بعد ما سمعت بالهجرة .. رأيتها بعيني

بقلم: حمزة جمال حماد

حدثني جدي أطال الله في عمره البالغ من العمر أكثر من 90 عاماً الذي هُجر من قرية احُتلت منذ عام 1948 وهي قرية نعليا , والتي تقع نحو 19 كم من شمال شرق غزة في أراضي مدينة عسقلان المحتلة , حيث كان للجيش المصري دوم مهم في الدفاع عن هذه القرية المسكينة , وتعتبر القرية إحدى القرى التي احُتلت في تلك الفترة على يد الاحتلال.
كنت مندمج ومتأمل في عيون جدي التي كانت الدمعة تقف على باب عينه للحسرة على ما فقده من ثروة غالية على قلبه ؛ حيث كان يردد جدي عبارة قوية المعنى " يا ريت يا سيد قبل ما أتوفى أشوف بلادنا " لعلها عبارة لم يكن صداها قوي بالنسبة لنا , لكن ملامح وجهه ونطقه لها توحي بأنها كنز لا يمكن التفريط به , ولعلنا نقول " غريبه قصه الدمعة وهي تغسل جفون العين , تريح جفن باكيها مع انها قمه احزانه " .
استذكرت هذه الجلسة الأليمة في هذا العدوان الغاشم على أبناء شعبنا الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي شرد النساء وقتل وحرق الأطفال وجعل من أجساد الرجال أشلاء وهدم البيوت على ساكنيها وقلع الأشجار , لم أرى سوى ما حدثني اياه جدي قبل الحرب الشرسة على غزة , فقال لي جدي : هاجرنا من بلادنا بسبب الهجمة والمجزرة التي ارتكبوها بحقنا على أرضنا فلسطين فغادرنا .
واليوم التاريخ يعيد نفسه حيث أرى الكلمات التي حدثني اياها جدي خلال جلسته في حالنا اليوم سواء في مجزرة الشجاعية أو مجزرة خزاعة أو شرق مخيم جباليا , لم أكن أتوقع هذه الصورة المأساوية التي شاهدتها بعيني ؛ حيث كان الأطفال يصرخون , والنساء تبكي , والرجال يلهثون , فبأي حق يا إسرائيل؟!
كما أن الصور التي تلقيناها من مجزرة الشجاعية توحي بشدة العنف الحربي الذي كان يقوم عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي في ليلة الهجوم الشرس على أهل حي الشجاعية شرق غزة , فكانت هجرة وقتل ودمار ولا أحد يستطيع التعبير فالصور أبلغ من اى حديث لذلك نقول :
قد يكون من السهل نقل الانسان من وطنه ولكن من الصعب نقل وطنه منه
في صبيحة يوم من أيام الحرب البرية الجوية البحرية على شمال غزة , استيقظت على صوت الإنفجارات غير مميز لأي جهة تنتمي سواء بري او بحري او جوي ولكن تبقى قاتلة ومدمرة , فكنت على إطلاع بالشارع الشمالي لمدينة غزة فرأيت الناس بالشوارع مُشههم بيوم الحشر من شدة الخوف والعنف الحربي الذي استخدمه جيش العدو .
لعلنا نذكر بأنه استخُدمت الحرب النفسية مع تلك الأبرياء والمدنيين الذي لا يملكون سوى الدعاء لنصرة مقاومتهم على هذا الاحتلال البربري .
وقد قال لي جدي قاعدة أساسية لا يمكن العودة إلا بها " ما أخُذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة " .
وختاماً " لكي ننتصر فلا بد من الصبر " نحن لم نذهب إليهم في بلادهم ونطلب منهم أن يأتوا إلى أرضنا ولا أن يشردونا في أقطار العالم، بل هم الذين قدموا إلينا وقتلونا وأخرجونا من ديارنا، قال سبحانه وتعالى: "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
إذا فلابد أن نقاتل وبقوة ، وأن ندعم المقاومين وأن نقدم لهم الدعم بشتى أنواعه المعنوي والنفسي والشخصي، هكذا هي الحرب تحتاج إلى الصمود بقوة في وجه العدوان حتى تكون موجودا على الأرض وإلا مسحك الطرف الأخر عن الوجود. قال سبحانه وتعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ".
لعلي أسرد ما خطر في ذهني ولكن حار الحكي بخاطري وتاهت بالعين دمعتي وأريد أواجه دنيتي واصرخ واقول بلادي اشتقت لكي ...