العيد يلهب الجرح الفلسطيني النازف

بقلم: عباس الجمعة

العيد في فلسطين له طعمٌ خاص معطرٌ برائحة البارود ومُخضبٌ بالدم النازف ومجبولٌ بأنين الأسرى ومعزوفٌ بِعشق العودة.
فعيد فلسطين، كله مقاومة، وشهداء، وأسرى، ولاجئين، ومبعدين، ومحرومين، ومعذبين، ومشردين في منافي الأرض ،واطفال وامهات وزوجات يذرفون الدمع على الاحبة.
فعيد الفطر يحل على شعبنا في غزة والقدس والضفة والأرض المحتلة عام 1948م، واماكن اللجوء والشتات والجرح الفلسطيني لم يِندَمل.
أي عيد في فلسطين، والاقصى سليب، والقدس مهودة، والضفة مكبلة بالاسلاك الشائكة ، وأزقتها وتلالها وجبالها ومدنها وأرضها تهود لتصبح امرا واقعا ، وغزة الجريحة محاصرة ومكبلة بالقيود .
أي عيد في فلسطين ينبلج فجره، ومداد الدم الفلسطيني مازال يجري، وأنهار دماء الشهداء ما تزال تتعانق مع بحر دماء الشهداء الاوائل الذين اطلقو الرصاصة الاولى فجر عام 1965 و أشعلوا شرارة الانتفاضة الاولى والثانية، والأرض تضم بين ثناياها أجساد قادة ومناضلين.
أي عيد في فلسطين تشع شمسه وما زال أكثر من 5000 أسير في عرينه، يطويهم الغياب والنسيان، وتلفهم عتمات السجون، وتمر عليهم سنين بعد سنين .
أي عيد في فلسطين وغزة يراد لها أن تسقط، وخيوط المؤامرة تنسَج في باريس ، من أجل النيلِ من شوكة مقاومتها الباسلة التي أذلت أقوى قوة وأصلف إحتلال عرفه التاريخ، والحصار يشتد عليها من القريب والبعيد، حيث بات المشهد المتواصل ينبئ بأن هناك سراً كامنا ومؤكداً بين طرفي هذه المعادلة عمره عمر الصراع مع العدو الإسرائيلي المدعوم بلا حدود أمريكيا وغربيا يطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون اصطلاحاً "عجز القوة في مقابل قوة الضعف" وهو السر ذاته الكامن في انتصار الدم على السيف والعين على المخرز، فالقوة الصهيونية الغاشمة عجزت عن استئصال المقاومة وكسر إرادة الشعب الفلسطيني وقتل روح المقاومة المتجذرة فيه والحيلولة دون تجددها ونهوضها بعزيمة أكبر في كل مرة والعجز الأكبر تجلى في عدم تمكن أنظمة التآمر العربية من طي صفحة القضية الفلسطينية وشطبها من معادلات الصراع في المنطقة وتحويلها باتجاهات أخرى من خلال ما يحاك من فتن طائفية وتكفيرية وعرقية في أربع رياح الأرض العربية إلا أن الرياح هبت في العدوان الوحشي الجديد على عكس ما تشتهيه سفنهم وعادت فلسطين لتكون البوصلة وتكون الأساس على وقع صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وضربات صواريخها على امتداد جغرافيا الأرض المحتلة لتؤكد أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية ولن يطويها الزمن.
أي عيد في فلسطين والمؤامرة بدأت من خلال المبادرات الغربية والأمريكية والعربية المشبوهة تتدفق من كل حدب وصوب لحفظ ماء وجه رئيس حكومة الاجرام الصهيوني صاحب قرار العدوان على غزة .
لهذا ارداوا ابعاد منظمة التحرير الفلسطينية لانها سترفض اي مبادرة مفخخة وملغومة بعبارات منمقة متباكية على الدم الفلسطيني أن تخفي اليد التي تحمل الخنجر المسموم لذبح القضية الفلسطينية ومقاومتها من الوريد إلى الوريد لقاء وعود مالية مفتوحة لإعادة إعمار غزة وتقديم إغراءات مالية فاحشة إلى ضعاف النفوس من القيادات الفلسطينية .
لا نستبعد أن تكون كثرة "المبادرات"مناورة متفقاً عليها لإطالة أمد العدوان، وبعض الأنظمة في الخليج تعمد إلى المماطلة حتى تكمل حكومة الارهاب خطة القتل والتدمير كاملة غير منقوصة، أملا في أن تنهك قوى المقاومة إلى درجة ألا تقوم لها قائمة بعد الآن فيغدو الطريق مفتوحا أمام السعودية وقطر وتركيا لتصفية القضية الفلسطينية وفق "مبادرة" أسوأ من تلك التي طرحت في بيروت مطلع العقد الأول من هذا القرن ومن دون رفع الحصار ومساواة بين "الجلاد والضحية" وهذا ما يسعى إليه كيري في جولاته المتكررة إلى المنطقة لكي يسجل "إنجازا تاريخيا" لأوباما ولكي يضاف هذا الانجاز إلى سجله قبل نهاية ولايته الرئاسية الأخيرة.
