انها المسافة الزمنية الفاصلة بين الإحباط والأمل، بين الشك واليقين، بين القلق والطمأنينة، بين التراجع والتقدم، وهي كذلك المسافة التي تفصل بين اتفاق التهدئة وإرادة الانتصار.
كي تنتصر يجب أن تمتلك إرادة الانتصار، وهذا ما ثبت من خلال الحروب مع كيان انه لا يفهم الا لغة القوة، فشكلت المقاومة في لبنان نموذجا في ضرب هيبة الجيش الذي لا يقهر ، وكانت انتصارات المقاومة المتتالية منذ العام 2000 مرورا بانتصار تموز 2006 ، والأهم في حرب غزة ان الشعب الفلسطيني امتلك إرادة الانتصار، إرادة الصراع، إرادة المواجهة، إرادة المقاومة، فكان الصمود، وكان التصدي، وكانت المعجزات التي تجسدت فعلاً ، مقاومة قلبت المعادلات وأجهزت على المخططات التي رصدها أعداء الشعب الفلسطيني لتدمير إرادة الحياة ، أي إرادة الصراع من أجل الحرية والتقدم، ومن أجل الاستقلال الحقيقي والحرية الحقيقية حرية شعب اضاء مشاعل الحرية والعودة من خلال دماء واشلاء اطفاله ونسائه وشيوخه ، هذه الدماء التي لن تنطفئ ولن تتوقف مهما تزايدت عدوانية الكيان الصهيوني وحليفته الإمبريالية الامريكية والاستعمارية ، ومهما تزايدت عمالة ما يسمى انفسهم بامراء وملوك العرب واسيادهم الامريكان والصهاينة الذين يتوهمون انهاء القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين ومحاولة فصل غزة عن الوطن الفلسطيني وشطب الهوية الوطنية أو وقف نضال الشعب الفلسطيني .
ها هو قطاع غزة في اليوم الثاني عشره لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء كل المناضلين من ابناءه في كتائب القسام وسرايا القدس وابو على مصطفى وشهداء الاقصى والمقاومة الوطنية وكتائب الشهيد ابو العباس وكتائب الشهيد جهاد جبريل وغيرهم الذين توحدوا في أتون المعركة ضد العدوان الصهيوني مؤكدين بعزائم لا تقهر شعار الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي أنه لا خيار أمامنا سوى استمرار النضال بكافة الاشكال حتى تحقيق الاهداف الوطنية المشروعه في الحرية وتقرير المصير والعودة.
وامام كل ذلك نقول المقاومة الفلسطينية تخوض ملحمة بطولية في مجابهة العدوان الصهيوني ، وها هو كيان العدو يهتز ، بعد فشل العدوان الجوي ومجازره في كسر إرادة الصمود الشعبي داخل القطاع فبداء بالحرب البرية التي ستنتهي بهزيمة جيشه امام ارادة المقاومين ، فهذا الكيان الصهيوني هو آخر استعمار استيطاني على وجه الكرة الأرضية منذ شروع عصبة الأمم في ما سمّي بتصفية الاستعمار القديم، ويحظى بدعم الدول الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة التي وفرت تغطية سياسية كاملة للعدوان على غزة منذ لحظاته الأولى وسوّغت المجازر المرتكبة ضدّ الشعب الفلسطيني بدم بارد مطلق.
نعم غزة اليوم تؤرق مضاجع قادة العدو وجنرالاته وترسانته العسكرية ، والضفة الفلسطينية والقدس تفشل آلته القمعية التي يحاول إرهاب الشعب الفلسطيني بها في كسر شوكة وإرادة المناضلين المتسلحين بالإرادة والتحدي، والإيمان بالنصر تخرج أكثر صلابة وقوة بعد كل ضربة، وتزيد تعملقا، وتترفع غزة مع الضفة على جراحهما فينمو الجرح وينبت صمود وتحدي وإرادة.
هذه الصورة واللوحة لم تخلو من التشوهات السياسية، التي تفرضها الحسابات السياسية، لذلك يجب ان نحذر ان تفرض على المقاومة تهدئة سريعة حسب مواصفات ومقاييس بعض الدول والفصائل ، وتقديم هدنة مجانية غير مشروطة، في ظل ما تمارسه حكومة الاحتلال من عدوان دائم بأشكال مختلفة، فتارة تحاصر غزة وتغرقها في بؤس وظلام، وتارة تغتال القادة والمناضلين او تقوم بالعدوان على الابرياء ، وتمارس أساليبها الهمجية في الضفة الفلسطينية والقدس ، وهذا يستدعي من الجميع ضرورة الالتقاء على قاعدة الالتحام الوطني في تحديد خيارات التهدئة أو الهدنة مع كيان العدو والتي يجب أن تستند إلى نقاط مفصلية أساسية برعاية مصر بوقف كل الاعتداءات الصهيونية ، وفك الحصار عن قطاع غزة بشكل نهائي ووقف اعتقالات الاسرى المحررين والممارسات التعسفية بحق الاسرى في السجون الصهيونية.
