صمود غزة يكتب مجد فلسطين

بقلم: عباس الجمعة

في ظل هذه الظروف وهذا الصمود الاسطوري لأهلنا في قطاع غزة، لا زالت المؤامرات تحاك ضد قضية شعبنا العادلة من قبل الأمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية والرجعية وذلك من خلال العديد من المحاولات لكسر إرادة المقاومة لدى أبناء شعبنا، بهدف فرض رؤيتهم لحل الصراع بما يتوائم مع الرؤية الصهيونية والأمريكية، وما مؤتمر باريس والتحرك القطري التركي السعودي التي ظهر للعلن بدون سابق إنذار إلا أكبر دليل على ذلك، فهذه المحاولات لم تولد صدفة، وانما ولدت بتنسيق مسبق بين أدوات الإمبريالية في المنطقة وحكومة الكيان الارهابي من أجل إسقاط مشاريع تهدف لتصفية المقاومة في قطاع غزة، والضغط من اجل ركوع وخضوع وخنوع شعبنا لشروط الإحتلال، ولكن شعبنا المقاوم رغم الارهاب والمجازر والواقع المرير لا يمكن ان يمرر هذه المؤامرة ، حيث يلتف كل الشعب الفلسطيني في مختلف المدن والقرى الفلسطينية على ارض فلسطين بمواصلة هبته الجماهيرية ضد الاحتلال واعلان الوقوف مع قطاع غزة في خندق واحد لدرء هذا العدوان.
في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنيه، وفي ظل الحرب العدوانية على قطاع غزة المقاوم، وصمود المقاومة الأسطوري في وجه المحتل الغاشم، فرغم الحصار والتجويع والتآمر، إلا أن غزة بصمودها الأسطوري حطمت أحلام كل المراهنين على كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وأعادت قضية فلسطين إلى قلب الحدث ومركزها الطبيعي في صلب اهتمامات احرار وشرفاء العالم.
من هنا فان العدوان الإجرامي الذي تشنه حكومة الارهاب النازية على الشعب الفلسطيني في غزة، والتي تستعمل فيه كل أسلحة القتل والدمار التي زودتها بها الولايات المتحدة الأمريكية، هذا العدوان يهدف القضاء على المقاومة وروحها ودفع الشعب الفلسطيني للخضوع والاستسلام لمشيئة العدو، إلا أن هذا الشعب وبالرغم من كل الممارسات الإجرامية، أثبت صمودا اسطوريا وقدرة قتالية متفوقة أذهلت الصديق قبل العدو.
لقد شن العدو هذا العدوان بعد أن مارس جيشه ومستوطنيه، كل أنواع الإرهاب والقتل في الضفة الفلسطينية، توج هذه الجرائم بحرق الشاب محمد أبو خضير حيا ، إن هذا العدوان الذي يأتي بعد فشل المفاوضات وفشل خطة كيري لدفع الفلسطينيين للاعتراف بيهودية الدولة، وبعد تلمسه بأن هناك خطوات فلسطينية - فلسطينية نحو توافق وطني كان ابرزها تشكيل حكومة التوافق الوطني والعمل نحو انهاء صفحة الانقسام، سارع هذا العدو لشن عدوانه في ظل حالة عربية مشغولة بذاتها، بل تعيش أسوأ لحظاتها بسبب ما تعانيه من مخططات استعمارية.
جاء هذا العدوان ليكشف أن وحدة الشعب الفلسطيني هو ضمانته الأساسية لمواجهة المؤامرات التي تستهدف قضيته، الأمر الذي يعني أن الصمود الأسطوري بقدر ما هو مطلوب وإيجابي، فإن هبة الشعب الفلسطيني في الضفة والجزء المحتل من أرضنا عام 1948، من أجل دعم وإسناد الأهل في غزة، وصولاً نحو الانتفاضة الثالثة لكنس الاحتلال الصهيوني، هو التجسيد العملي لوحدة الشعب الفلسطيني.
