غزة تحت النار (38)

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

غزة ستنتصر

غزة ستنتصر بإذن الله، وستهزم العدو وسترد كيده إلى نحره، وستطوي خططه، وستبطل سعيه، وستوقف بغيه، وستفشل هدفه، وستصد اعتداءه، وستواجه جيشه، وستتحدى جنوده، وستنهي خدمة ضباطه، وستعرض قادته للمساءلة والمحاكمة، وستنهي مستقبلهم السياسي والعسكري، إذ سيعاقبون وسيحرمون، وسيقصون وسيستقيلون.

وسيدفع رئيس حكومة الكيان ثمن غيه، وضريبه ظلمه، وسيسقط كما سقط من قبله، ورحل من اعتدى مثله، وسيندم أنه أخطأ وضل، وأنه اتبع السفهاء، وأطاع الرعناء، ولبى نداء الدهماء، ومشى وراء من لا يفهمون في السياسة، ولا يعرفون معنى الإرادة، ولا يقرأون سير الشعوب، ولا يتعلمون من تجارب الحياة.

وستحاصر غزة الكيان، وستجعل من مطاراته صحراء، لا تهبط فيها طائراتٌ ولا تقلع، ولا تحلق في سمائها ولا قريباً من أجوائها، وستقاطعها المزيد من الشركات العالمية، خوفاً أو عقاباً، قلقاً أو غضباً، وسيتجنبها المسافرون، وسيتأخر إليها العائدون، وسيعلق بعيداً عنها كثيرون، ينتظرون ولا يصلون، وسترتفع قيمة التذاكر وكلفة السفر، وسترفع شركات التأمين من أسعارها، أو تتوقف عن تقديم خدماتها.

وسيرحل المستوطنون وسيهربون، وسيتركون مستوطناتهم وبيوتهم، وسيطول مقامهم في الملاجئ أو بعيداً عنها، وسيتخلون عن أحلامهم وطموحاتهم، وسيلقون شعاراتهم خلف ظهورهم، وسيسحبون الثقة من جيشهم، ولن يصدقوا قادة كيانهم، ولا وزراء ورئيس حكومتهم، وسيضنيهم التشرد، وسيتعبهم الهروب، وستعطل برامجهم الصواريخُ، وتجمد أنشطتهم المعاركُ، وستتوقف حياتهم إلا عن البحث عن الأمن والسلامة.

وستثبت الأيام القليلة القادمة أن غزة ستنتصر، وأنها لم تعد ضعيفة، مكسورة الجناح، خائبة الرجاء، فقد أثبتت على الأرض قوةً وبسالة، وجرأةً وشجاعة، وقدرةً وإرادة، وتصميماً وعزماً، شهد بها العدو واكتوى، وشكا منها واستوى، وأن الجرح الفلسطيني سيكون أقوى من السكين، وأن الدم المهراق سينتفض، وسيكون ثورةً لا تنطفئ، ولهباً دوماً يتقد، وأن الإرادة الفلسطينية ستتفوق، وستبقى قوية صلبة، وأن الكرامة الفلسطينية ستتحقق، والعزة ستكون، والوحدة ستتجلى، والتوافق سيصمد، والاتفاق سيمضي بقوة، وسيتحدى بإرادة، وسيثبت بصدق.

إنها ليست أحلاماً ولا أماني، ولا هي شعاراتٍ ولا دعاياتٍ، كما أنها ليست كذباً ولا تخريصاً، ولا هي دغدغة عواطف وإثارة مشاعر، ولا هي محاولة للتحميس والتشجيع، ولا هي تحريض وتوريط، بل هي حقائق ووقائع، وأرقامٌ واحصائيات، وملاحظاتٌ ومشاهدات، وقراءاتٌ واستنباطات، وتحليلٌ واستقراء، فقد أوجعت المقاومة العدو، ونالت منه وأخافته، وقتلت منه وأسرت، وجرحت جنوده وأصابت، وقصفت مدنه ومنشآته، وطالت البعيدة منها والقريبة، وهددت الاقتصاد وخربت السياحة، وشوهت السمعة وأضرت بالسيرة، وكشفت الزيف وفضحت الباطل، وأجبرت شعبه على الهروب أو الاحتماء في الملاجئ.

