تواصل إسرائيل حربها ضد الشعب الفلسطيني كمحاولة جديدة لترهيب الفلسطينيين وترويعهم ووأد إنتفاضتهم الجديدة التي إنطلقت عقب جريمة إحراق الفتي محمد خضير من القدس، وقد أطلقت يد المستوطنين للتنكيل بكل فلسطيني يصادفهم في الضفة الغربية بعد أن قامت بتوفير الحماية اللازمة لهم وغض الطرف عمّا يقومون به من أعمال بربرية أقل ما يقال عنها أنها " إرهاب الدولة المنظم" يجري تحت سمع وبصر العالم.
في نفس الوقت شنت حرب بالغة الخطورة على قطاع غزة ، حيث تستخدم الطيران الحربي والمدفعية في قصف المواطنين ومنازلهم وأراضيهم لتوقع عشرات الضحايا بين صفوف المدنيين العزّل معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ كتكرار لجرائمها التي نفذتها خلال عمليتي "الرصاص المصبوب" في العام 2008 و"عامود السحاب" في العام 2012، وغيرهما من أعمال قصف لم تنقطع عن قطاع غزة منذ سنوات، وكأن ما يجري روتين عسكري إسرائيلي ينبغي القبول به كجزء من الحياة اليومية التي يعيشها أهل القطاع.
منذ أن إنتهى وهم مفاوضات التسوية التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" في أبريل 2014 وفشل محاولات تمرير ما عرف " بوثيقة كيري"، كان متوقعاً أن تنطلق شرارة إنتفاضة شعبية كرد طبيعي على سياسات الإحتلال وغياب أفق التسوية السياسية العادلة المستندة إلى حقوق الشعب الفلسطيني، وسقوط رهان الرئيس "عباس" على الموقف الأمريكي بأن يشكل حالة ضغط على إسرائيل لصالح الفلسطينيين، بعد أن تنازل عباس عن شرط وقف الإستيطان لصالح صفقة أسرى لم تكتمل.
هذا الصلف الإسرائيلي وما يرافقه من إنحياز أمريكي لم يكن بحاجة إلى جهد ليتم إكتشافه، بل كان واضحاً عبر مسيرة مفاوضات عمرها أكثر من عشرين سنة إستفادت منها إسرائيل بشكل كبير على حساب الموقف السياسي الفلسطيني، وعلى حساب الجغرافيا الفلسطينية وقد حوّلت جميع مناطق الضفة الغربية إلى معازل متناثرة ومحاطة بجدار للفصل العنصري تظن إسرائيل بأنه حدود الدولة المؤقتة للفلسطينيين.
إسرائيل حاولت الإستفادة قدر المستطاع من مرحلة تاريخية هشّة يعيشها العالم العربي حاضنة الفلسطينيين وأحد أهم أوراق قوتهم، كما تحاول إستغلال فرصة الحالة الفلسطينية الممزقة في ظل حكم الرئيس "عباس" وقيادة العجزة التي أرهقت الشعب الفلسطيني بجملة من الإشغالات السياسية والإقتصادية الداخلية، وتجاهلت كل ما تقوم به إسرائيل على الأرض ولم تتقدم بخطوة واحدة تعيق إسرائيل، وصولاً إلى خطاب الهوان الذي ألقاه "عباس" أمام مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في يونيو الماضي، والذي ترجمه فعلياً على الأرض في رفع درجات التنسيق الأمني مع الإحتلال والمجاهرة بذلك دون أن يندى له جبين، حيث يسكنه وهم أن سرّ بقائه على رأس السلطة الفلسطينية مقترن بمدى تقرّبه من الإحتلال وتقديم الخدمات الأمنية له.
إسرائيل أكثر من يخشى ثورة الشعب الفلسطيني لأنها وبكل بساطة تعتبر شكل من أشكال إعادة تجذير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكشف لحقيقة الواقع الذي حاولت إسرائيل تمريره عبر سنوات السلطة والمفاوضات، فالإنتفاضة الشعبية أقل ما تعنيه تعطيل الإستيطان ورحيل آلاف المستوطنين إلى مدن داخل إسرائيل أكثر أمناً لهم، ورفع تكاليف بقاء المستوطنين المتواجدين في الضفة الغربية بما يتطلبه ذلك من تعزيز الحراسة العسكرية عليهم وتوفير وسائل الأمن، وأكثر ما تعنيه بأن الشعب الفلسطيني أعاد للعالم طرح حقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي – إحتلال وشعب تحت الإحتلال يسعى لتحقيق الإستقلال.
الرئيس "عباس" وفريق العجزة والتنسيق الأمني في المقاطعة ثاني من يخشي ثورة الشعب الفلسطيني وسعى جاهداً لإخماد أي تحرك شعبي ضد الإحتلال، وتجسدت هذه الخشية في خطاباته المختلفة وممارسات أجهزته الأمنية التي قامت بها في أكثر من محافظة في الضفة الغربية، حيث وقفت في مواجهة مع شبان الإنتفاضة كحاجز صد في معظم مناطق التماس مع الإحتلال، لتضع جماهير الشعب الفلسطيني أمام خيارات صعبة من بينها أن تكون المواجهة شاملة ضد أجهزة التنسيق الأمني والإحتلال معاً.
الإنتفاضة الشعبية ستضع نهاية أكيدة لمسلسل الإشغالات وترحيل الأزمات، فهي مرحلة جديدة يخوض غمارها جيل من الفلسطينيين يحذوهم الأمل بمستقبل أفضل، جيل لم تلوثه المصالح الشخصية والحزبية وضاق ذرعاً بكل ما يجري من تفاصيل إساءت للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وأريد منها بقاء الفلسطينيين عبيد ساهرون على حماية المستوطنين وراحة الإحتلال.
تجربة الشعب الفلسطيني على مدار السنوات السابقة كانت غنيّة وكاشفة ومؤلمة، شكلت حالة من الوعي الجماعي سيتصدى لكل محاولات حرف مسار التحرر والإستقلال وإمتطاء صهوة الجماهير لصالح مشاريع شخصية تتقاطع أوتتماهى مع واقع الإحتلال، هذه التجربة تؤهل الشعب لإختيار قيادة أفضل سيفرزها ميدان العمل الوطني، قيادة قادرة على إشتقاق برنامج سياسي وكفاحي وطني يستند إلى موقف الشعب ويستعيد الوجه المشرق للنضال التحرري الفلسطيني وصولاً كنس الإحتلال وقطعان مستوطنيه وكل المتواطئين على قضايا الشعب ومستقبله.