ندرك جيدا، إن "المبادرة" السعودية- القطرية- التركية المشتركة مفخخة وملغومة وأكثر سوءاً وستحاول عباراتها المنمقة المتباكية على الدم الفلسطيني أن تخفي اليد التي تحمل الخنجر المسموم لذبح القضية الفلسطينية ومقاومتها من الوريد إلى الوريد لقاء وعود مالية مفتوحة لإعادة إعمار غزة وتقديم إغراءات مالية فاحشة، وان يسارع البعض للترحيب بالمبادرة تحت العمل من اجل وقف هذا العدوان بعد ان تجاهل أن معركة غزة لا تدار إلا بمنطق الوحدة الوطنية، ومنطق القرار الفلسطيني الموحد، خاصة وان هذا البعض يدرك جيدا، مدى التشتت في الموقف الوطني العام، ومدى الخلاف القائم بينه وبين صف عريض من القوى، في إدارة الملف الوطني.
في هذا السياق، تجاهل الدعوات المتكررة، بدلا من ان تستثمر هذه اللحظة التاريخية، لإعادة تقديم الحالة الفلسطينية في وجه العدوان، بانها حالة موحدة ومتماسكة، وخلف مواقف مشتركة متفق عليها لردع العدوان ووقفه، ولو فعل ذلك لأعفى الحالة الفلسطينية من ضريبة الجدل الذي لم يتوقف حول المبادرة المصرية، ولأغلق الطريق على التشويش القطري والتركي، ولأغلق الطريق على أية محاولة إقليمية لتصفية حسابات لا تمت للقضية الفلسطينية بصلة، حسابات أرادوا تصفيتها على حساب الدم الفلسطيني.
ان تجاهل مقاومة تقاتل وتدافع عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأن الوصول إلى اتفاق ما للتهدئة، لا بد أن تكون هذه المقاومة معنية بقول رأيها فيه، باعتبار ان شعبنا ما زال يعيش مرحلة التحرر الوطني،وأن أي تحرك سياسي لا بد أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وإذا كان قد حصل خلل في إدارة العملية السياسية فإن السلطة هي التي تتحمل مسؤولية هذا الخلل، لأنها هي صاحبة القرار، وبيدها المفتاح، لكانت حافظت على تماسك الحالة الفلسطينية ووهجها الذي استعادته بأنهار الدماء في معركة الصمود في غزة والضفة والقدس.
لذا ما زال مطلوبا ابتداع أساليب قيادية، توحد الموقف الفلسطيني، وتستجيب لمستوى التحديات وتحقق للشعب الفلسطيني إنجازات بمستوى التضحيات التي يقدمها، بعيداً عن أي شكل من أشكال المهاترات والحسابات الخاطئة .
شعب فلسطين يقاوم، ومعه أحرار من الشعوب العربية والعالمية، وهو يدرك حجم الخلل في ميزان القوى مع عدوه، ويدرك طبيعة الانحياز الأمريكي والاستعماري للكيان الصهيوني، وحجم التآمر الذي تعرض له على مدار عمر قضيته، ويدرك أن الصراع مع المشروع الصهيوني صراع مفتوح لا يوقفه معاهدة ولا اتفاقية ولا تسوية ولا مفاوضات ، حيث يسجل الشعب العربي الفلسطيني وقائع جديدة من البطولة والتحدي والتضحية، عنوانه الرئيسي المقاومة بكل أشكالها بالصدر العاري والحجر والبندقية والمدفع والصاروخ، لا ترهبه كل قوة وجبروت الاحتلال والدعم الذي يتلقاه من حلفائه.
يبدو أن صور المجازر والأشلاء الممزقة، التي تسطر بآيات الصمود والبطولة من قبل الشعب الفلسطيني الصامد ومقاومته الباسلة، لم تشفع لدى كثيرٍ من العواصم للخروج عن صمتها أولاً، أو للكف عن لعبة “صراع المحاور” ثانياً، أو مراجعة مواقفها وحساباتها ثالثاً، بما يعطي الأولوية ابتداء لمطالب شعب فلسطين العادلة في رفع الحصارعن القطاع وإطلاق سراح الأسرى وضمان وقف العدوانية الإسرائيلية المنفلتة من كل عقال.
