ها أنا أعود بقلمي من جديد ألملم جراحا غائرة لم تزل تمزقني .. لكن حروفه التي يخطها بأحباره مهما تباعدت خرائطها إلا أنها تعود في كل مرة من جديد كطائر الفينيق حين ينهض من بين أكوام الرماد ، أعود بقلمي ..بعدما استيقظت من كابوس مزعج فظيع قد انتابني منذ ما يقارب الشهر ..ولم يزل يلاحقني فالمآسي جمة والويلات والجرائم والانتهاكات التي حلت بنا في غزة أمرٌ ليس بالهين..لو تعلمون يا أحبائي في بلاد العرب أوطاني.. أن ما أوقظني اليوم هو تلك التكبيرات..تكبيرات العيد التي تعالت هذا المساء عبر مكبرات صوتية انبعثت أصواتها من المآذن المجاورة والقريبة جدا لحدود قطاعنا غزة المنكوبة.. العيد في غزة هذا العام له نكهة غريبة ،ولون عجيب نكهة تحمل في ثناياها لعنة ستلاحق كل المتخاذلين وكل الجبناء ،لعنة ستطارد كل الذين انعدمت فيهم روح الشهامة والكرامة والرجولة والعروبة ..وسواء أكان أولئك من شعوب تقاعست بصورة متعمدة مشوهة ومنبطحة وجبانة أو ساسة أذلاء قد هيئوا وأعدوا كل الأجواء بإعلانهم الحرب الإعلامية الشعواء قبل العدوان لتكّره شعوبهم في غزة وأهالي غزة فينامون في سبات عميق بزعمهم أن سكانها هم حمسايون إخوانيون وهي فرصة سانحة للتخلص منهم جميعا هي مؤامرة كبرى متعمدة تحاك ضدنا هنا في غزة لإجهاض قضيتنا الفلسطينية برمتها .. ونسوا أن في غزة شعب ٍ ككل الشعوب يحمل أطيافا فصائلية مختلفة كألوان الطيف لكنهم جميعا متوحدون تحت راية علم واحد .. وأن في غزة أناس كثيرون ليست لهم أي انتماءات فصائلية.. ونسوا أو تناسوا أن في غزة شعب يعشق الحياة.. يبحث عن العيش بكرامة، ويفتش عن الحرية وكسر القيود .. مساكين أنتم أيها الشعوب ..لأنكم ركبتم وبمحض أرادتكم قطار أولئك الساسة ، ولذلك عليكم بألا تحلموا أن تنعموا أبدا براحة البال ،فالكعك ..كعك العيد الذي بين أيديكم هذا العام ستفوح من حناياه رائحة الدم ..دم الأبرياء الذين حصدتهم الآلة الصهيونية بتجاهلكم ،وخذلانكم لإخوانكم.. حتى الحلوى قد اصطبغت بلون ٍ أحمر دموي منبثق من تحت أكوام الركام حيث ترقد جثث الموتى التي لم تنتشل بعد .. وحتى المكسرات أنّى لكم أن تتلذذوا بحبياتها تسلية في ليالي السمر،و قد امتزجت ثناياها ببقايا فتات أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ ..مساكين أنتم أيها الشعوب في بلاد العرب أوطاني .. يامن قمتم بصيام رمضان وأقمتم في لياليه الصلوات والعبادات والابتهالات، ويامن تنافستم على تلاوة القرآن و أديتم الزكوات، وتصورتم بغبائكم أنكم قد أتممتم الإيمان ..أقول لكم اليوم ..لن يرحمكم التاريخ الذي سيدون عنكم بين سطور سجلاته الخزي والعار لإقترافقكم جريمة الصمت واللا مبالاة إزاء المجازر التي ترتكب بحق المواطنين الفلسطينيين العزل في غزة أو بالضفة وبداية من دير ياسين وكفر قاسم والحرم الإبراهيمي ومجازر جنين وتل الزعتر وقانا وقبية وخان يونس والفاخورة وصبرا وشاتيلا وآخر تلك المجازر التي تنتهك بحق أهلنا ..هنا في غزة وآخرها اليوم حيث استشهد عشرة أطفال عصر الاثنين أول أيام عيد الفطر في غارة إسرائيلية على حديقة للأطفال في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة ..والشاهد هو تلك الصور التلفزيونية التي رصدت الأطفال الشهداء وهم ينقلون إلى مجمع الشفاء الطبي في غزة أشلاء ممزقة..رغم أنها مجازر ترتكب وقد فاق عدد الأطفال الذين استشهدوا بأضعاف مضاعفة لمجزرة بحر البقر إثر هجوم سافر شنته القوات الجوية الإسرائيلية ذاتها في صباح الثامن من أبريل عام 1970 م، حيث قصفت طائرات من طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية في مصر، أدت إلى مقتل 30 طفلا وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماما إلا أنها هي ذات المجازر التي يرتكبها اليوم نفس الأعداء مع فروق التوقيت ،ومع فروق صمت أو موت الضمير العالمي فلا استنكار ولا شجب ولا تنديد بتلك الأعمال الوحشية الجبانة بما يتنافى تماما مع كل الأعراف أو القوانين الدولية ولو ارتكبت تلك المجازر التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني اليوم بحق الحيوانات لتحركت جميع جمعيات حقوق الحيوان في كل بلدان العالم ..!! ياشعوب ساسة الذل والهوان ..سامحوني إن قلت لكم لن ترحمكم الأجيال القادمة التي تحمل في قلوبها مشاعل النور ونبض الحرية ونبراس الثورات الحرة الشريفة ، وستكون غزة بخرابها ..ودمارها حجة شاهدة عليكم أمام الله يوم الموقف العظيم ..لم استغرب في أن لا يحرك أحدا من ساكن كردود فعل على العدوان الغاشم الذي دمر كل شيء في غزة دمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها ..حتى الحجر والشجر لم يسلم من هؤلاء الطغاة الذين ما تجبروا علينا في غزة إلا لتواطؤكم..لكن تلك إرادة الله أن نقف بمعزل في خندق المعركة والمواجهة والمجابهة ضد الاحتلال ،الذي لم ولن ينل شيئا من صمودنا وكفاحنا ونضالنا .. وصدق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والذي وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حين قال صلى الله عليه وسلم : "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ لعدوِّهم قاهرين لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأْواءَ فهُم كالإناءِ بين الأَكَلةِ حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلك قالوا يا رسولَ الله وأين هم قال ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ".
ولا يسعني في آخر القول سوى أن أقول : حسبنا الله ونعم الوكيل ..!!