ورغم الخلل في موازين القوى بين المقاومة وجيش العدو إلى الحد الأقصى ورغم الموقف العربي الرسمي المخزي ورغم الخسائر الفادحة من جراء الوحشية الإسرائيلية المتصاعدة بقي أبطال المقاومة في غزة الرقم الصعب ولم تستطع آلة الحرب الصهيونية الجهنمية أن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة وأن تسلب حقه في المقاومة، وإعجاز غزة أنها أظهرت عجز القوة الإسرائيلية على حقيقته، وإعجازها الباهر الأسطع يكمن في أنها تقاوم وهي مطوقة بحصار خانق وتقاتل بالصدور العارية شبه وحيدة جيشاً ًقوياً غاشماً وعدواناً شرساً وأخبث تآمر من النظام العربي الرسمي وهي تثبت في كل ساعة من هذه الملحمة البطولية جدارتها في صناعة النصر ورفع الظلم التاريخي عن فلسطين وشعبها مهما كان الثمن. عيدنا بطعم الدم ، نصحو من النوم نترحم على الشهداء ونمشي باتجاه مقابر الشهداء لمبايعتهم كما كل عام ، وعلى أضرحة الشهداء نتوحد ونستذكر وجوه غابت عنا في لحظات من العزة والكرامه التي حالوا تجريدنا منها، وفي حضرة الشهداء نحكي غزة الصامده، غزة الامثوله التي قهرت الصهاينة وجعلتنا نتنفس الهواء النظيف الذي حرمتنا منه الاتفاقيات المذله .
عيدنا بطعم الدم، لا ملابس جديده، ولا حلويات، ولا رحلات، ولا تلك ألجمله الممجوجه " كل عام وأنت بخير" فلا خير وأطفال غزه يذبحون، ولا خير وشعبنا في عزه يجوع ويباد ، ولا خير والمتصهينين العرب يتحالفون من الدولة ألصهيونيه لذبحنا، وكيف يأتي الخير وشعبنا لوحده لا احد يبادر لتضميد جراح طفل جريح، كيف يأتي الخير وعشرات الآلاف من أبناء شعبنا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ولا يجدوا من يسد رمقهم عندما يخرج عليهم مدفع رمضان معلنا ساعة الإفطار.
عيدنا بطعم الدم ، فدم أطفال فلسطين سيلاحق العالم كل العالم، دم أطفال فلسطين سيكون لعنه عليهم ، وهم يتحدثون عن "الأيديولوجيات" ويتشبثون بمبررات "المؤامرة" و "يشمتون" في شهداء غزة في حربهم غير العادلة ويشككون في أي نصر حتى لو كان بسيطا ومعنويا يحققه أبناء غزة ويتهمون بعضهم بعضا بصورة مضحكة.
هكذا هو الحال في فلسطين في كل بيت مأساة و في كلّ زاوية كارثة أو مصيبة ، هذا ما فعله الأشرار من الصهاينة الذين اقتلعوا الشعب الفلسطيني من وطنه بقوة السلاح ، مما ادى تشريد الملايين من أهلنا أصحاب الأرض الشرعيين من وطنهم ليعيشوا المرارة و الحرمان على مدى ما يزيد عن ستة و ستون عاماً .
وامام هذا الحال نقول ان الصمود الأسطوري المنقطع النظير لشعبنا العربي الفلسطيني والتي تضامن معه الشرفاء والاحرار من كل الشعوب العربية والعالمية ، هذا الصمود تتحطم على صخرته كل أهداف الأعداء والمتآمرين ، حيث افشل هذا الصمود العدوان الاجرامي على كل المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاستراتيجية والأخلاقية وصنع موازين جديدة للقوة حيث سيكون لها أثر كبير على مستقبل فلسطين بل على مستقبل المنطقة والعالم ، اصبح أن ما يحدث في غزة والضفة الفلسطينية وفلسطين هو انتصار كبير للشعب الفلسطيني بفضل المقاومة ودماء الشهداء، إلى جانب صمود الشعب في وجه العدوان على قطاع غزة ، وهذا ايضا بفضل وقوف لبنان الشقيق بشعبه وبرلمانه وحكومته واعلامه ومقاومته والجمهورية الاسلامية في إيران وسوريا والاحزاب والقوى التقدمية والديمقراطية والقومية واليسارية العربية والعالمية على مواقفهم ودعمهم الشامل للقضية الفلسطينية.
ختاما : في غزة والضفة والقدس وكل فلسطين، في صباح كل عيد، ننثر "الآس" على مساحة الارض لنزين مساقط الشهداء، ففي كل شبر شهيد، وفي كل خطوة آهات موجوعة، غزة قضت رمضان 2014م – 1435ه بصورة مختلفة عن باقي الدول العربية والإسلامية، وأهلها صاموا عن الهزيمة والانكسار وأفطروا في كل يوم على طعم الشهادة والكرامة والانتصار، فكتبوا لوحات كانت تنطق على جدران البيوت، ودمى تحمل أسماء الأطفال أصحابها، ما زالت تنبض برائحتهم وضحكاتهم وشقاوتهم.
كل عيد وفلسطين منتصرة
كاتب سياسي