هذه المقاومة ستنتصر في هذه المعركة، والعدو يعلم أنها ستنتصر عليه، وإن كان يعلم أنه أقوى منها عدداً وسلاحاً، وعدةً وقدرة، وأنها لن تستطيع هزيمته عسكرياً، وتفكيك كيانه مادياً، وشطب وجوده نهائياً، ولكنها ستجبره على الخضوع لها والقبول بشروطها، والإصغاء لها والاستماع إليها، والموافقة على مطالبها، وهي مطالب محقة، ومسائل إنسانية، لن تقوَ ومن معها من الحلفاء، العرب والغرب، على الوقوف ضدها، والتصدي لها، والامتناع طويلاً عن تنفيذها.

سيُرفع الحصار عن قطاع غزة، وسيجبر الكيان والمحاصرون الآخرون على فتح المعابر، وستدخل البضائع والمؤن والمساعدات، وسيتدفق النفط والوقود والحديد والاسمنت، وسيعاد إعمار قطاع غزة، وستبنى بيوتها من جديد، وستتعمر مؤسساتها ومنشآتها، وستعبد طرقها وشوارعها، وسيسوى ركامها، وسيزول ردمها.

وستمخر مراكب صياديه وزوارقهم عباب البحر، وستجوب قبالة شواطئ غزة، عميقاً في المياه الإقليمية، تصطاد كيف شاءت، وتعود وقتما أرادت، وسيعود المزارعون إلى حقولهم، وسيزرعون أرضهم، وسيجمعون جنى بساتينهم، ولن تكون على حدود قطاع غزة أراضي بور، ولا أخرى ممنوعٌ دخولها، أو العمل والإقامة فيها، أو الاقتراب منها والمرور فيها.

ولن تتكرر معاناة المسافرين، ولا عذابات العالقين، ولا معاناة المرحلين، بل ستفرض المقاومة وصبر الشعب، ودم الشهداء والجرحى، وأرواح الأطفال والنساء، والشيوخ والشباب، حلاً على المجتمع الدولي، يكون فيه لغزة بواباته الحرة المستقلة، مطارٌ تحط فيه الطائرات، وميناءٌ ترسو فيه السفن، وتحط فيه المراكب، تفرغ حمولتها، وتنقل من القطاع منتجاتٍ محلية بديلة إلى بلادٍ أخرى، وموانئ بعيدة.

إنها الحياة قد علمتنا، وسير الشعوب وقصص الأمم قد فقهتنا، أن الشعوب المقاومة دوماً تنتصر، وأنها تحقق أحلامها، وتصل إلى أهدافها، وأنها ترغم العدو في نهاية المطاف على القبول والتسليم، والخضوع والخنوع، فما من شعبٍ إلا وتحرر، وما من أمةٍ إلا وانعتقت، وما من استعمارٍ إلا واندثر، وما من احتلالٍ إلا وانتهى.

ولكن هذه الخواتيم السعيدة لا تكون بغير الصمود والثبات، والتضحية والعطاء، وقد أعطى شعبنا الكثير وضحى، وما يواجهه اليوم من عنفٍ مفرطٍ، ومذابح دمويةٍ بشعة على أيدي الاحتلال في كل أرجاء قطاع غزة، ليس إلا إيذاناً بالرحيل، ودليلاً على قرب الزوال، فما ساعات الظلمة الحالكة إلا تباشير فجرٍ أبلج، وصبحنا بات قريباً، وغدنا بات وشيكاً، وإن كان الجرح غائراً، والألم شديداً، والمعاناة كبيرة، والفقد عظيماً، والخسارة كثيرة، إلا أن الخاتمة ستكون بإذن الله سعيدة، ترضي الشعب، وتنسيه همومه، وتعوضه عما فقده، وتعيد إليه الأمل من الجديد.

فهذه مقاومة عز نظيرها، وقل في الزمان مثيلها، فالنصر بإذن الله حليفها، والمستقبل كله لها، وعد الصدق، وقول الحق، الذي نؤمن به نعتقد، وستذكرون الغداة أن أحزان الأمس هي أفراح الغد، وأن دماء البارحة هي أمال المستقبل، وأن الدمع المسكوب سينسج أثواب الحرية، وسيكحل عيون الأمهات، وأن الردم يقوي الأرض، والركام تكون منه الجبال.

الخميس 13:30 الموافق 25/7/2014 (اليوم الثامن عشر للعدوان)