فلسطين ترسم جدارتها في صناعة النصر

بقلم: عباس الجمعة

في الوقت الذي يواصل فيه الشعب الفلسطيني صموده وتحديه للعدوان البربري على قطاع غزة الصامد، والضفة االفلسطينية والقدس ، وها هو سيل الشهداء يبدأ في الهدير، وها هي الجماهير تتحرك تباعا لتملأ الشوارع، ولتشتبك مع حواجز الاحتلال، فدماء شهداء اطفال ونساء وشيوخ غزة وشهداء الضفة اعلنت على مسار الانتفاضة والمقاومة في كل الأرض الفلسطينية، بحيث يجري إهالة التراب على هذه المرحلة البائسة برمتها، ويتوحد الجميع في معركة المصير الواحد.
ومن هنا وللاسف لم نرى هنالك دعوة من اي دولة عربية للتضامن والوقوف مع الشعب الفلسطيني ، بينما تتكاثر المبادرات (العربانية) و(الدولية) للوصول إلى هدنة بين المعتدي والمعتدي عليه، وما يثير الاشمئزاز أن تأتي هذه المبادرات من دول تنطحت دون غيرها في دعمها لما سمي زوراً (ثورات الربيع العربي) وشعاراتها البراقة، أو من دول عانت من مآسي وكوارث هذه المتغيرات أيضاً.
العالم العربي الذي انتظر من قادته وزعمائه التداعي إلى عقد قمة رسمية طارئة، ، يفاجأ بتداول مبادرات تنص على وقف الأعمال العدائية (لاحظ بين الطرفين) وعلى ضرورة إفراغ غزة من الوجود المسلح وغيرها من المقدمات اللامتوازنة، إن لم نقل غير المنطقية، بوصفها خطوة مشروطة لفتح المعابر، وفك الحصار عن شعب غزة.
ففي الوقت الذي يتظاهر فيه عشرات الألوف في مدن العالم وعواصمه، بدءاَ من جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا إلى واشنطن وغيرها من المدن والعواصم، يتظاهر المئات فقط في الشوارع العربية، ليشيروا إلى تبعات المتغيرات التي عصفت بالمنطقة وتداعياتها، وبدلاً من اتخاذ المواقف الرسمية العربية على تواضعها، ضد هذا العدوان ومحاسبة مرتكبيه وإدانتهم على أعمالهم القذرة والوحشية، يتداعى بعض العربان إلى تقديم المبادرات التي تساوي في مضمونها بين إسرائيل المحتلة والمعتدية، والشعب الصامد في قطاع غزة.
وفي هذا السياق ننظر بأسف وحزن إلى المبادرة الرسمية المصرية، وإلى المبادرة القطرية غير المعلنة حتى تاريخه، اللتين تنصان على تهدئة رفضها الشارع الفلسطيني وقيادته وقواه ومناضلوه في غزة والضفة الفلسطينية، والمناطق المحتلة عام 1948 الذي أكدوا ضرورة وقف العدوان الهمجي أولاً وإدانة مرتكبيه ومحاسبتهم، بوصفها خطوة نحو مناقشة خطوات التهدئة، التي يجب أن تشمل العناصر التي أدت إلى قيام هذا العدوان، وفي مقدمتها الحصار اللإنساني واللاأخلاقي على قطاع غزة، المنافي لكل الأعراف والقوانين ولكل الاتفاقيات الدولية الناظمة للعلاقة بين المحتل والمحتلة أراضيه، وفي المقدمة منها اتفاقيات جنيف.
