعم لمواصلة إطلاق القذائف التي ترهق وتستفز العدو الإسرائيلي، لا لتهدئة يحرص عليها العدو لأنها تصب في صالحه، ونعم لحرب تفسد عليه خططه الاستراتيجية، نعم لحرب يكون فيها أربعة مليون إسرائيلي مهدداً بالقصف، ويكون فيها ستة ملايين إسرائيلي مهدداً بالاستشهاديين.
نعم لحرب سيطحن فيها فائضُ النخوة فائضَ القوة، حرب ستتسع رقعتها إذا طال الزمان، حرب ستخرج منها غزة منتصرة رغم سعة التضحية، ورغم اختناق المكان.