مازالت المعركة مستمرة ومازالت غزة تكتب التاريخ في صفحات ستقرأها الاجيال القادمة بفخر وعز ومجد وستكون دروسا ونظريات حربية يطبقها كل من يواجه الاحتلال على ظهر هذه الدنيا قد تدرسها الاجيال بالعالم ,توضح هذه النظريات كيف يصنع الشعب المحتل أسلحته ليقاتل بها الجيش الغازي ويدافع عن نفسه ويحقق نوعا من الردع في العمق المعادي, كما وفرض حالة حصار على حياة المحتل وبلداته ومدنه وكيف يقابل الحصار بالحصار ويطيل المعركة ويحاور ويناور من يتدخل لوقف النار وانقاذ المعتدي , اليوم أيقن العالم أن الشعب الفلسطيني بمقاومته ووحدته يحقق النصر ويكتب تاريخ جديد يؤكد أن المعركة القادمة هي معركة القدس بعد معركة الارادة هذه التي سقطت فيها ارادة المحتل بالرغم من عدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا والدمار الهائل الذي احدثته الة الحرب الصهيونية جراء فشل حكومة الاحتلال وجيشها في تحقيق اهدافهما .
ولهذا نقول بكل وضوح أن المبادرة المصرية التي ما زالت وحدها على مائدة البحث والتفاوض، يجب أن تراعي شلال الدم والتضحيات الفلسطينية، وأن تتضمن المطالب العادلة والمحقة للمقاومة والشعب الفلسطيني، والتي تقرها كافة المواثيق والشرائع الدولية، وفي مقدمتها إطلاق سراح الأسرى ورفع الحصار عن القطاع وفتح المعابر والبوابات والعودة لتشغيل الميناء والمطار، وإلزام حكومة الاحتلال الارهابية بالتوقف عن ممارسة القتل الجماعي والعقوبات البربرية التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب،ولقد آن الأوان، لكي ينفض أصحاب المبادرة ورعاتها، عن أنفسهم غبار العناد والمكابرة، بعد ان افشل الشعب الفلسطيني ومقاومته مؤتمر باريس ، وعلى مصر ان تتخلص من حساباتها الضيقة والصغيرة.
المشهد الذي يجري في قطاع غزة يملي على القيادة الفلسطينية أن ترفع صوتها عاليا، وأن تكف عن حكاية “دراسة جميع الخيارات”، فإلى متى سنبقى ندرس ونتهدد ونتوعد من دون نتيجة ، أما آن الأوان للحظة القرار والاختيار ،وإن لم تكن اللحظة الراهنة، هي أنسب وقت لاتخاذ المواقف التاريخية المصيرية، فمتى ستأتي مثل هذه اللحظة ،إن لم تكن هذه اللحظة هي لحظة طرد الأوهام والحسابات الرخيصة والتوجه فعلا الى محكمة الجنايات الدولية حتى يثق الشعب الفلسطيني بقيادته ، رغم الخسائر الفادحة من جراء الوحشية الصهيونية المتصاعدة والرهان على الوحدة والمقاومة في غزة باعتبارها الرقم الصعب ولم تستطع آلة الحرب الصهيونية الجهنمية أن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة وأن تسلب حقه في المقاومة، وصمود غزة أظهر عجز القوة الإسرائيلية على حقيقته، وأخبث تآمر النظام العربي الرسمي وهي تثبت في كل ساعة من هذه الملحمة البطولية جدارتها في صناعة النصر ورفع الظلم التاريخي عن فلسطين وشعبها مهما كان الثمن.
لهذا نقول غزة يجب ان تنتصر في معركة البطولة والعنفوان هذه، لانها تستحق الانتصار لما قدمته من شهداء وتضحيات، واول من قدموا هذه التضحيات الشعب الفلسطيني وكافة الفصائل والقوى الصامدة في قطاع غزة .
ختاما : لا بد من القول ان معركة الصمود والتحدي جعلت من المستحيل ممكنا، وأحالت الممكن إلى واقع، و لربما يترجم هذا الواقع بعد فترة من الزمن إلى قصة تحكيها الأجيال ، حيث يكتب الشعب الفلسطيني بدمائه و أشلاء أطفاله المعنى الحقيقي لقهر المستحيل ،من خلال تاريخا جديدا ناصعا، غزة ستكسر بدم أبنائها سيف الغزاة وستصنع من أرواح شهدائها فجراً جديدا يكتب مجد فلسطين.