قاعدة زيكيم البحرية
أياً كانت نتائج عملية اقتحام قاعدة زيكيم البحرية الإسرائيلية، من قبل عناصر كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فإنها تعتبر بكل المقاييس العسكرية عمليةً نوعية، واختراقاً خطيراً لأمن الكيان، وعمليةً جديدة مبتكرة، أربكت العدو وأحدثت في مستوياته القيادية السياسية والعسكرية اضطراباً، وجعلته يتحسس الضربات من كل مكان، ويتوقعها من حيث لا يحتسب، وقد اعترف قادة جيش العدو بهذا الخرق، وسلموا بقدرة المقاومة على تجاوز الخطوط الحمراء، وتحدي كل الإجراءات الأمنية.
إذ تمكنت المقاومة الفلسطينية من التسلل خلف خطوط النار، واقتحام واحدة من أكبر القواعد البحرية الحربية الإسرائيلية، في عمليةٍ جديدةٍ غير مسبوقة، ومغامرة ناجحة مدروسة، قامت بها ثلةٌ من مقاومة البحرية، التي كانت تعمل بصمت، وتعد وتجهز بليل، ولا تسلط الضوء على أعمالها، ولا تفضح خططها، ولا تكشف عن نواياها، حتى كانت عمليتها الأولى التي بينت للعدو الصهيوني أن بنك أهداف المقاومة كبير، وأنه يزخر بالأهداف الحيوية والخطيرة، وتلك التي يظنها محصنةً ومنيعة، وعنده الكثير مما رصدته وحددت مكانه استخبارات المقاومة العسكرية، وعينت احداثياته بدقة، ووضعت له الخطط المناسبة، قصفاً أو اقتحاماً، في الوقت المناسب، والظرف المواتي.
قاعدة زيكيم الحربية تقع قريباً من قطاع غزة، وتبعد عن حدوده الشمالية خمسة عشر كيلو متراً، وهي قاعدة تخضع لإجراءاتٍ أمنية مستحكمة جداً، وتحميها طائرات استطلاع، ومناطيد مراقبة، ودورياتٌ راجلة وأخرى محمولة، وهي القاعدة التي تشرف دورياتها الأمنية، وزوارقها الحربية على أعمال التمشيط البحري، وملاحقة الصيادين الفلسطينيين، وإغراق مراكبهم، واعتقالهم والتضييق عليهم، وحرمانهم من حقهم الصيد، وما زالت تضيق عليهم، وتقلص المسافة المسموح للصيادين بدخولها إلى ثلاثة أميالٍ بحرية.
نجاح فرقة الكوماندوز البحرية الفلسطينية في اقتحام قاعدة زيكيم العسكرية، لا تدل على القدرة والكفاءة التي باتت تتحلى بها المقاومة، ولا تشير إلى نوعية العملية وخطورتها، والتحدي الكبير في تجاوز تحصيناتها، والنجاح في الدخول إليها والاشتباك مع عناصرها، وتسجيل إصاباتٍ حقيقية في صفوفها، قتلاً أو إصابة، رعباً أو فزعاً، وغير ذلك مما يمكن أن يقال في وصف عمليةٍ نوعيةٍ ناجحة، تمت خلف خطوط النار ولكن تحت النار، في وقت ذروة الاستنفار، وقمة الجهوزية والاستعداد.
لكن هذه العملية تحمل معها رسالةً واضحة إلى الكيان الصهيوني والعالم كله، أن الفلسطينيين لن يتوقفوا عن المقاومة، ولن يكفوا عن التفكير في وسائل مختلفة، وسبل إبداعية جديدة، من أجل كسر العدو وإلحاق الهزيمة به، وتحرير الأرض واستعادة الحقوق، فهذا وعدٌ قطعه الفلسطينيون على أنفسهم، ولن يضعفهم بطش الاحتلال، ولا غزارة نيرانه، ولا آلياته ودباباته وطائراته، ولن يتمكن باعتداءاته وحروبه من كسر إرادة هذا الشعب الجبار، ومنعه من استمرار المقاومة، ومواصلة الجهاد، حتى يتحقق وعد الله لهم، بالعودة والتحرير، وإنه لجهادُ نصرٍ أو استشهاد.