الشعب الفلسطيني يواصل صموده في معركة المصير ، ويؤكد بهذا الصمود إصراره وعزمه على رفض التهدئة وفق الشروط الإسرائيلية، والشروط (الدولية) اللامتوازنة، كذلك المبادرات العربية المنحازة وغير الأخلاقية، وتواصل المقاومة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحديه للعدوان، بمساندة ودعم الضفة الفلسطينية المحتلة والقدس وفلسطين التاريخية عام 1948، وبدعم الشعب الفلسطيني في اماكن اللجوء والشتات والمنافي في ظل (تضامن) شعبي عربي غير مسبوق في حجمه وتجلياته في صفوف الشارع وحركته الوطنية، ليؤكدوا أن هذه المتغيرات السلبية التي عصفت بالمنطقة، خلال السنوات الأربع الماضية على كارثيتها وتبعاتها، لن تثنيهم عن نضالهم وعن المطالبة بحقوقهم الوطنية الثابتة، وعنوانها الرئيس حق اقامة دولة فلسطين وحق العودة الى الديار والعيش بكرامة واستقلال، مثلهم مثل بقية شعوب العالم قاطبة.
فالفرق واضح لكل ذي بصيرة بين العدوان والدفاع عن الذات، وعن الكرامة والحقوق ، وبين استخدام الآلية العسكرية الصهيونية، والصواريخ الميدانية المتواضعة في قدرتها، ولكنها الأقسى حينما تمتلكها الإرادة بالنصر. إذ لا خيار أمام الشعب الفلسطيني إلا الوحدة الوطنية ومواصلة النضال بأشكاله المختلفة المشروعة، التي أقرتها جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية للشعوب المحتلة أراضيها في مواجهة العدوان والاحتلال والغطرسة وتجاهل الأعراف الدولية، وهذا ما يمارسه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الصامد عبر مقاومته ، وما تمارسه الضفة الفلسطينية عبر انتفاضتها ، بدعم من اشقائهم في فلسطين التاريخية عام 1948 ، وهم يدركون أن الفارق الجوهري بين العدوان القائم، والاعتداءات الهمجية السابقة، عنوانه التوحد الفلسطيني في مواجهته، والإصرار على رفض أية مبادرات عربية أو غيرها لا تضمن لهم حقهم في فك الحصار عن شعبهم وفي نيل الحرية والاستقلال بوصفه حقاً مشروعاً وأساساً لأي نقاش أو (مبادرات).
وهذا ما يجب أن تدركه الدول كافة الدول العربية ودول العالم ومجلس الأمن الدولي، وأن لا تختزل المعادلة القائمة إسرائيلياً وعربانياً و(دولياً) في هدنة مشروطة بين المعتدي والمعتدى عليه، ، فالقضية أصبحت أكثر من جلية، وتتلخص في عدوان بربري على شعب بأسره، وأن مافة فصائله وقواه قادرة على الإمساك بناصية الحل المتلخص في وقف العدوان وإدانة مرتكبيه ومحاسبتهم، بوصفه خطوة نحو حل يقود إلى إنهاء الاحتلال لا أكثر ولا أقل.
الذين راهنوا على شطب القضية الفلسطينية من ذاكرة الشعوب العربية، هؤلاء جميعاً أصيبوا بإحباط شديد ، للأن من يعتقد العيش بأمان وينأي بنفسه عن القضية الفلسطينية، فهو واهم، لأن هذه القضية هي القضية المركزية للامة العربية .
لم تعد تكفي الكلمات ولا الصرخات ولا البكاء ولا اللوم والعتاب في لحظة الحقيقة ، كل قطرة دم وصرخة طفل ودمعة امرأة ورجل في غزة والضفة الان تعادل ما لم يتحمله ميزان او يكيله معيار او يقيسه مقياس، كلها وبتداعياتها لا تقف امام الصمود البطولي والرد المقتدر عليه بظروفه وإمكاناته الفعلية وإعطاء العدو دروسا اخرى تضاف لما سبق، المقاومة والشعب الفلسطيني يكتبون اليوم بدمائهم امجاد الامة ، وقد جاء خطاب الرئيس محمود عباس ليؤكد على الصمود الأسطوري للمقاومة بعد فشل كافه التحركات لوقف العدوان على قطاع غزه.