ان إدارة الصراع تفرض على جميع المعنيين من الخندق الوطني القومي التعامل مع غزة بجميع مكوّناتها، ورفض اختزالها وخلط الأولويات وبث الضغائن، ففي القطاع شعب صامد ومقاومون وطنيون من كافة فصائل العمل الوطني التي تلعب دوراً وطنياً مقاوما رئيسياً لا يمكن التنكر له، والموقف الواجب والمستحق هو دعم جميع المقاومين في غزة والتضامن مع شعب فلسطين وصموده الأسطوري في القطاع، والسعي إلى تثبيت معادلات الردع في وجه الكيان الصهيوني الذي يخسر في المواجهة الدائرة جميع رهاناته بعد الهزائم التي ألحقتها به منظومة المقاومة في المنطقة، وكلّ تعامل آخر هو انحراف عن المبادئ والقيم القومية والأخلاقية، من غير أن يعني ما تقدم تنحية المناقشة في الاختلاف ، لكن مقاومة العدوان على غزة هي الأولوية الراهنة التي تتخطى ما عداها في هذه الظروف، وكل جهد في غير هذا الاتجاه سيكون هدرا للجهود وحرفا للاهتمام عن المعركة مع العدو.
ان العدوان الاجرامي والمجازر التي ترتكب على مرآى ومسمع العالم بحق الاطفال والنساء والشيوخ في غزة ، حيث لم يرف جفن أو يذرف دمع لهذا الغرب الإستعماري المجرم والمتوحش والمتشدق بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها ،هذا الغرب الإستعماري المسؤول الأول والمباشر عن كل الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني لا يأبه ولا يلتفت لمصير شعب ولا يتعامل معه على أساس انه بشر له حقوق كبقية شعوب العالم،يريد ان يحيا ويعيش في وطن حر ينعم فيه اطفاله بالحرية والأمن والأمان كباقي بني البشر،بل همه وهاجسه الأول توفير الأمن والأمان والحماية لدولة الإحتلال،فامريكا وحلفائها يذرفون الدموع ويزعقون وينعقون رسمياً وشعبياً لمجرد سقوط جريح او قتيل صهيوني، وينعتون الشعب الفلسطيني بأقذع الأوصاف أقلها قتلة وإرهابيون،رغم انهم يخوضون نضالهم وكفاحهم ضد المحتل ووفق ما كفله لهم القانون الدولي من إستخدام لكافة أشكال النضال من اجل نيل حريتهم وإستقلالهم،وهذا الزعيق لا نسمعه منهم،بل نرى صمت مطبق او دعوات لضبط النفس،وإيجاد الحجج والأعذار لكيان العدو في ارتكابه لجرائمه بحق شعبنا الفلسطيني،وليس ذلك فقط بل يقفون في الخندق الدفاعي ضد اي قرارات او عقوبات قد تتخذها او تفرضها عليه المؤسسات الدولية على خلفية تلك الجرائم،لكي تصبح اسرائيل بفعل تلك الحضانة والمظلة والحماية دولة فوق القانون تعربد وتقتل كيفما تشاء وبدون حسيب او رقيب.
ان المشهد الفلسطيني في مواجهة العدوان بدا مخيبا للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة ودول الحليفة لهم ،فقد اظهرت فصائل المقاومة درجة عالية من التلاحم في حضن الصمود الشعبي الفلسطيني الذي اكد التفافه حول المقاومة وحول الهبة الشعبية في الضفة والداخل في وجه التنكيل الصهيوني البربري وما اقترفه جيش الاحتلال وميليشيات المستعمرين الصهاينة من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
ان جهود الوساطه تنشط، من اجل الوصول الى التهدئة ، فالجميع الآن يبحث عن نهاية وحل من خلال وسطاء ، وواضح من الاجواء الاعلامية والسياسية أن شوطا مهما قد تم انجازه لتحقيق الاتفاق بين الطرفين، بنفس المعايير والمكاييل التي تمت فيه الاتفاقات الماضية ، والايام القادمة ستكشف المستور ، رغم الانتصارات التي حققتها المقاومة بكافة فصائلها وقواها ، وتبقى التهدئة بشروط المقاومة بكافة فصائلها ثمرة هامة من ثمار الصمود والمقاومة وهي تراكم عوامل وشروط الانتصار، لأن هذه المعركة لن تكون الأخيرة، ما دام الاحتلال قائماً، وما دامت حكوماته ماضية في استباحتها لكل ما هو فلسطيني، بما لا يترك متسعا لأية إمكانية لتسوية الصراع، ما يعني أن العودة إلى تيه سبع سنوات خلت من تحويل الخلافات الفكرية السياسية في أوساط الشعب الفلسطيني إلى انقسامات بين مكوناته،
ختاما : لا بد من القول المهم بعد هذا المعركة ، وبعد هذا الدم الفلسطيني التي نزف بغزارة من اطفال بعمر زهور الورد ، على مذبح الحرية والعودة، علينا ان نستمر في طريق النضال والكفاح، والعمل من اجل الدفاع عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني، من خلال مغادرة مسار المفاوضات العبثية، كنهج وخيار، ولنبني إستراتيجية جدية تقوم على الصمود والمقاومة، إستراتيجية تعيد الإعتبار للمشروع الوطني،إستراتيجية تلتف حولها كل الوان الطيف السياسي والمجتمعي الفلسطيني، استراتيجية تعيد ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وانهاء حالة الفصل الجغرافي والسياسي بين جناحي الوطن، وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ،على أسس ديمقراطية، لمواجهة المخاطر على الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، ومواصلة النضال بكل اشكاله الكفاحية من اجل حرية شعبنا وحقه في العوده وتقرير المصير على ارض وطنه فلسطين.