ان ما تقوم به حكومة الاحتلال الصهيوني من تنفيذ المزيد من المذابح وعمليات القتل الجماعي لستر الفشل العسكري في تحقيق أهداف العدوان التي أعلنها المجرم نتنياهو وروج لها أركان حكومته الارهابية يتواصل صمود الشعب العربي الفلسطيني في القطاع مدعوما من جماهير الداخل والضفة لى مواجهة الاحتلال سوف يغير جوهريا في طبيعة المواجهة الدائرة لأنه يرد الاعتبار إلى طبيعة الصراع، ومن شأن الثبات السياسي الفلسطيني ان يرغم الكيان الصهيوني على الرضوخ لمعادلات ردعية جديدة بنتيجة فشله في تحقيق الأهداف التي رسمها للعمليات الجوية والبرية ومن الواضح انه متجه إلى ارتكاب المزيد من المجازر ويجاهر منظرو الحرب على غزة بهذا الخيار تحت شعار رفع الكلفة الفلسطينية إلى مواجهة الاحتلال وبحجم التضحيات الشعبية السخية وبمعنويات المقاومين لمرتفعة وبصلابة كتائب سائر الفصائل الفلسطينية المقاومة التي تعززت في ظروف القتال ضد العدو حيث لا صوت يعلو على صوت المعركة.
نعم امام كل ذلك استمعنا لخطاب سماحة السيد حسن نصرالله خطاب سيد المقاومة الذي اكد فيه على الثقة بالمقاومة والثقة بالشعب تعنيان الثقة بالعاملين الحاسمين، وهما الميدان والصمود الشعبي ،و الصمود السياسي رغم الضغوط التي تمارس على القيادة السياسية التي تتولى عملياً إدارة الميدان التفاوضي، والواضح أنّ المقصود هنا الضغوط القطرية والتركية على قيادة حركة حماس، ، وهذا يتطلب من القيادة السياسية التمسك بدماء الشهداء وانجازات المقاومة ، فالشعب الفلسطيني يقاوم ويقدم التضحيات، و بات المشهد المتواصل ينبئ بأن ثمة سرا كامنا ومؤكدا بين طرفي هذه المعادلة، عمره من عمر الصراع مع العدو الصهيوني، المدعوم بلا حدود أميركيا وغربيا ويطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون اصطلاحا "عجز القوة" في مقابل قوة الضعف. وهو السرّ ذاته الكامن في انتصار الدم على السيف، والعين على المخرز، فقوات الاحتلال عجزت عن استئصال المقاومة وكسر إرادة الشعب الفلسطيني وقتل روح المقاومة المتجذرة فيه والحيلولة دون تجددها ونهوضها بعزيمة أكبر في كلّ مرة، والعجز الأكبر تجلّى في عدم تمكن أنظمة التآمر العربية من طيْ صفحة القضية الفلسطينية وشطبها من معادلات الصراع في المنطقة، وتحويلها في اتجاهات أخرى بديلة، فلسطين عادت لتكون البوصلة وتكون الأساس على وقع تصدي المقاومين وضربات صواريخهم على امتداد جغرافيا الأرض المحتلة، ودماء الشهداء تؤكد أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية ولن يطويها الزمن.
ختاما : لا أبالغ في القول إن تحرك الضفة الفلسطينية في هبات شعبية متواصلة متعاظمة سيلعب دورا حاسما في وقف العدوان وإحباط أهدافه ، رغم الخلل في موازين القوى بين المقاومة وجيش العدو الى الحدّ الأقصى، ورغم الموقف العربي الرسمي المخزي، ورغم الخسائر الفادحة من جراء وحشية الكيان الصهيوني غير مسبوقة، تسطر المقاومة في غزة الرقم الصعب، ولم تستطع آلة الحرب الصهيونية الجهنمية أن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس وأن تسلب حقه في المقاومة، وإعجاز غزة أنها أظهرت عجز قوات الاحتلال على حقيقته، غزة تقاوم وهي مطوقة بحصار خانق و الضفة تقاتل بالصدور العارية فتقدم الشهداء والجرحى بمواجهة الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وفلسطين تثبت في كل ساعة من هذه الملحمة البطولية ان فلسطين ترسم جدارتها في صناعة النصر ورفع الظلم التاريخي عن فلسطين وشعبها مهما كان الثمن.
كاتب سياسي